هل أترك الدراسة من أجل التفرغ لطلب العلم؟
وقد ذهب كثيرٌ من العلماء إلى وجوب تعلُّم العلوم والصناعات التي يُحتاج إليْها، فمَن تعلَّمها لأجل نفع المسلمين، وخِدمة الدين، والاستغناء عن الكفَّار - فمأْجور مثاب، إن شاء الله؛ لقولِه - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّما الأعمال بالنِّيَّات))؛ متَّفق عليْه.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. وبعد: أنا عضو جديد في هذا الموقع، أنا من المغرب عمري 15 سنة، ملتزم بديني والحمد لله، منذ فترة أفكر في ترك دراستي وأنا متفوق فيها والحمد لله، تخصصي العلوم وأحب الفيزياء والرياضيات كثيرا لكن هذا لا يضاهي حبي للعلم الشرعي، فكرت في التوفيق والجمع بينهما لكن كما كان يقول سلفنا الصالح عن طلب العلم "إن أعطيته كلك أعطاك بعضه، وإن أعطيته بعضك لم يعطك شيئا". فبدأت أفكر في قلب توجهي إلى العلم الشرعي والتفرغ له وأنا أحسب نفسي إن تفرغت له سأصبح عالما كبيرا بإذن الله، لأنني أحبه حبا جما يفوق حبي لنفسي، وأود أن أصبح عالما وداعيا كبيرا تضرب له أكباد الإبل لا للشهرة أو الرياء بل إخلاصا لوجه الله عز وجل. ففكرت أن أبدأ في طلب العلم من الآن وأنا والحمد لله أحفظ ما يقارب 25 حزبا (12جزءا ونصف الجزء) من القرآن الكريم، وأحفظ بعض الأحاديث النبوية، وأعلم جزءا لا بأس به من أصول الفقه وقرأت كتابا عن المدخل لدراسة الفقه الإسلامي، ومولع بالفقه وأصوله. فما رأيكم يا شيوخنا الأفاضل، أ أترك دراستي العلمية وأتوجه لطلب العلم وملازمة الفقهاء؟ لأنني خشيت إن تابعت دراستي أن لا أجد وقتا عند الكبر لطلب العلم فهو خير كبير كما قال عنه النبي الحبيب صلى الله عليه وسلم: "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين" وأنا أعد نفسي للآخرة لأصاحب النبي وآله وأصحابه في جنة الفردوس الأعلى ولست مهتما بدنياي كثيرا. فإن كان جوابكم ترك الدراسة والتفرغ لطلب العلم، فما هي الطريقة الأنسب لي، هل أتوجه للدراسة في أحد الثانويات الشرعية وأقلب توجهي الدراسي، أم أبحث عن شيخ وأدرس على يده، فالسفر لطلب العلم في هذا السن وهذا الزمان صعب جدا، وما العمل الذي أعمله لكسب الرزق في المستقبل؟ أم أجعل تعليمي للعلم الشرعي في المستقبل منبع رزقي؟ أم أن كل هذا هو مجرد وساوس من الشيطان؟ ما قولكم؟ أرشدوني جزاكم الله عني خير الجزاء. وآسف عن الإطالة. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فنشكر لك تلك النية الحسنة، والقصد النبيل، على طلب العلم، ونَسْأَلُ الله - تعالى - أن يرزُقَنا وإيَّاك العلم النافع، والعمل الصالح، ولتعلم أنه طلب العلم الشرعي وحفظ كتاب الله تعالى لا يتعارض مع إكمال دراستك، وتحصيل الدنيا، وتبوُّء أعلى المناصب، بشرط ألَّا يَصُدَّك عن سبيل الله؛ فالعُلوم الدنيويَّة، كالطِّبِّ والفيزياء، والكيمياء والرِّياضيَّات، والهندسة والميكانيكا، وعلوم الحاسوب والتكنولوجيا، والبناء والملاحة، وغيرها ممَّا ينفع الإنسان في حياتِه، ويستفيدُ منها المسلمون ويَحتاجون إليْها - فلا شكَّ أنَّ تعلُّمَها من الواجبات الكفائيَّة، وقد ذهب كثيرٌ من العلماء إلى وجوب تعلُّم العلوم والصناعات التي يُحتاج إليْها، فمَن تعلَّمها لأجل نفع المسلمين، وخِدمة الدين، والاستغناء عن الكفَّار - فمأْجور مثاب، إن شاء الله؛ لقولِه - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّما الأعمال بالنِّيَّات))؛ متَّفق عليْه.
فالمسلمون يحتاجون في عامة شؤونهم الحياتِية، وفي مجال الإعدادِ لِمواجهة أعداء الله - عزَّ وجلَّ - في شتَّى الجوانب - إلى جميع التقنيات الحديثة، وقد دلَّت نصوص الشَّريعة العامَّة وقواعدها الكلية على وجوب تَحصيل المسلمين ما يتقوَّون به، ويواجهون به أعداءَهم؛ ومن ذلك قولُه تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّنْ قُوَّةٍ وَمِن رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60].
ولا يُمكننا الحصول على تلك القوَّة إلاَّ بدراسة التكنولوجيا الحديثة، ولأنَّها إذا تُرِكَت بالكلّيَّة فستضيع المجتمعات، ويتعطَّل القيام بكثير من أمور الدنيا والدين.
هذا؛ ومن قرأ سير الأئمة المتبعين، والمحققين من العلماء وأئمة الإسلام، علم أنهم نبغوا في علوم الشريعة والعلوم الدنيوية، فاحذر أن يلبس عليك الشيطان فيوهمك بالتعارض بين الاثنين حتى تترك دراستك ثم تندم حينما لاينفع الندم،، والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- التصنيف:
- المصدر: