إنهم في الدين يشككون، فماذا نحن فاعلون؟

منذ 2012-08-05

إنَّنا على يقين لا يداخلُه شكٌّ أنَّ الله سينصر دينَه ويظهره، شاءَ مَن شاء وأبى مَن أبى، فنسأل الله أن يستعْمِلَنا في ذلك ولا يستبْدِلَنا، وأن يشرِّفنا بالعمل في نصرة دينِه، وإحياء سنَّة نبيِّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - والذَّود عن حياض هذا الدِّين العظيم، ونسأل الله العون والتيسير والتوفيق والسداد.


الحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله خير خلْق الله أجْمعين، وعلى آله وصحْبِه الأخيار الطَّاهرين.

وبعد:
فإنَّ أعداء الدين من المنصِّرين والملحدين والعلمانيِّين وغيرهم يشنُّون على الإسلام والمسلمين حربًا عقَديَّة فكريَّة لا هوادة فيها، ويستخدمون طرقًا غير نظيفة، وأساليب غير شريفة؛ من أجل التَّشْكيك في الإسلام، فهم يَحترفون الكذب والغشَّ، والتَّزوير والتَّحريف، ويَمتهِنون الدَّجل والبهتان وقلب الحقائق.

وهم يسخِّرون في خدْمة مخطَّطاتهم وأهدافهم الأموالَ الطَّائلة، والإمكانات الهائلة، والآلات الإعلاميَّة الضَّخمة، تدْعمهم دول ومؤسَّسات وأجهزة كبرى.

فالمعركة بالنسبة لهم هي معْركة من أجل البقاء وإثبات الوجود؛ ولذلك فهم لا يَملكون التراجع عنها أو التَّهاوُن فيها، بل لا بدَّ لهم من استغلال كلِّ متاح أمامهم مهْما كان خبيثًا وغير أخلاقي؛ للوصول لمآرِبِهم الَّتي لا تقلُّ عن ذلك خبثًا ودناءة.

فما نحن فاعلون؟ وكيف سنواجه هذه الحروب المغرضة؟ وكيف سنصدُّ حملات التشكيك في الإسلام؟

إنَّ هذه الحرب قد فرضت عليْنا ولا بدَّ لنا من خوضها، وشرف عظيم لكل مسلم أن يكون جنديًّا مدافعًا عن دينه، الَّذي لا يملك أشرف من الانتماء له.


إنَّ المسلمين يجب أن يواجهوا تِلك الحروب والحملات المغرضة ببصيرة نافذة، وفقه شرعي واقعي، وفكر عصري، وتخطيط علمي، وإتقان عملي.

فإنَّها حرب علمية فكرية في المقام الأوَّل، لا تنفع فيها الدبَّابات والمدافع والطَّائرات الحربيَّة، ولن تجدي فيها الأسلحة والقاذفات والذَّخائر.

وهي كذلك لن يكفي فيها الردود العاطفيَّة، والخطب الوعظيَّة، والجهود الحماسيَّة الفرديَّة المجرَّدة عن التخطيط العلمي المدروس.

بل يجب أن تتضافر الجهود وتنظَّم، وتتَّحد الأعمال وتنسَّق، بحيث تتكامل منظومة العمل في دراسات علمية واقعيَّة واعية، ثمَّ تخطيط منهجي ينبني على أسس سليمة، ثمَّ مواجهة عصريَّة شاملة منطلقة من أصول صحيحة.


إنَّ مواجهة حروب المشكِّكين في الإسلام من أهل الباطل يجب أن تتَّخذ ثلاثةَ مَحاور رئيسة متوازية:
الأوَّل: وهو التَّعريف بالإسلام ونشْر حقائقِه ومحاسنِه، وإظهار الصورة الصَّحيحة له بين المسلمين وغيرهم:
وينتظر أن يتمَّ من خلال هذا المحور: تقديم صورة صحيحة للإسلام لغير المؤمنين، والإجابة على الأسئِلة الرَّئيسة التي يمكن أن تدور في أذْهان الجاهلين به، مثل:
مَن هو الله في الإسلام؟ وما هي صفاته؟
مَن هو الرَّسول محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم؟ وما هي دعوته؟ وما هي أخلاقه؟
ما هو الإسلام؟ وما هي تعاليمه؟ وما هي عقيدتُه وشريعته؟
ما الَّذي يقدمه الإسلام للناس؟ وما الَّذي ستفتقده البشريَّة بابتعادِه عن واقع الحياة؟
ما موقف الإسلام من الأنبِياء والمرسَلين والدَّعوات السَّابقة؟

ولا أَعني هنا أن يقتصر الخطاب في هذا المحْور على غير المسلمين فقط، بل يجب أن يشمل المسلمين أيضًا على اختِلاف مستوياتهم العلمية والذهنيَّة، بحيث تُرفع الجهالة عن عوام الأمَّة.


الثاني: وهو الرَّدّ على افتراءات المشكِّكين بأسلوب علمي منهجي:
وينتظر أن يتمَّ من خلال هذا المحور: الرَّد على افتِراءات المشكِّكين بأسلوب علمي يُراعي أحوال المخاطَبين ومستوياتهم، ويتناسب مع مقامات الرَّدّ المختلفة، بحيث تُشكِّل الردود في مجموعها توعية شاملة لجميع أفراد الأمَّة من جهة، وإقامة للحجَّة القاطعة على المفترين والتَّابعين لهم والمستمِعين إليْهِم من جهة أُخرى.

ولذلك؛ يجب أن يكون الرَّدّ على افتِراءات المشكِّكين علمًا منفردًا، له أصوله وقواعده ومناهجه الَّتي يدرسها الطلاب، ويتدرَّبون عليها في دور العلم المختلفة، كالجامعات والمعاهد والمساجد وغيرها.

كما ينبغي أن تُوجَّه الهمم إلى إخراج رسائل وأبحاث علميَّة قويَّة تَخدم هذا العلم في جانبيه: التَّأْصيلي النَّظري، والتطبيقي العملي المرتبط بالواقع، مع التَّوصية بدعْم هذه الرسائل والأبحاث ونشْرها بين الدعاة وطلاب العلم.

وينبغي كذلك أن تدعم الدِّراسات النظريَّة للطلاب بتدريبات عمليَّة ذات مستوى رفيع، فيخضع الطلاب لبرامج تدريبيَّة موضوعة بعناية وتخطيط من أهل العِلْم والاختصاص، بحيث تجعلهم تلك البرامج قادرين على الرَّدّ على الافتراءات المعاصرة بأسلوب منهجي سليم، ومجادلة المفترين والمشكِّكين، ومحاورتهم بشكل مباشر، وإقامة المناظرات العلنيَّة معهم.


الثالث: وهو فضْح المفْترين وبيان عَوار معتقداتهم:
وينتظر أن يتمَّ من خِلال هذا المحور: فضْح المشكِّكين في الإسلام على مختلف مشاربهم، وبيان جهْلِهم وكذبهم، وكشْف طُرُقِهم الخبيثة وأساليبهم الرَّخيصة، وإظهار عوار معْتقداتهم وما تشتمِل عليْه كتُبُهم ومصادرهم من موبقات ومثالب.

وهذا يحتاج لوجود مجموعة من المختصِّين بعلم مقارنة الأدْيان ودراسة المذاهب الفكريَّة المختلفة، بحيث يقومون بدراسة مصادر المفْترين ومراجعهم، وتاريخ مذاهبهم منذ نشأتها، ومعرفة أساليبهم في نشْر معتقداتهم وطرقهم في إثارة الافتِراءات على الإسلام، ومن ثمَّ يتمُّ فضحهم وبيان عوار معتقداتهم.


وينبغي أن يُسخَّر في خدمة كلِّ محور من المحاور السابقة:
1- جَميع وسائل الاتِّصال والإعلام المتاحة، من قنوات تلفزيونيَّة أرضيَّة وفضائية، ومواقع وبرامج على شبكة المعلومات الدَّوليَّة، وصحف ومجلات ومطبوعات مختلِفة.
وبحيث تخرُج هذه الجهود في صور متنوِّعة، مثل: خطب ومحاضرات ودروس مرئيَّة ومسموعة، ومصنَّفات مقروءة منشورة بكلِّ الصور الممْكِنة، مع تنويع الأساليب والطُّرُق والمواد لتخرج في مجموعها مناسبةً للجميع.
2- الدُّعاة والخطباء في المساجد والمراكز الدينيَّة والمعاهد الدعويَّة.
3- الأقسام المختصَّة في الكلّيَّات والمعاهد والجامعات العلميَّة والشَّرعيَّة.
4- المعلمون المدرَّبون العاملون في المدارس الحكوميَّة والخاصَّة.
5- الكوادر المدرَّبة من كل فئات المجتمع، الَّذين يعملون على توعية جَميع أفراد الأمَّة، كالتلميذ في مدرسته، والطَّالب في جامعته، والموظف في عمله، وهكذا.


ومن التنبيهات التي يجب أن تكون محل عناية:

أوَّلاً: يجب ألاَّ تقتصِر لغة الخطاب على اللُّغة العربيَّة فقط، بل لا بدَّ من أن تتعدَّد لغات الخطاب لتشمل أكبر عدد متاح من اللغات، لاسيَّما المنتشرة منها والمعروفة، التي ينطق بها ويفهمها أعداد كبيرة من النَّاس، كالإنجليزيَّة والفرنسيَّة والألمانيَّة.

ثانيًا: ضرورة مراعاة الاختِصاص عند توزيع الوظائف والمهمَّات، بحيث توكل كلّ مهمَّة لأهل الاختصاص فيها، سواء كان ذلك في الجوانب الشَّرعيَّة أو العلميَّة أو الفنّيَّة والمهنيَّة؛ فإن ذلك يوفر أكبر قدر من النجاح للأعمال المختلفة.

ثالثًا: أهمية الاستِنارة بمشورة أهل الخبرة التي تُضيء الطَّريق وتوفِّر الكثير من الوقت والجهد.

رابعًا: الحرْص على الاستِفادة من كلِّ متاح، والتَّعامل مع الواقع في ظلِّ معطياته، بعيدًا عن إضاعة الأوْقات في طلب المحالات وانتِظار المعجزات.

خامسًا: ضرورة التوحُّد على المنهج السَّليم، والارتِقاء فوق الخلافات والانشِقاقات التي تبدِّد الجهود وتوغر الصُّدور، بحيث نعمل صفًّا واحدًا في مواجهة أعداء الدين.

سادسًا: وجوب العمل بإيجابيَّة وفاعليَّة؛ تبرئة للذِّمَّة، ونصرة لدين الله تعالى، وعدم استهلاك الأوقات والجهود في توجيه الاتِّهامات للأفراد أو المؤسَّسات بالتَّقصير أو التواطؤ أو غيره، فكما قيل: لأَن تضيء شمعة خيرٌ لك من أن تلعن الظلام.


وأخيرًا:
فإنَّنا على يقين لا يداخلُه شكٌّ أنَّ الله سينصر دينَه ويظهره، شاءَ مَن شاء وأبى مَن أبى، فنسأل الله أن يستعْمِلَنا في ذلك ولا يستبْدِلَنا، وأن يشرِّفنا بالعمل في نصرة دينِه، وإحياء سنَّة نبيِّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - والذَّود عن حياض هذا الدِّين العظيم، ونسأل الله العون والتيسير والتوفيق والسداد.

وصلَّى الله وسلَّم وبارك على عبدِه ورسوله محمَّد خير الأنام، وعلى آله وصحبِه الغُرِّ الميامين، ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.


إيهاب كمال أحمد
 

  • 1
  • 0
  • 3,902

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً