الفلوجة ملحمة الدم والانتصار
ما يجري في العراق هو ثورة ضد الطائفية، والعنصرية والتهميش والظلم والاعتقالات العشوائية، والإعدامات خارج نطاق القانون، هي ثورة لتخليص الجيش من المليشيات التي تشكل أكثر من 80% من الجيش الحالي، ولنشر العدل والأمن والأمان في عموم البلاد، وبعبارة بسيطة، هي ثورة لإنهاء الحالة الشاذة التي خلفها المحتل الأمريكي في العراق الجريح!
الموت حق، ومهما طال بالإنسان هذا العمر لابد أن يسير في يوم من الأيام إلى حفرة هي القبر، يجد فيها ما قدّم وما أخر، وعليه فلماذا يخشى الإنسان من المواقف الصادقة أن تكون سبباً في تقصير عمره، أو أن تجلب له ضرراً مستمراً، بل عليه قول الحق في وجه الطغاة والظلمة؛ لأن الحياة بلا كرامة موت ذليل، وإن كان صاحبها بين الأحياء!
العراقيون المتظاهرون في محافظات الأنبار والموصل وصلاح الدين وديالى وكركوك والعاصمة بغداد، لم يخرجوا طلباً لدنيا، ولا حباً فيها، وإنما الذي دفعهم لذلك هو حرصهم وخوفهم على أعراضهم وشرفهم؛ لأن غالبية الأجهزة الأمنية لم تعد تلتزم بميزان شرعي، أو إنساني، أو حتى أخلاقي، وصارت تعبث بشرف الناس في داخل السجون وخارجها؛ وكأنها وحشٌ كاسر يريد أن يفترس ضحيته! المظاهرات السلمية في عموم العراق تطالب بحقوق كفلها الدستور الحالي، الذي كتب تحت رماح المحتل الأمريكي، وغالبية مواد هذا الدستور هي حبر على ورق، ولم تجد من يطبقها في الحياة اليومية، بل بعبارة أدق: تم استخدام المواد والفقرات التي تخدم مصالح الأحزاب الحاكمة، وتهميش الفقرات التي تتعلق بالحقوق والحريات.
ما يجري في العراق هو ثورة ضد الطائفية، والعنصرية والتهميش والظلم والاعتقالات العشوائية، والإعدامات خارج نطاق القانون، هي ثورة لتخليص الجيش من المليشيات التي تشكل أكثر من 80% من الجيش الحالي، ولنشر العدل والأمن والأمان في عموم البلاد، وبعبارة بسيطة، هي ثورة لإنهاء الحالة الشاذة التي خلفها المحتل الأمريكي في العراق الجريح! المتظاهرون قرروا، ومنذ الأيام الاولى لانطلاق مظاهراتهم، أن تكون هذه الاعتصامات والمظاهرات سلمية بعيدة عن الاحتكاك، أو التصادم مع رجال الجيش والشرطة الحكومية؛ وذلك من أجل الحفاظ على الدم العراقي، وأيضاً لإيصال رسالة واضحة للحكومة أنهم لا يريدون التخريب والتدمير، بل حب العراق، والخوف على دينهم وأعراضهم كل هذه الأسباب هي التي دفعتهم للخروج، وأهم من كل هذه الأسباب إيصال رسالة للعالم مفادها: أن العراقيين لم يعد بإمكانهم السكوت، أو الصبر أكثر على طغيان واستهتار حكومة المنطقة الخضراء!
حكومة المالكي من جانبها لم تستجب لمطالب المتظاهرين المشروعة، بل ركبت رأسها -كما يقال- وراحت تكيل الاتهامات الباطلة للمعتصمين، فمرة ادّعت بأنهم فقاعة، وأخرى اتهمتهم بأنهم يتلقون دعماً مالياً من الخارج، وأغلقت الحدود للتضييق عليهم اقتصادياً، ودعت بعض أفراد الجيش والشرطة، من المليشيات التي ألبست لباساً رسمياً، لاستفزاز المتظاهرين في ساحات الاعتصامات وفي المدن، لكن كل تلك الأساليب الهمجية لم تزد المتظاهرين إلا إصراراً على بقاء مظاهراتهم سلمية وحضارية.
الجريمة التي ارتكبت يوم الجمعة 25/1/2013، مخطط لها مسبقاً، والدليل أن هذه قوات الجيش الحكومية، ولأول مرة، كانت تقف خلف منصة خطيب الجمعة في الفلوجة، وأثناء الخطبة حاول بعض أفراد الجيش الاحتكاك بالشباب والتحرش بهم، واستمر الحكماء بتهدئة الموقف، إلا أن الجيش الحكومي فاجأ الجميع؛ وأطلق النار على جموع المصلين؛ مما أسفر عن استشهاد سبعة مدنيين، معظمهم من الشباب، وجرح أكثر من (80) آخرين، منهم عشر حالات حرجة! والدليل الآخر، أن الشهداء قتلوا برصاصة واحدة في الظهر، وهذا يؤكد الفرضية التي تقول بأنهم تم استهدافهم من قبل مجموعة القناصين الحكوميين!
الحكومة هي المسؤول الأول والأخير عن هذه الخسائر البشرية، وذلك للأسباب الآتية:
السبب الأول: رئيس الحكومة الحالية في العراق نوري المالكي هو صاحب القرار الأول في البلاد، وهو القائد العام للقوات المسلحة الحالية، وعليه فإنه هو من أصدر الأوامر باستهداف المتظاهرين، وإلا فإنه لا يعقل أن يقدم جندي بسيط على قتل المتظاهرين من دون أية أوامر عسكرية؛ لأن هذا مخالف للمنطق والواقع.
السبب الثاني: مضاعفة مسؤولية الحكومة عن الحادث؛ لأنها تجاهلت مطالب الجماهير، بل ولم تنفذ أي مطلب لحد الآن، على الرغم من مرور أكثر من (35) يوماً على انطلاق هذه المظاهرات، وهذا استخفاف وتهميش واضح لنصف الشعب العراقي!
السبب الثالث: دور الحكومة في ازدياد الاحتقان بين العراقيين؛ وذلك بنهجها لمنهج المظاهرات المضادة، أو المؤيدة للمالكي في بغداد والنجف، وهذا الأسلوب الوضيع لا يمكن أن يغير من حقيقة كون المالكي قد ظلم العراقيين جميعاً.
حكومة المنطقة الخضراء، وفي محاولة يائسة لامتصاص الغضب الشعبي، ذكرت، وعلى لسان وزير الدفاع وكالة سعدون الدليمي، بأنها شكلت لجنة تحقيقية حول الأحداث التي شهدها قضاء الفلوجة ومحاسبة المقصرين بشدة. ونحن في العراق تعودنا على مهزلة اللجان التحقيقية، التي ما سمعنا في يوم من الأيام أنها وصلت لنتيجة، وكالعادة سيتم محاسبة الجنود البساط الذين نفذوا بجهل، أو بغباء، أو بتعمد ربما أوامر عسكرية صادرة من الجهات العليا، وتحديداً من رئيس الحكومة نوري المالكي! فلماذا يتم التحايل على القانون والناس، اللجنة يجب أن تحقق مع المالكي؛ باعتباره القائد العام للقوات المسلحة، وليس مع غيره؟!
أهالي الفلوجة خرجوا صباح اليوم السبت في تشييع مهيب لضحايا إرهاب حكومة المالكي، وهم يكبرون بأعلى أصواتهم، وينادون برحيل ومحاكمة المالكي، وأنا لم أرى في حياتي تشييعاً مهيباً مثل هذا الذي رأيته اليوم، وكأن المدينة قد خرجت على بكرة أبيها؛ لترفض ظلم المالكي؛ ولتشتكي لله الواحد الأحد طغيان واستهتار هذا الرجل وحكومته! الدماء التي سالت في الفلوجة لن تذهب دون ثمن، وثمنها تحقيق كافة المطالب التي تنادي بها الجماهير العراقية، وعلى رأسها طرد حكومة المالكي الطائفية. هذه الملحمة لن تنتهي إلا بانتصارها على الباطل، وتحقيق أهدافها الإنسانية المشروعة.
رحم الله شهداء العراق، والموت والذل والهوان لأعداء العراق من الخونة والعملاء.
جاسم الشمري
- التصنيف:
- المصدر: