الوجه القبيح للغرب (الاستعماري) في مالي
الغرب يقدم قدماً ويؤخر أخرى في دعم فرنسا لسببٍ بسيط هو أنه لا يريد أن يتورط في حرب قبل أن يتأكد من حجم الثمار؛ ففرنسا لها مصالح في المنطقة واضحة فهناك جاليةٌ فرنسية كبيرة في مالي إضافة إلى المصالح الفرنسية المباشرة في النيجر، وإذا سقطت مالي فيعني سقوط مصالح فرنسا بمنطقة الساحل أما بقية الدول الغربية فلازالت تعاني من تدخلها المكثف في أفغانستان والعراق وما جنته من دمار.
الجيش الفرنسي في مالي
ما يحدث في مالي الآن لا يمكن فهمه بعيداً عن تاريخ الغرب "الاستعماري" في أفريقيا، والذي جثم على صدرها عشرات السنين يمتص خيراتها ويذيق أهلها صنوف العذاب والاضطهاد..
وعندما قرّر "الاستعمار" أن يأخذ عصاه ويرحل لم يكن ذلك لأنه اعترف بذنبه وأقر بجرائمه كما ادعى ولكن لأنه رأى أن تكاليف الاحتلال العسكري المباشر أصبحت باهظة وتستفز الشعوب للمقاومة وتستنزف قوته العسكرية، وأن الاحتلال غير المباشر وَوضع العملاء في مواقع السلطة يؤدي إلى نفس الغرض وبتكلفة أقل، يعني القضية نفعية انتهازية من أولها لآخرها ولا صلة لها من قريب أو بعيد بحقوق الإنسان أو حق الشعوب في تحديد مصيرها والمحافظة على الاستقلال الوطني فكل هذه شعارات ومفاهيم مطاطة تستخدم للخداع وللضحك على عقول البسطاء ويتم استغلالها في المناطق البعيدة عن السيطرة لتفجير الصراعات فيها وعندما يصل العملاء للسلطة يتم غض الطرف عن وحشية الأنظمة وتجبرها وإقصائها للمعارضين كما كان يحدث في مصر وتونس وليبيا وغيرها من الدول التي كانت خاضعة لشروط المصلحة...
شروط المصلحة لا تعرف سوى الحفاظ على رفاهية الرجل الأبيض في أفضل أنواع المعيشة حيث يستمتع بأرقى الأطعمة والمصنوعات والمجوهرات والمساكن بينما يظل "الرجل الهمجي الأسود" -حسب رؤية الغرب- يقبع في أحلك الظروف عارياً لا يكاد يجد قوت وتُصدّر إليه الأسلحة القديمة التي أوشكت أن تصدأ في مخازن الغرب لكي ينهي خلافاته السياسية، والقبلية التي يفجرها الغرب بين الحين والآخر لكي تدور مصانع الأسلحة التي يعمل فيها الألوف من العمال والذين يعيشون على دماء الأبرياء في أفريقيا وغيرها من المناطق الفقيرة...
فرنسا التي خرجت من الجزائر بعد أكثر من مائة عام من الاحتلال وترفض حتى اللحظة الاعتراف بجرائمها التي أسفرت عن قتل أكثر من مليون شهيد، وتأبى أن تقدم اعتذاراً واضحاً للضحايا تصر على التدخل في الشأن الجزائري بل وتجرجرها معها في حروبها النفعية..
التدخل الفرنسي في مالي ليس وليد اللحظة كما تحاول أن تروج له ولكن تم إعداده منذ فترة، تقول الصحفية الفرنسية آن جوديتشيلي: "إن فرنسا تحضرت لهذه الحرب جيداً وتعرف أن الصراع سيكون صعباً وشاقاً ودونه عقبات وخسائر كثيرة، ولهذا فقد قامت بوضع خطط على المدى القريب وحتى البعيد للتعامل مع هذه الحرب".
و يقول الخبير بالعلاقات الدولية خطار أبو دياب: "إن باريس كانت تخطط لهذه العملية منذ الصيف الماضي"، مشيراً إلى أنها لن تفاجأ أو فوجئت بما سيحصل. وأضاف: "أن فرنسا لا تريد أن تبقى في عملية مباشرة بمالي أكثر من ثلاثة أشهر، ولذا فبعد التمهيد الجوي ووصول قوات برية فرنسية ستقوم فرنسا بإقامة خط وهمي يفصل بين الشمال والجنوب يمهد لانتشار القوة الأفريقية والدولية المزمع تشكيلها في وقت لاحق"...
المشكلة التي تؤرق فرنسا حالياً ليست القتلى الأبرياء الذين سيسقطون في هذا الصراع الدامي، ولكن الكلفة الاقتصادية لهذه الحرب لذا فهي تغري بعض الدول بالمكاسب المتوقعة وتخيف البعض الآخر من "شبح القاعدة"...
ولكن ما لم تتوقعه فرنسا هو حجم المقاومة التي ستواجهها فلقد ظنت أنها ستُنهي الأمر خلال أيام، أو أسابيع ففوجئت بحربٍ شرسة فبعد نحو أسبوع من القصف الجوي أقرّت فرنسا بأن الجماعات المسلحة لا تزال تسيطر على بلدتين مهمتين وأنها لا تتراجع...
الغرب يقدم قدماً ويؤخر أخرى في دعم فرنسا لسببٍ بسيط هو أنه لا يريد أن يتورط في حرب قبل أن يتأكد من حجم الثمار؛ ففرنسا لها مصالح في المنطقة واضحة فهناك جاليةٌ فرنسية كبيرة في مالي إضافة إلى المصالح الفرنسية المباشرة في النيجر، وإذا سقطت مالي فيعني سقوط مصالح فرنسا بمنطقة الساحل أما بقية الدول الغربية فلازالت تعاني من تدخلها المكثف في أفغانستان والعراق وما جنته من دمار...المدهش أن الموقف العربي في مجمله يسير وراء الادعاءات الفرنسية دون أن يفطن لحجم الكارثة المتوقعة والتي ستُصيب العديد من الدول المجاورة حيث تعيش معظمها حالة من عدم الاستقرار السياسي.
خالد مصطفى
- التصنيف:
- المصدر: