العادة السرية في نهار رمضان للجاهل بالحكم
فإن كان الحال كما ذكرت أنك فعلت العادة السرية في نهار رمضان جاهلًا بحرمتها، بأنها تفطر، فصيامك صحيح ولا يجب عليك قضاء تلك الأيام، وكذلك لا يلحقك ذمٌ بفعل تلك العادة.
السلام عليكم و رحمة وبركاته ما هو حكم من فعل العادة السرية في نهار رمضان و هو جاهل بانها حرام في رمضان و غير رمضان و جاهل بأنها تفطر؟ وماذا يستوجب عليه بعد مرور سنوات عديدة على فعله لتلك العادة؟ وما هي الادلة من القرآن الكريم و السنة النبوية عن هذا الموضوع؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإن الأصول العامة للشريعة الإسلامية تدل أن التكليف مشروط بالتمكن من العلم والقدرة على الفعل، وأن جاهل الحكم الشرعي العملي لا يجب عليه القضاء، وأن من فعل ما يوجب الفسق جاهلاً لا يفسق؛ قال الله تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: 19]، والسنة المطهرة بينت أن من كان لا يعلم الوجوب لا قضاء عليه؛ ومن ذلك أن النبي لم يأمر الفاروق عمر وعمارًا رضي الله عنهما بإعادة الصلاة لمّا كانا جنبين، فلم يصل عمر، وعمار تمرغ كما تتمرغ الدابة؛ ظنًا منه أن التراب يصل إلى حيث يصل الماء، وكذلك المسيء في صلاته لم يأمره النبي بإعادة ما صلى قبل ذلك مع تركه للاطمئنان، مع قوله ما أحسن غير هذا، وكذلك أخو بني عدي الأنصاري لما اشترى التمر الصاع بالصاعين، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تفعلوا، ولكن مثلاً بمثل، أو بيعوا هذا واشتروا بثمنه من هذا، وكذلك الميزان"، ولم يرتب على ذلك حكم آكل الربا من التفسيق واللعن والتغليظ؛ لعدم علمه بالتحريم، وأيضًا لم يوجب على أسامة بن زيد قودًا ولا دية ولا كفارة لما قتل من قال: لا إله إلا الله.
ولم يأمر بالقضاء الذين أفطروا في رمضان وكانوا قد غلطوا في معنى قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ } [البقرة: 187]؛ كما في الصحيحين عن عدي بن حاتم رضي الله عنه، قال: لما نزلت: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187]، عمدت إلى عقال أسود، وإلى عقال أبيض، فجعلتهما تحت وسادتي، فجعلت أنظر في الليل، فلا يستبين لي، فغدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت له ذلك فقال: "إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار"، وزاد مسلم "إن وسادتك لعريض، إنما هو سواد الليل، وبياض النهار"
وفيهما عن سهل بن سعد، قال: " أنزلت: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187]، فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجله الخيط الأبيض والخيط الأسود، ولم يزل يأكل حتى يتبين له رؤيتهما، فأنزل الله بعد: {الْفَجْرِ} [البقرة: 187]، فعلموا أنه إنما يعني الليل والنهار"، ولم يأمرهم بالإعادة؛ لعدم فقههم لمعنى الكلام.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية وهو يقرر تلك القاعدة في مجموع الفتاوى (3/ 287-288)
"... لم يأمرهم بالقضاء، والمسيء في صلاته لم يأمره بإعادة ما تقدم من الصلوات، والذين صلوا إلى بيت المقدس بمكة والحبشة وغيرهما بعد أن نسخت بالأمر بالصلاة إلى الكعبة، وصاروا يصلون إلى الصخرة حتى بلغهم النسخ، لم يأمرهم بإعادة ما صلوا وإن كان هؤلاء أعذر من غيرهم لتمسكهم بشرع منسوخ... إلى أن قال: والصحيح ما دل عليه القرآن في قوله تعالى {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا } [الإسراء: 15] وقوله: { لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165]، وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أحد أحب إليه العذر من الله؛ من أجل ذلك أرسل الرسل مبشرين ومنذرين"، فالمتأول والجاهل المعذور ليس حكمه حكم المعاند والفاجر، بل قد جعل الله لكل شيء قدرا". اهـ.
وقال أيضًا(21/ 634):
"فمن استقرأ ما جاء به الكتاب والسنة، تبين له أن التكليف مشروط بالقدرة على العلم والعمل، فمن كان عاجزا عن أحدهما سقط عنه ما يعجزه ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها؛ ولهذا عذر المجتهد المخطئ لعجزه عن معرفة الحق في تلك المسألة، وهذا بخلاف المفرط المتمكن من فعل ما أمر به، فهذا هو الذي يستحق العقاب"
إذا تقرر هذا؛ فإن كان الحال كما ذكرت أنك فعلت العادة السرية في نهار رمضان جاهلًا بحرمتها، بأنها تفطر، فصيامك صحيح ولا يجب عليك قضاء تلك الأيام، وكذلك لا يلحقك ذمٌ بفعل تلك العادة،، والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- التصنيف:
- المصدر: