د.محمد يسري: الهيئة الشرعية تسعى لإفراز قيادة شرعية دعوية للأمة المصرية..
الهيئة الشرعية في الحقيقة ولدت من رحم الثورة المصرية، وأهدافها إيجاد التيار الإسلامي العام، وإفراز قيادة شرعية ودعوية للأمة المصرية في أحداثها الخطيرة والمهمة التي بدأت مع هذه الثورة، وكذلك إيجاد حلول للمشكلات الواقعية عن طريق الدراسات الشرعية والبحوث العلمية المؤصلة الرصينة، وإيجاد نواة لأهل الحل والعقد في الأمة المصرية.
د. محمد يسري: (المسلم)
أكد فضيلة الشيخ الدكتور (محمد يسري إبراهيم) الأمين العام للهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح على أهمية إيجاد حلول شرعية للمشكلات والأزمات التي تعترض طريق مصر، مشددًا على أن هذا هو أحد الأدوار التي سعت الهيئة الشرعية إلى تحقيقها خلال الفترة الماضية التي حفلت بالمشكلات والأزمات في المرحلة الانتقالية.
وكشف د. (يسري) في حوار مع موقع (المسلم) عن نية الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح التي تضم لفيفًا من العلماء والدعاة والقيادات الإسلامية، من مختلف أطياف العمل الإسلامي بمصر، في وضع إستراتيجية جديدة للهيئة تأخذ باعتبارها التغيرات التي طرأت على مصر بعد تولي الرئيس مرسي لمنصبه.
وأبدى فضيلته تفاؤلًا كبيرًا بحكم الرئيس المصري، والإصلاحات التي يجريها، وأوضح أن هذا ليس رأيه وحده، فقال مجيباً: "لا تسلني هذا السؤال وسل العالم بأسره، لا تسلني هذا السؤال، وسل المصريين، فإن الكل يشهد بأن هذه الحقبة الجديدة في تاريخ مصر الحديث، هي حقبة منيرة جاءت كنقطة ضوء ساطعة بعد عهود مظلمة، فالكل يستبشر خيرًا وينتظر كثيرًا ويأمل طويلًا أن يحقق هذا الرئيس للمصريين ما أرادوه"، وتوقع د. (محمد يسري) أن يطلق الدستور الجديد العمل الأهلي والخيري الذي لن يحتاج إلا إلى مجرد إخطار مثلما أوضح.
حوار: أحمد خالد
تفاصيل الحوار:
- الهيئة الشرعية التي تتولون الأمانة العامة لها، برغم حداثة عهدها على الساحة المصرية إلا أنها فرضت ذاتها على الساحة المصرية، هل يمكن أن تطلعونا على دور الهيئة وأهدافها؟
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الهيئة الشرعية في الحقيقة ولدت من رحم الثورة المصرية، وإن كان مخاض هذه الهيئة قد بدأ قبل الثورة المصرية بمدة لا تقل عن سنتين، حيث وصلت الحركة الإسلامية في بلادنا إلى طريق مسدود، وانتهى نظر أهل العلم والدعوة والفضل في بلادنا إلى أهمية الخروج من هذا المأزق، ومحاولة إيجاد حلول تتغلب على المشكلات التي وجدت في السنوات الأخيرة، والتي عوقت الدعوة إلى الله عز وجل، ومنعت من التلاقي والتواصل بين أهل الإسلام وأهل الدعوة إلى الله، فكان التفكير في إيجاد تيار إسلامي عام يضم بين جنبتيه مختلف الفئات والطوائف الدعوية المنضوية تحت راية أهل السنة والجماعة، وبينما نحن نفكر في الخطوات العملية والإجراءات التنفيذية لتدشين هذا التيار الإسلامي العام، والذي جرى التواصل بشأنه مع كثير من الدعاة وطلبة العلم والفضلاء، واتفق على أن نخرج على العالم بموقع إلكتروني يجمع هذه الفصائل المتعددة باسم دعوي يربط بينها ويؤلف بين أبعاضها.
وبينما نحن نعد العدة لإطلاق هذا الموقع الإلكتروني الجامع إذ قامت الثورة المصرية، ومباشرة بمجرد أن قامت الثورة المصرية اجتمعت القلوب والتقت الأفئدة على تدشين هذه الهيئة الشرعية، التي كان من أغراضها وأهدافها إيجاد التيار الإسلامي العام، وإفراز قيادة شرعية ودعوية للأمة المصرية في أحداثها الخطيرة والمهمة التي بدأت مع هذه الثورة، وكذلك إيجاد حلول للمشكلات الواقعية عن طريق الدراسات الشرعية والبحوث العلمية المؤصلة الرصينة، وأخر أهداف هذه الهيئة إيجاد نواة لأهل الحل والعقد في الأمة المصرية.
- إثر الثورة وحتى الآن، تنوعت المحطات التي مرت الهيئة الشرعية، حيث بدوتم أحيانا منخرطين في العملية السياسية بحكم الظروف التي مرت بها مصرالآن.. كيف ترون مستقبل الهيئة ومحيط عملها؟
هذه الهيئة انطلقت من أهداف: إيجاد التيار الإسلامي العام، انطلقت من أهداف كما ذكرت إيجاد وإفراز أهل الحل والعقد في الأمة، إيجاد الحلول الشرعية وتدشين إقامة مرجعية إسلامية دعوية قوية، مؤلفة من مختلف رموز الصحوة، والدعوة إلى الله عز وجل، لكنها في الحقيقة بدت كلجنة شرعية لإدارة الأزمات، لا يخفى أن بلادنا بل العالم العربي مر بأزمات في هاتين السنتين الأخيرتين، تمخضت هذه الأزمات عن ثورات في تلك البلاد فيما سمي بـ(الربيع العربي)، هذا الربيع مر باختناقات وإشكالات تحتاج إلى حلول شرعية وإلى مواجهة لتحديات كثيرة، استطعنا بحمد الله تبارك وتعالى في هاتين السنتين الأخيرتين أن ندير الأزمة وأن نتعامل بفقه إدارة الأزمات مع الواقع المصري شديد التعقيد والتغير، متلاحق الأحداث ومتسارع الأنفاس.
التقطنا أنفاسنا أخيرًا بعد أن نصب د. (محمد مرسي) رئيسًا للبلاد وهدأت النفوس كثيرًا بعد أن استطاع أن يقضي على جيوب كثيرة لفلول النظام السابق، واستطاع أن يقوض كثيرًا من هذه القوى التي كانت تعمل في عكس مصلحة البلاد، ثم بدا الموقف محتاجًا إلى الكثير من المراجعة والنظر والتأمل فيما يجب على الهيئة الشرعية أن تقوم به من واجبات.
نرى أولًا أن إيجاد التيار الإسلامي العام مهمة بدأت بها الهيئة ولما تكتمل بعد، وهذا من الخطوط الأساسية والمهمة لأعمال الهيئة الشرعية، نرى أيضًا أن بناء هذه الجسور التي تصل بين العاملين للإسلام مهمة بدأتها الهيئة ولما تكتمل بعد.
نرى أيضًا أن إحكام الحضور والوجود على الأرض عبر مقرات وعبر مراكز للهيئة الشرعية في مختلف المحافظات المصرية أفق سوف ترتاده الهيئة الشرعية عما قريب بإذن الله تبارك وتعالى، ومع هذا كله فإننا نرى أن الهيئة الشرعية تحتاج الآن إلى وقفة للتخطيط الإستراتيجي على المدى القريب والمتوسط، والذي يمكن الهيئة من تحقيق أهدافها المرحلية والسعي الجاد والحثيث لإنجازها على الأرض
- لذلك نحن نشهد فترة هدوء في نشاط الهيئة بعد أعلى درجات نشاطها قبل وأثناء الانتخابات الرئاسية؟
نعم اتفق أعضاء مجلس الأمناء في لقائهم السابق أو الماضي على تشكيل لجنة تعنى بالتخطيط الإستراتيجي للهيئة والتواصل مع عدد من الخبراء في هذا المجال؛ لرسم أهداف الهيئة المرحلية بدقة وإيجاد الوسائل والطرائق التي من خلالها تنجز وتحقق هذه الأهداف.
- نشأت الهيئة كمؤسسة جامعة، وتنوعت نشاطاتها، هل ترون أنه في المرحلة التي استقرت فيها الحالة السياسية المصرية الآن، قد تنشأ مؤسسات وهيئات موازية تكفيكم بعض المجالات بحيث تتخصصون بالبعض الآخر؟
لا يخفاك أن الهيئة الشرعية بدأت باسم الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح، فهي تعنى بقضيتين كبيرتين على خلفية شرعية، تعنى بقضية الحقوق والحريات، وتعنى بقضية الإصلاح بمفهومه الشامل والعام، وهذا يعطي هذه الهيئة بعدًا واسعًا ومدى كبيرًا للحركة بين مجالات متعددة، فالصعيد السياسي مجال، والصعيد الاقتصادي التنموي مجال، والصعيد الشرعي الدعوي مجال، وهذه المجالات كلها مجالات واسعة كبيرة وتحتاج إلى عدد كبير من الهيئات والجهات ولا شك أنه مصر بعد الثورة تختلف عن مصر قبل الثورة، ولا شك أن أجهزة الدولة سوف تعمل بكل جهدها على ترسيخ هذه الحقوق والمحافظة على هذه الحريات والسعي الجاد والدائب والدؤوب لتحقيق الإصلاح في كل المجالات، ستبقى الهيئة داعمة لهذه التوجهات، ستبقى الهيئة معاونة لهذه الهيئات، ستبقى الهيئة متداخلة مع هذه الأجهزة والأنشطة.
- كيف ستتكامل الهيئة مع المؤسسات الرسمية كالأزهر وغيره؟
من المعلوم أن الهيئة الشرعية تزخر بثلة كبيرة من علماء البلاد، فعلى رأس الهيئة الشرعية فضيلة الأستاذ الدكتور (علي السالوس)، ينوبه الدكتور (طلعت عفيفي) الذي عين مؤخرًا وزيرًا للأوقاف المصرية، وينوبه فضيلة الشيخ الدكتور (محمد عبد المقصود)، وفضيلة الشيخ الدكتور (محمد حسان)، والجميع قيادات كبيرة وأسماء لامعة في سماء العلم والدعوة في بلادنا بل في العالم العربي والإسلامي بأسره.
ثم هذه الهيئة بمجلس أمنائها الضخم الكبير الذي يضم بين دفتيه أسماء كبيرة ومؤثرة كفضيلة الأستاذ الدكتور (عبد الستار فتح الله سعيد)، وفضيلة الأستاذ الدكتور (محمود مزروعة) أمين كلية أصول الدين الأسبق، وفضيلة الشيخ الدكتور (محمد اسماعيل)، وفضيلة الشيخ الدكتور (سعيد عبد العظيم)، وفضيلة الشيخ (نشأت أحمد)، وفضيلة الشيخ (مصطفى محمد)، وفضيلة الشيخ (عمر عبد العزيز قريشي)، وفضيلة المهندس (خيرت الشاطر) نائب المرشد العام للإخوان المسلمين، وفضيلة الشيخ الدكتور هشام عقدة، وفضيلة الشيخ الدكتور (طارق الزمر)، وفضيلة الشيخ الدكتور (عبد الله شاكر الجنيدي) الرئيس العام لأنصار السنة المحمدية، هذه الأسماء الكبيرة اللامعة الضخمة في سماء الدعوة في بلادنا كلها تصب جهودها وتأتلف توجهاتها داخل هذه الهيئة التي يرجى أن تكون مظلة واسعة عامة توفر إلينا ما نسميه ونسعى إلى إيجاده بشكل جيد، وهو التيار الإسلامي العام.
فهذه الكوكبة الكبيرة من علماء مصر يرجى ويؤمل منها أنها تتعاون لأن الجمعية الشرعية ممثلة، وأنصار السنة ممثلة، وجماعة التبليغ والدعوة ممثلة في الدكتور (محمد هشام راغب)، والإخوان ممثلون بعدد داخل مجلس الأمناء كالمهندس (خيرت الشاطر) وغيره، والأزهر ممثل بالدكتور (عمر عبد العزيز قريشي) وغيره، والدعوة السلفية ممثلة بالدكتور (سعيد عبد العظيم) وغيره، الجهات العلمية الاعتبارية ممثلة.
إذًا ستجد هذه الهيئة هذه الأذرع التي ستتواصل مع مؤسسة الأزهر، تتواصل مع مجمع البحوث الإسلامية، وتتواصل مع دار الإفتاء المصرية، وتتواصل مع مؤسسة وزارة الأوقاف المصرية، بالإضافة إلى الجماعات الموجودة على الأرض، فالهيئة تمثل هذه المظلة التنسيقية لكل هذه الفئات.
إذًا الهيئة ككيان تمثل أو يمثل فيها جميع العاملين للإسلام، وهي تشارك جميع العاملين للإسلام في هذه الأنشطة وفي هذه الأعمال، وتنشئ الهيئة أعمالها وأنشطتها التي تهدف من ورائها إلى إيجاد هذه الحالة من التناغم والتفاهم والتنسيق والتعاون بين مختلف العاملين على الساحة.
تستطيع الهيئة الآن أن تقول إنها سوف تسعى إلى أن تقدم استشاراتها لجميع المؤسسات الشرعية بل والسياسية بل ومؤسسة الرئاسة المصرية، كلما احتاجت بلادنا إلى تقديم هذه المشورة.
ولا يخفى أيضًا أن الهيئة الشرعية كان لها موقف من قضية القرض الذي يزمع الحصول عليه من صندوق النقد الدولي، وأبانت الهيئة عن موقفها من خلال بيان واضح القسمات والمعالم يوضح الموقف الشرعي الصحيح من قضية الاقتراض الربوي وأنه لا يباح قليله ولا كثيره، وأنه لا تبيحه حاجة، وإنما تبيحه الضرورة، وأن القرض الربوي لا يمكن أن يسند إلى أي هيئة أو أي فئة تقدير هذه الحاجة أو تلك الضرورة، وإنما يسند هذا إلى كبار أهل العلم من جهة وكبار أهل التخصص الاقتصادي من جهة أخرى، لينظر في مدى تحقق الضرورة، فإذا تحققت فإنها تقدر بعد ذلك بقدرها من غير زيادة عليها، كل هذا أبان عنه موقف أو بيان علماء الهيئة الشرعية الذي صدر مؤخرًا.
إذًا ستظل الهيئة مشاركة في الشأن العام، ستظل الهيئة حريصة على تسديد المسيرة، وعلى التواصل مع أجهزة الدولة، وعلى التواصل مع مؤسسة الأزهر والمؤسسات الدينية الرسمية.
- بالنسبة للنائب الأول لرئيس الهيئة هو وزير الأوقاف الحالي، إلى أي مدى تتوقعون نجاحه في إصلاح الوزارة؟
أولاً: فضيلة الأستاذ الدكتور (طلعت عفيفي) رجل قد تقلد مناصب كثيرة، واستطاع أن يجمع بين ممارسته الدعوية والأعمال الإدارية، فقد تسلم قيادة كلية الدعوة فعين عميدًا لها، وسار بها سيرًا حسنًا، وعمل على تقدم هذه الكلية ورفعة قدرها في الأزهر الشريف، ثم إنه كان وكيلًا علميًا للجمعية الشرعية، إضافة إلى موقعه كنائب لرئيس الهيئة الشرعية، في هذه المناصب كلها استطاع فضيلة الدكتور (طلعت عفيفي) أن يبدي هذه المهارة الإدارية والكفاءة والحنكة والخبرة التي تمكنه من حسن سياسة الأمور، إضافة إلى ما يتمتع به من الحضور العلمي والدعوي الذي يشهد به كل من عرفه، ولهذا رأينا أن خطوات الدكتور (طلعت عفيفي) في تطهير وزارة الأوقاف من الفئات أو القيادات التي وصفت بأنها غير مرضية كان عملًا جليلًا مقدرًا.
كما أنه أيضًا سعى وعمد إلى محاربة بعض المنكرات المنتشرة هنا وهناك داخل هذه الوزارة بطريقة حكيمة ورصينة، واستطاع أن ينتزع إعجاب كثير من الناس بهذه الخطوات التي خطاها في المدة القليلة الوجيزة من توليه لوزارة الأوقاف، ولهذا نرى أنه بحمد الله تبارك وتعالى يسير بالوزارة سيرًا حسنًا ويعمل على تطوير أداء الدعاة داخل هذه الوزارة، ويعنى بالملف الدعوي عناية خاصة ويولي الأئمة والخطباء رعايته، ويعتني بشأن المساجد ومجالس إدارتها ويحقق كثيرًا مما تطلع الناس إليه وانتظروه طويلًا من وزارة كوزارة الأوقاف.
- هل ما زال يحضر اجتماعات الهيئة؟ أم هل تم تعليق عضويته في الهيئة؟
الحقيقة أن فضيلة الدكتور (طلعت عفيفي) طلب أن يعفى من الأنشطة والأعمال الموجودة، والتي كانت تسند إليه كنائب لرئيس الهيئة بسبب أعماله الجديدة التي أضيفت إليه من خلال الوزارة، وقد استجبنا لطلبه هذا مقدرين جهده وعمله ودوره ولا يعني هذا أن صلته انقطعت بالهيئة.
- لكنه ما زال ينتسب للهيئة؟
طبعًا! نعم، وقد خرج البيان الأخير ممهورًا باسم الدكتور (طلعت) إضافة إلى بقية علماء الهيئة أو بقية أعضاء المجلس الرئاسي للهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح.
- من داخل تأسيسية الدستور، متى تتوقعون الانتهاء عمليًا من إعداد الدستور؟ ومتى يستفتى المصريون عليه؟
يبدو لي أننا سننتهي إن شاء الله تعالى من الملامح الرئيسية والأساسية لدستور مصر المقبل نهاية هذا الشهر، فمع مطلع الشهر الميلادي القادم -شهر أكتوبر- نرجو إن شاء الله تعالى أن نكون قد فرغنا من تأسيسية الدستور وأعمالها الأساسية في صياغة الدستور المصري بشكله النهائي، ليطرح بعد ذلك إلى الاستفتاء بعد ذلك على الشعب المصري.
- شخصيًا، تفضلون أن ينص من الآن على النظام البرلماني بعد فترة انتقالية محددة، أم ترون إرجاءها لما بعد الاستفتاء على الدستور ثم تعديله؟
الاستفتاء على الدستور يعني أحد أمرين: إما أن يقبل الشعب المصري الدستور على حالته ويكون صالحًا للتطبيق بمجرد الاستفتاء عليه، أو لا، وعندئذ يعاد هذا الدستور إلى تأسيسية الدستور مرة أخرى، لإعادة النظر في النقاط التي أبدى الناس اعتراضًا عليها، ولا شك أن لجان الاستماع ولقاءات الإعلام وما سوف يدور من فعاليات بعد وصول هذا الدستور إلى صورته النهائية والأخيرة، سيكشف عن النقاط محل الإشكال أو الاعتراض أو الالتباس التي تحتاج إلى شيء من التعديل أو التغيير، أو التطوير في الصياغة أو الإضافة والحذف لبعض المواد، وعندها ستكلف اللجنة لجنة المئة بإعادة صياغة هذه المواد أو النظر فيها ثم يعاد العرض مرة أخرى.
لكني أتصور وأتوقع بنسبة كبيرة أن هذا الدستور سيأتي ملبيًا لطموحات المصريين، سيأتي محققًا لأمال الكثيرين، سيحقق كثيرًا مما اعتنى المصريون بتحقيقه من خلال ثورتهم، سينص على حريتهم، سيحفظ حقوقهم، سيضبط كل أنشطتهم بضابط الشرع المطهر، سيشعر معه الناس بالأمان على أنفسهم وعلى مقدراتهم، سيتحقق من خلال هذا الدستور الكثير من العدل الذي غاب عن بلادنا وتتحقق كثير من القيم التي فقدناها في سنوات التجريف المادي والمعنوي لبلادنا.
فيما يتعلق بالسؤال عن النظام البرلماني وما نفضله فلا شك أننا ونحن نكتب هذا الدستور نحاول أن نرعى ما في النظام البرلماني من فوائد وما في النظام الرئاسي من فوائد، وهذا الذي يجعل الذين يكتبون الدستور الآن يختارون ميزات كل من النظام الرئاسي، والنظام البرلماني معًا ليصاغ من هذه الميزات نظام يخص مصر.
مختلط..؟
إن سميته نظامًا مختلطًا أو سميته نظامًا برلمانيًا رئاسيًا، أو سميته ما شئت أن تسميه، لكن في النهاية هو دستور مصري أصيل صميم، يحاول المصريون من خلاله أن يتجنبوا السلبيات والثغرات التي نفذ من خلالها المتسلطون والديكتاتوريون والمستبدون إلى الشعب المصري، فمارسوا عليه القهر والاستبداد والاستعباد بغير حق، فسيسعى دستورنا المقبل لسد هذه الثغرات، وإغلاق هذه المنافذ وهذه الأبواب وحماية الرئيس من نفسه، وحماية الشعب من أن تتغول عليه سلطات الدولة، وحماية هذه المقدرات الموجودة في بلادنا من أن تمتد إليها يد الفساد بالنهب والسلب كما وقع في العهود السابقة.
- رشحتم الرئيس (مرسي)، إلى أي مدى أنتم متفائلون برئاسته لمصر؟
لا تسلني هذا السؤال وسل العالم بأسره، لا تسلني هذا السؤال، وسل المصريين فإن الكل يشهد بأن هذه الحقبة الجديدة في تاريخ مصر الحديث، هي حقبة منيرة جاءت كنقطة ضوء ساطعة بعد عهود مظلمة، فالكل يستبشر خيرًا، وينتظر كثيرًا ويأمل طويلًا أن يحقق هذا الرئيس للمصريين ما أرادوه من إقامة شريعتهم، ومن التحاكم إلى كتاب ربهم، ومن إعلاء سنة نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم، ومن الحياة بكرامة وعزة ومن تحقيق ما يصبو إليه كل إنسان من رفاهية وراحة وسعادة في هذه الحياة، من تلبية الاحتياجات الأساسية، من تحقيق الأمن لكل إنسان، من المحافظة على الكرامة الإنسانية التي قال الله عنها: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ..} [الإسراء:70].
نحن ننتظر شيئًا كثيرًا وقد بدت تباشير خير في عهد هذا الرجل، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتم علينا وعلى بلادنا النعمة، وأن يوفقه لخير ما بحضرته من القول والعمل، وأن يأخذ بناصيته لخير ما يحب ويرضى، وأن يصلح له بطانته وأن يهيئ له من أمره رشدًا، ونحن متفائلون وسنظل بإذن الله تعالى متفائلين إلى أقصى مدى يمكن أن نحقق معه طموحات هذه البلاد.
- كيف ترون مستقبل مصر خلال السنوات القليلة القادمة؟ وإلى أي مدى حققت الثورة أهدافها؟
أعتقد أن بلادنا فقدت في عقودها الماضية كثيرًا من سمعتها، كثيرًا من حضورها، كثيرًا من دورها وواجبها وأنها بدأت تستعيد الآن بفضل الله تبارك وتعالى حضورها الإفريقي وحضورها الدولي، حضورها على مستوى القضايا، قضايا الأمة العربية والإسلامية، وجدنا (مرسي) يحضر مؤتمر عدم الانحياز ثم رأيناه يحضر مؤتمر وزراء الخارجية العرب.
في مؤتمر عدم الانحياز أشار إلى قضايا كثيرة، وفي مؤتمر وزراء الخارجية العرب أشار أيضًا إلى موقف مصر في عدد من القضايا الإقليمية والدولية، رأينا وفدًا يغادر إلى إثيوبيا، رأينا وفدًا يسافر إلى الصين، رأينا وفدًا يسافر إلى المملكة العربية السعودية، رأينا وفدًا يتهيأ للسفر إلى أمريكا، رأينا استثمارات قطرية تضخ، رأينا استثمارات أجنبية تضخ، رأينا حضورًا وإقبالًا رسميًا ودوليًا على التعامل والتعاون مع نظام (محمد مرسي)، كل هذا يبشر بخير، ويدعو إلى كثير من التفاؤل والأمل بإذن الله تبارك وتعالى.
- هل من كلمة تقولونها بشأن دعم الثورة السورية، وما الحلول التي يمكن أن تقدمها مصر من أجل حقن دم السوريين؟
بلا شك أن الرئيس (مرسي) أبان عن موقفه أيضًا من الثورة السورية في مؤتمر وزراء الخارجية العرب حيث أنه بعد ان انتهى من كلمته التي أشار فيها إلى الوضع السوري، قال: "سوريا سوريا سوريا، دم الثوار السوريين في رقابنا جميعًا". وختم بهذا حديثه غير الرسمي بعد أن ختم حديثه الرسمي إلى وزراء الخارجية العرب، وخرج وسط عاصفة من الإعجاب والترحيب.
- هل من حلول فعلية يمكن لمصر أن تقدمها؟
مصر تقدم الآن مبادرة سياسية للخروج من الأزمة السورية، حيث بدا أن النظام السوري ما يزال متمسكًا بوجوده على الأرض، حيث بدا أن الشيعة الرافضة في إيران يحتشدون بكل طاقتهم وقوتهم في إقامة هذا النظام ومنع سقوطه، حيث بدا أن الحل الثوري ربما طال، واستتبع هذا مزيدًا من حمامات الدم والنزيف الذي يجري على أرض سوريا الأبية، ولهذا شاركت مصر في تقديم هذه المبادرة السعودية التركية الإيرانية المصرية، ويقصد من هذه المبادرة الخروج بحل سياسي ينهي حالة الحرب الطائفية القائمة الآن في سوريا ويضمن لهذه الفئة النصيرية خروجًا آمنًا من السلطة ويحقن دماء الثوار في سوريا، ينتظر أن تؤتي هذه المبادرة ثمارها وأن يكون من ورائها خير لأهلنا في سوريا.
تبقى الحلول الثورية قائمة وتبقى الحلول السياسية الأخرى قائمة، طالب كثيرون من المصريين بطرد السفير السوري، طالب كثيرون بتجميد عضويتها في جامعة الدول العربية وقد تحقق هذا، طالب الكثيرون بمنع القنوات السورية من البث في بلادنا، وقد صدر عن الجامعة قرار بحجب هذه القنوات التي تنتمي إلى بشار العار، وجرى تشفير هذه القنوات ومنع بثها على القمر الصناعي المصري (نايل سات)، لكن يبقى أن الدعم المادي يتدفق على أرض سوريا من مصر ومن غير مصر، وأن الدعاة والدعم المعنوي وإثارة هذه القضايا إعلاميًا وبشكل عام أمر لا بد منه ولا غنى عنه، ولا تزال القضية السورية تستهلك من دمائنا ومن دعائنا ومن دموعنا الشيء الكثير، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يعجل بنصرهم إنه على ذلك قدير.
- شاركتم في تأسيس العديد من المؤسسات الخيرية، برأيكم ما الذي تحتاجه مصر الآن من العمل الأهلي الاسلامي؟
أقول إن مصر تحتاج الآن إلى كل جهد صادق وإلى كل عمل مخلص، وفق رؤية إستراتيجية متوسطة وبعيدة بحيث يرى المواطن المصري عما قريب أثار هذه الثورة في اقتصاده في رفاهيته في أمنه في كفاية وتلبية حاجاته الأساسية، فإذا وفقنا إلى مشاريع اقتصادية تنموية تحقق هذا الجانب للمصريين، وإذا وفقنا إلى إعزاز وتعزيز روح المبادرة والإيجابية لدى المصريين، وإذا استطعنا أن نوفر الحياة الكريمة لأبنائنا ولشبابنا، إن هذا سوف يعد من أعظم منجزات هذه الثورة، والتي يمكن أن يبنى عليها ما يبنى من انتشار للدعوة إلى الله وإقامة السنة وقمع البدعة وتحقيق الخير، ودفع الشر ورفع لواء الشريعة وتحكيمها، وإقامة البرهان على أن الاحتكام إلى شريعة الرحمن هو أساس وأس الأمان وتحصيل الخير لأهلنا جميعًا في مصر.
- لكن مؤسسات تعنى بأنشطة محددة؟
على كل حال نحن في تأسيسية الدستور سعينا إلى أن توجد مواد تؤسس لهذه المؤسسات الخيرية، ونصينا في الدستور المصري على استعادة الوقف الأهلي والخيري، وإعادة هذه الأنواع التي غابت من الوقف في مصر بعد الثورة، ومحاولة استعادة التشريعات التي تتعلق بالوقف وتتعلق بالزكاة وجمعها وتفريقها وتوزيعها، كل هذا سعينا إليه.
وستجد إن شاء الله تعالى في الدستور المصري ما ينص على عودة الوقف بأنواعه، وعلى ما يفتح حرية تأسيس المؤسسات الخيرية والدعوية والتربوية والإغاثية والتطوعية بضابطين:
الضابط الأول: شرعية الغايات.
والضابط الثاني: سلمية الوسائل.
ثم إنها تنشأ بمجرد الإخطار، وهذا على النحو الذي ينظمه القانون إن شاء الله تعالى، الأمر الذي يعني أنه لن يقف تشريع ولا نظام ولا قانون أمام كل من يريد بالبلد خيرًا أو تنمية أو بذلًا أو عونًا.
فالبلاد تحتاج إلى ألوان وأنواع منوعة من الأنشطة والمؤسسات في جميع المجالات، ولا يخفاك أنه بعد الثورة المصرية، تأسست مؤسسات كثيرة، وانطلقت جمعيات عديدة وامتلك الناس هذه الأذرع القوية التي يعملون من خلالها لتنمية مجتمعاتهم ونصرة قضاياهم.
- شكرًا جزيلًا فضيلة الشيخ الدكتور محمد يسري
وإياكم
أحمد خالد
- التصنيف:
- المصدر: