كل من أراد الهداية وجاهد فيها فإن الله لا يحرمه منها ويعينه عليها
وكونه لا يوجد في بلدتك شيخ مؤهل للتعليم، لا يمنع من البحث في أماكن مجاورة على قد استطاعتك، ويمكنك الاستعانة بالانترنت في التعليم وستجد على موقع طريق الإسلام شروحًا كثيرة جدًا لكل ما تحتاج دراسته من علوم.
السّلام عليكم أنا شاب أريد طلب العلم الشرعي و غيرها العلوم مثل علم الحديث و علوم أخرى، لكن المشكلة التي تواجهني أنه في مدينتي بأكملها لا يوجد شيوخ يدرّسون الفقه والعلوم الأسلامية، وأنا لا أعرف أي شيء يعني معرفتي بهذه الأمور (صفر من مائة) و أنا الآن لا اعرف ماذا افعل هل اقرأ كتب فقه وأنا ليس لدي معرفة بها كليّاً أم ماذا؟ كل الذي أريد فعله هو طلب العلم ومتشوّق له جداً، أتمنى أن تنصحوني ماذا عليّ أن افعل؟
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فنشكر لك تلك النية الحسنة، والقصد النبيل، على طلب العلم، ونَسْأَلُ الله - تعالى - أن يرزُقَنا وإيَّاك العلم النافع، والعمل والصالح، ونبشرك بقول الله – تعالى -: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11]، وقول رسوله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ سَلَكَ طريقًا يطْلُبُ فيه عِلمًا، سَلَكَ اللهُ به طريقًا من طُرُقِ الجنَّة، وإنَّ الملائِكَةَ لَتَضَعُ أجْنِحَتَهَا لطالب العِلْمِ رِضًا بما يَصْنَعُ، وإن العالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ له مَن في السموات وَمَنْ في الأرض، والحِيتانُ في جَوْفِ الماء، وإنَّ فَضْلَ العالِم على العابد كفَضْلِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ على سائر الكواكب، وإنَّ العُلَماءَ وَرَثَةُ الأنبياء، وإنَّ الأنبياء لم يُوَرِّثُوا دِينارًا ولا دِرْهمًا إنَّما وَرَّثُوا العِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍ وافِر"؛ رواه أحمد وابن حبان عن أبي الدرداء رضي الله عنه، وصحَّحَهُ الألباني.
أما السبيل طلب العلم، فيبدأ باختيار من يتعلَّم على يَدَيْهِ؛ فلابد من ملازمة شيخٍ ورعٍ سليمِ المُعْتَقَد، عالمٍ بما يدرِّسُ؛ فقد قال الخطيب البغدادي: "ينبغي للمتعلِّم أنْ يَقْصِدَ مِنَ الفُقَهاءِ مَنِ اشْتَهَرَ بالدِّيانَةِ، وعُرِف بالستر والصيانَة"، وروى - بسنده - عن محمد بن سيرين قال: "إنَّما هذا العلمُ دينٌ، فانظروا عمن تأخذونه"، ورواه مسلم في المقدمة.
وكونه لا يوجد في بلدتك شيخ مؤهل للتعليم، لا يمنع من البحث في أماكن مجاورة على قد استطاعتك، ويمكنك الاستعانة بالانترنت في التعليم وستجد على موقع طريق الإسلام شروحًا كثيرة جدًا لكل ما تحتاج دراسته من علوم.
وعليك التدرج في طلب العلم، فتبدأ بصغارِه قبل كِبارِه، ثم لتَرْتَقِ في العلوم شيئًا فشيئًا بِحَسَبِ ما يَفْتَحُ اللهُ عليك، كما قال الإمام البخاري في صحيحه باب: العلم قبل القول والعمل، لقول الله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ } [محمد: 19]، فبدأ بالعلم، «وأن العلماء هم ورثة الأنبياء، ورثوا العلم، من أخذه أخذ بحظ وافر، ومن سلك طريقًا يطلب به علمًا سهل الله له طريقًا إلى الجنة» وقال جل ذكره: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28] وقال: {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت: 43]، {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ } [الملك: 10]، وقال: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين»، "وإنما العلم بالتعلم"، وقال أبو ذر: «لو وضعتم الصمصامة على هذه - وأشار إلى قفاه - ثم ظننت أني أنفذ كلمة سمعتها من النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن تجيزوا علي لأنفذتها»، وقال ابن عباس: {كُونُوا رَبَّانِيِّينَ } [آل عمران: 79]، " حلماء فقهاء"، ويقال: الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره ". اهـ.
وعليك أن توازِن بين العلوم، فلا تكونُ دراستُك قاصرةً على علمٍ واحدٍ، وأن لا تطغى دراسةُ أحَدِ فُنُونِ العِلْم على باقي الفنون.
ولمعرفة المزيد مِنْ آداب طالب العلم يمكنك مُراجعة هذه الكتب: "حِلية طالِب العِلْم" لبكر بن عبد الله أبو زيد، "وأدب الطلب" للشوكاني، "وتذكرة السامع والمتكلم" لابن جماعة، كتاب: "جامع بيان العلم وفضله" لابن عبد البر.
هذا؛ وفي المرحلة الأولى تكون الكتب يسيرة يمكنك قراءتها بنفس مع الاستعانة كما ذكرنا بالشروح المتوافرة على شبكة الانترنت:
ففي العقيدة: تبدأ بكتاب "الإيمان" للدكتور محمد نعيم ياسين، أو "شَرْح كتاب التوحيد" للعلاَّمة العُثَيْمِين، أو بسلسلة كتب: "العقيدة في ضوء الكتاب والسنة" للدكتور عمر الأشقر.
• وفي التفسير: "تيسير الكريم الرحمن" للشيخ السَّعدي، أو "زبدة التفسير" للدكتور محمد الأشقر، أو "مختصر تفسير ابن كثير" لمحمد نسيب الرفاعي، مع مقدمة في التفسير لشيخ الإسلام ابن تيمية.
• وفي الحديث: "شرح الأربعين النووية" للإمام النووي، أو "عمدة الأحكام" وشرحه "تيسير العلاَّم" للشيخ عبد الله البسام، ثم "بلوغ المرام" للحافظ ابن حجر العسقلاني.
• وفي السيرة: "نور اليقين في سيرة سيد المرسلين" للخضري، أو "الرحيق المختوم".
• وفي النحو: "التحفة السنية في شرح المقدمة الآجرُّوميَّة" لمحمد محيي الدين عبد الحميد، أو "النحو المصفَّى" لمحمد عيد، أو "مختصر قواعد اللغة العربية" لفؤاد نعمة، أو "معجم قواعد اللغة العربية" لأنطوان الدحداح.
• وفي أصول الفقه: "معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة" للجيزاني، أو "الواضح" للدكتور محمد سليمان الأشقر، أو "الوجيز" لعبد الكريم زيدان، أو "أصول الفقه" لأبي زهرة.
• وفي مصطلح الحديث: "نزهة النظر شرح نخبة الفكر" للحافظ ابن حجر، أو شرح ابن عثيمين على المنظومة البيقونية.
• وفي الرقائق: "مختصر منهاج القاصدين" لابن قدامة، و"الداء والدواء" لابن القيم.
وننصح الأخ الكريم بالاستماع إلى المواد الصوتية التي تشرح هذه العلوم؛ وخصوصًا أشرطة العلامة محمد بن صالح العثيمين، والشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي، وغيرهما.
هذا؛ ولتعلم أن من أراد الهداية وسعى لها سعيها وجاهد فيها فإن الله لا يحرمه منها، بل يعينه عليها، فالله تعالى {وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ}، فالله تعالى يقضي بالهدى لمن ينيب إليه؛ليطمئن كل من يتجه إلى هدى الله أن مشيئة الله ستقسم له الهدى وتؤتيهالحكمة، وتمنحه ذلك الخير الكثيره؛ كما قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ } [العنكبوت: 69].
"الذين جاهدوا في الله ليصلوا إليه ويتصلوا به،الذين احتملوا في الطريق إليه ما احتملوا، فلم ينكصوا ولم ييأسوا، الذين صبروا على فتنة النفس وعلى فتنة الناس، الذين حملوا أعباءهم وساروا في ذلك الطريق الطويل الشاق الغريب،، أولئك لن يتركهم الله وحدهم ولن يضيع إيمانهم، ولن ينسى جهادهم، إنه سينظر إليهم من عليائه فيرضاهم، وسينظر إلى جهادهم إليه فيهديهم، وسينظر إلى محاولتهم الوصول فيأخذ بأيديهم، وسينظر إلى صبرهم وإحسانهم فيجازيهم خير الجزاء" قاله صاحب الظلال.
هذا؛ والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- التصنيف:
- المصدر: