خفايا التردد التركي و(الفريضة) الغائبة!
لا تخطئ عين المراقب الموضوعي تركيز الحلف الصفوي حقده على تركيا، فكلما شعر أحفاد أبي لؤلؤة المجوسي باشتداد الخناق عليهم في الشام أو العراق، عمدوا إلى تحميل الأتراك وزر مآزقهم، زاعمين أن أحفاد محمد الفاتح يتطلعون إلى استعادة الأمجاد العثمانية، وبسط سلطانهم مجدداً على ربوع المشرق العربي!
لا تخطئ عين المراقب الموضوعي تركيز الحلف الصفوي حقده على تركيا، فكلما شعر أحفاد أبي لؤلؤة المجوسي باشتداد الخناق عليهم في الشام أو العراق، عمدوا إلى تحميل الأتراك وزر مآزقهم، زاعمين أن أحفاد محمد الفاتح يتطلعون إلى استعادة الأمجاد العثمانية، وبسط سلطانهم مجدداً على ربوع المشرق العربي!
والمضحك المبكي أن طهران الحانقة على ملامح تحطيم مشروعها التدميري تهجو تركيا صباح مساء، إلى مستوى أصبح محل سخرية، فقد بلغ الإحباط لدى الناطق باسم خارجية خامنئي أن يدعي أن نصب صواريخ باتريوت على الحدود التركية- السورية إنما يهدف إلى حماية الكيان الصهيوني إذا اعتدى الأخير على إيران!
إلا أنه بالمقدار ذاته من الروية والتأمل، يرصد المرء تقهقر الأداء التركي أمام تنمر الصفويين، إلى درجة باتت تثير كثيراً من التساؤلات، وبخاصة أن تركيا دولة قوية عسكرياً، وهي عضو مهم في حلف شمال الأطلسي -ناتو- وهي مزدهرة اقتصادياً بعكس التردي المتزايد في اقتصاد ملالي قم، والمعروف عن الأتراك شدة اعتزازهم بأنفسهم ورفضهم الاستكانة لأي مخلوق.
نحن نزعم بصدق أن وزر هذا الوضع الشاذ يحمله مؤسس تركيا الجمهورية (مصطفى كمال) المشتهر بلقب (أتاتورك) أي: أبا الأتراك!
صحيح أنه ليس ها هنا المكان والزمان الملائمان لتقويم شخصية أتاتورك، ولا استقراء الثمار المريرة لتجربته التي يتغنى بها سائر عبيد الغرب في ديار المسلمين، ويعتبرونها أنموذجا يجب التأسي به، ولا سيما أن هذا الأمر قد كُتِبَتْ فيه دراسات وبحوث معمقة، لكننا نشير إلى شيء من الكوارث المتصلة بالواقع الراهن، والتي جلبها على الأتراك الذين زعم أنه يتعصب لعرقهم تعصباً ذميماً، حتى بمعايير المنافع الدنيوية المحضة.
فها هو الصبي بشار الأسد يتطاول بسفاهة وبذاءة على تركيا الموروثة عن رعونة أتاتورك، من دون أن تتمكن من ردعه وتأديبه، وذلك بالرغم من الفوارق الهائلة في موازين القوى لمصلحة أنقرا! فعدد سكان تركيا يربو على 70 مليون نسمة، بينما لا يتجاوز عدد سكان سوريا 23 مليون نسمة! فكيف إذا وضعنا في حسباننا أن أكثر هؤلاء السوريين مناوئون لعصابات الطاغية بشار؟ وأما الفروق في الاقتصاد فهي كالفرق بين الثرى والثريا، فإذا نظرنا إلى القوة العسكرية فإن الموازنة ممتنعة بتعبير أهل الأصول، سواء من حيث التسلح والتدريب والانضباط والكفاءة القتالية، والجميع يتذكرون رضوخ الهالك حافظ أسد أمام تهديدات الجيش التركي في عام 1998م، بالرغم من أنه أقوى شكيمة من ابنه المهزوز ونظامه كان مستقراً داخلياً!
يتعذر على الباحث المنصف أن ينسب إلى رئيس الوزراء (رجب طيب أردوجان) مسؤولية السكوت التركي الحالي، على سفاهات صبي خامنئي في الشام، فهذا الرجل ذو شخصية قوية باعتراف خصومه، ولم يأنِ لنا نسيان رده المفحم على شيمون بيريز رئيس الكيان الصهيوني في منتدى دافوس.
فإذا سقط التفسير الشخصي لأنه بلا ساقين، فما السر وراء تراجعات الحكومة التركية من تصعيداتها الصارخة في بدايات الثورة السورية، إلى حد السكوت على إسقاط عصابات بشار طائرة تركية فوق المياه الدولية، وإطلاق الصواريخ على أراضيها، فضلاً عن ادعاء الصحف الصفراء في دمشق أن عصابات بشار أَسَرَتْ أربعة طيارين أتراك في حلب، كانوا يحاولون التسلل إلى مطار عسكري هناك!
الحقيقة غير الجلية لكثير من الناس الذين يلومون أردوجان على خفوت صوته عملياً في مواجهة بشار وسيده الصفوي، هي أن حماقات أتاتورك وتعصبه الأعمى ضد الإسلام، جعله يقيم دولة تضم نسبة غير يسيرة من الأكراد، ثم أكمل خليفته عصمت إينونو تلك الحماقة بضم منطقة إسكندرون ذات الغالبية النصيرية!! وهاتان الثغرتان أصبحتا عنصر ضغط هائل على صانع القرار التركي، فالأكراد الذين كانوا ركناً طبيعياً في دولة الخلافة، يرفضون العيش في دولة تتعصب للعرق التركي لأنها تجعلهم بذلك مواطنين من درجة أدنى!
والنصيريون يضعون انتماءهم الديني فوق الهوية التركية الوطنية، الأمر الذي يجعلهم الآن طابوراً خامساً يخدم الصفويين، ويؤيد جرائم بشار ضد المسلمين في سوريا.
غير أن هذا التفسير الموضوعي لا يعفي حكومة العدالة والتنمية من مسؤوليتها التاريخية، ولا يبرر سياستها المتلكئة في مواجهة تهديدات إستراتيجية فاصلة، إن عليها ابتكار سبل إبداعية للتغلب على نقاط ضعفها الموروثة، لأن الرضوخ للحلف الصهيوني الصليبي الصفوي اليوم، سوف يصبح سابقة يبني عليها مزيداً من شهيته الآثمة، لإضعاف تركيا وابتزازها في المحطات الحاسمة.
إن القرار الكبير يحتاج إلى جرأة محسوبة بعناية، وإن أنقرا إذا عرفت كيف تقهر التردد، سوف تجد تأييداً إسلامياً هائلاً، لا يمكن تجاهل تأثيره الحاسم في ردع المجرمين التوسعيين.
- التصنيف:
- المصدر: