العمل والكسب في الإسلامِ

منذ 2013-03-02

العمل في الإسلام، أقسام الناس فيما يتعلق بالعمل وما حكم التسوّل مع القدرة على العمل...


الخطبة الأولى

الحمدُ للهِ نعمُهُ على عبادِه تَتّرى، وخيرُه وإحسانُه إليهم لا يُعد ولا يُحصى، أحمدُه سبحانه وأشكُره كما يُحب ويَرضى، وأشهدُ ألا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، له الأسماءُ الحُسنى والصفاتُ العُلى، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه له الدرجاتُ العُلى، صلى اللهُ وسلمَ عليه وعلى آله وصحبِه والتابعينَ ومن تبِعهم بإحسانٍ إلى يومِ اللقاءِ.

أما بعدُ؛ فياعبادَ اللهِ:

دينٌ الإسلامِ دينٌ الفطرةِ والسماحةِ، جمعَ بينَ مقاصدِ الدنيا والآخرةِ، وفّقَ بينَ سعي الإنسانِ لدنياهُ في طلبِ رزقِه ورزقِ عيالِه، والعيشِ في هذه الدنيا بكرامةٍ وأمانٍ، وبينَ الإقبالِ على الدارِ الآخرةِ والاجتهادِ في العبادةِ.

أيها المسلمونَ:

ولما كانَ العملُ وطلبُ العيشِ والكسبُ من ضرورياتِ الحياةِ ولوازمِها هيأَ اللهُ للناسِ من الأسبابِ ما تقومُ به حياتُهم وما فيه مصدرُ عيشِهم: {اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ . وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ . وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم:32-34].

عبادَ اللهِ:

أعلى الإسلامُ من شأنِ العملِ والكسبِ، ورتَّب عليهما الثوابَ والأجرَ، ومما يؤكِّدُ ذلكَ أن اللهَ قرنَ بينَ العبادةِ والعملِ في نصوصِ القرآنِ، ومن ذلكَ قولُه تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّينَ} [البقرة:198]. يقولُ ابنُ عباسٍ رضي الله عنه:  "كانوا يتّقونَ البيوعَ والتجارةَ في المواسمِ والحجِ، يقولونَ: أيامُ ذكرٍ"، فأنزلَ اللهُ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن}، بل قرنَ المولى سبحانه في كتابِه بينَ المجاهدينَ في سبيِلِه والذينَ يضربونَ في الأرضِ يبتغونَ من فضلِ اللهِ {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [المزمل: من الآية 20].

أيها المسلمونَ:

إن البحثَ عن العملِ وطلبَ المالِ الحلالِ، والسعيَ على الأهلِ والعيالِ مما حثَّ عليه الإسلامُ، قيلَ يا رسولَ اللهِ أيُّ الكسبِ أطيبُ؟ قالَ: «عملُ الرجلِ بيدِه وكلُ بيعٍ مبرورٍ» (رواهُ أحمدُ وغيرُه) وقالَ صلى الله عليه وسلم: «لأن يأخذ أحدُكم أحبُلَهُ فيأتي الجبلَ، فيجيءَ بحُزمةٍ من حطبٍ على ظهرٍ، فيبيعَها فيستغنيَ بثمنِها، خيرُ له من أن يسألَ الناسَ أعطَوه أو منعُوه» (رواه أحمدُ وأصلُه في البخاري).

وروى كعبُ بنُ عجرةٍ رضي الله عنه قال: مرَّ رجلٌ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، فرأى أصحابُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم من جَلَدِهِ ونشاطِه ما رأوا، فقالوا: يا رسولَ اللهِ لو كانَ هذا في سبيلِ اللهِ؟ فقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إن كانَ خرجَ يسعى على ولدِه صغاراً فهو في سبيلِ اللهِ، وإن كانَ خرجَ يسعى على أبوينِ شيخينِ كبيرينِ فهو في سبيلِ اللهِ، وإن كانَ خرجَ يسعى على نفسِه يعُفّها فهو في سبيلِ اللهِ، وإن كانَ خرجَ يسعى رياءً ومفاخرةً فهو في سبيلِ الشيطانِ» (رواه الطبرانيُ ورجالُه رجالُ الصحيحِ).

عبادَ اللهِ:

لقد كانَ أصحابُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم عُمالُ أنفُسِهم كما تقولُ عائشةُ رضي الله عنها ، فها هو أبو بكرٍ الصديقُ رضي الله عنه من أتجرِ قريشٍ، وما قُتلَ عثمانُ بنُ عفانَ رضي اللهُ حتى بلغت غَلّةُ نخلِه مائةَ ألفٍ، وكانَ عبدُالرحمنِ بنُ عوفٍ رضي الله عنه يقولُ: "يا حبذا المالَ أصونُ به عرضِي، وأتقربُ به إلى ربي"، ويقولُ صالحُ ابنُ الإمامِ أحمدَ رحمهما الله: "كانَ أبي ربما أخذَ القَدّومَ وخرجَ إلى دارِ السكنِ يعملُ الشيءَّ بيدِه".

أيها المسلمونَ:

لقد أنقسمَ الناسُ في الجملةِ فيما يتعلقُ بالكسبِ والعملِ إلى أقسامٍ متعددةٍ:

فقسمٌ زعموا أن السعيَ في طلبِ الرزقِ والتكسبِ ينافي التوكلَ على اللهِ تعالى، فلزموا القعودَ والتخلفَ عن طلبِ المعاشِ والسعيَ في الأرضِ فخالفوا بذلكَ ما أُمروا به، وأصبحوا عالةً على غيرِهم، قالَ ابنُ عباسٍ رضي الله عنهما: كانَ أهلُ اليمنِ يحجون ولا يتزودونَ ويقولونَ: نحنُ متوكلونَ، فيَحجونَ فيأتونَ مكةَ فيسألونَ الناسَ فأنزل اللهُ: {وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة: من الآية 197]، وسألَ رجلٌ أحمدَ بنَ حنبلٍ فقالَ: أيخرجُ أحدُنا إلى مكةَ متوكلاً لا يحملُ معه شيئاً؟ قال: لا يعجبُني فمن أينَ يأكلُ؟ قالَ: يتوكلُ فيعطيه الناسُ، قال: فإذا لم يُعطوه أليس يَتشرفُ حتى يُعطوه؟ لا يُعجبني هذا، لم يبلغُني أن أحداً من أصحابِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم والتابعينَ فعل هذا، ولكن يعملُ ويطلبُ ويتحرى.

وقسمٌ منَ الناسِ أفرطوا في أمرِ التكسبِ، ولم يراعوا حلالاً من حرام، فتلوَّثَ مطعمُهم ومشربُهم وملبسُهم، فحَملوا بذلكَ آثاماً وأوزارا، ومحقَ بركةِ كسبِهم.

وقسمٌ ثالثٌ من الناسِ: عمِلوا بالأسبابِ المباحةِ، وتكسَّبوا من الرزقِ الحلالِ، إلا أن الدنيا شغلتُهم عن أداءِ حقِ اللهِ تعالى ، فخَسِروا دنياهم وآخرتَهم، وقد قالَ اللهُ تعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ} [الشورى:20]، وأما القسمُ الأخيرُ من الناسِ فهم الذينَ سلكوا الطرقَ المشروعةَ للكسبِ، وجعلوا مرضاةَ اللهِ تعالى نصبَ أعينِهم، فأخذوا ما لهم، وأدوا الحقَ الذي عليهم، وأنفقوا في سبيلِ الخيرِ، وهؤلاءِ هم الذين {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ} [الحج:24].

عبادَ اللهِ:

إن العملَ المباحَ مهما كانَ جنسُه ونوعُه وضعفُه واحتقارُه في أعينِ الناسِ لهو شرفٌ يُعزُ اللهُ تعالى به أهلَهُ، وكرامةٌ لصاحبِه من أن يُهينَ نفسَه بسؤالِ الناسِ أعطَوه أو منعُوه، وإن البطالةَ والكسلَ والقعودَ عن العملِ والتفرغَ لسؤالِ الناسِ لهو أمرٌ قبيحٌ ودناءةٌ في الخُلقِ وذلةٌ في الدنيا ويومَ القيامةِ، يقولُ عمرُ بنُ الخطابِ رضي الله عنه: "مكسبةٌ فيها دناءةٌ خيرٌ من سؤالِ الناسِ، وإني لأرى الرجلَ فيُعجبُني شكُله، فإذ سألتُ عنه فقيلَ لي: لا عملَ له، سقطَ من عيني".

أيها المسلمونَ:

ليسَ بعدَ أنبياءِ اللهِ صلواتُ اللهِ وسلامُه عليهِم من قدوةٍ يُقتدى بها، كانوا أعفَّ الناسِ عما في أيدي الناسِ، فعمِلوا وكسبُوا بأيدِيهم، وما نقَصَ ذلكَ من اصطفاءِ اللهِ تعالى لهم، ولا أنزلَ ذلكَ من مكانتِهم عندَ الأممِ، كانَ زكريا عليه السلام نجاراً، وكانَ داودُ عليه السلام حداداً، وقال صلى الله عليه وسلم: «ما بَعثَ اللهُ نبياً إلا رعى الغنمَ، فقالَ أصحابُه: وأنتَ؟ فقالَ: نعم، كنتُ أرعاها على قراريطَ لأهلِ مكةَ» (رواه البخاري).

عبادَ اللهِ:

إن مما تفشى في هذه الأزمانِ كثرةُ التسولِ والسؤالِ في الطرقاتِ والمساجدِ وفي غيرِها، وفي أولئكَ القومُ الأصحاءُ الأقوياءُ الأغنياءُ، وفيهم الضعفاءُ والمرضى والفقراءُ، وإن مما ينبغي أن يُعلمَ نهيُ الإسلامِ عن التسوّلِ والمسألةِ، لما فيها من ضررٍ وخطورةٍ وفسادٍ على صاحبِها، وما فيها من هضمٍ لحقوقِ الآخرينَ في المجتمعِ، قالَ أبو حامدِ الغزاليِ رحمه الله: "السؤالُ حرامٌ في الأصلِ، وإنما يُباحُ بضرورةٍ أو حاجةٍ مهمةٍ قريبةٍ من الضرورةِ، وإنما قُلنا إن الأصلَ فيه التحريمُ لأنه لا يَنفكُ من ثلاثةِ أمورٍ محرمةٍ:

الأولُ: إظهارُ الشكوى من اللهِ تعالى، إذ السؤالُ إظهارٌ للفقرِ، وذكرٌ لقصورِ نعمةِ اللهِ تعالى عنه.

والثاني: أن فيه إذلالُ السائلِ نفسَهُ لغيرِ اللهِ تعالى، وليسَ للمؤمنِ أن يُذلِ نفسَه لغيرِ اللهِ إلا لضرورةٍ.

الثالثُ: أنه لا يَنفكُ عن إيذاءِ المسئول غالباً.

عبادَ اللهِ:

لقد كانَ نبيُكم صلى الله عليه وسلم يُوجهُ أصحابَه إلى العملِ، ويُجنبُهم البطالةَ والمسألةَ، فإذا جاءَ أحدُهم إليه صلى الله عليه وسلم يسألُه مالاً، وكانَ قوياً على العملِ وجهَّه إلى العملِ وحثَّه عليه، وبيَّن له أن العملَ مهما كانَ محتقراً في أعينِ الناسِ فهو أشرفُ للإنسانِ من التسولِ والمسألةِ.

ومما يُروى في ذلكَ أن رجلاً من الأنصارِ أتى النبيَ صلى الله عليه وسلم يسألُه، فقال: «أما في بيتك شيءٌ؟» قال: بلى، حِلسٌ نلبسُ بعضَه، ونبسُط بعضَه، وقَعبٌ نَشربُ فيه الماءَ، قال: «ائتني بهما»، قالَ: فأتاه بهما، فأخذَهما رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بيده، وقالَ: «من يشتري هذين؟» قالَ رجلٌ: أنا آخذهما بدرهمٍ، قالَ: «من يزيدُ على درهمٍ؟» -مرتينِ أو ثلاثاً-، قالَ رجلٌ: أنا آخذهما بدرهمين، فأعطاهما إياه، وأخذ الدرهمين، وأعطاهما الأنصاري وقالَ: «اشتر بأحدهما طعاماً فأنبذه إلى أهلك، واشتر بالآخرِ قَدوماً فأتني به»، فأتاه به، فشدَّ فيه صلى الله عليه وسلم عوداً بيده، ثم قالَ: «اذهب فاحتطِب وبع، ولا أرينَّكَ خمسةَ عشرَ يوماً»، فذهبَ الرجلُ يَحتطبُ ويبيعُ، فجاءَ وقد أصابَ عشرةَ دراهمٍ، فاشترى ببعضِها ثوباً وببعضِها طعاماً، فقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:  «هذا خيرٌ لك من أن تجيءَ المسألةُ نكتةً في وجهكَ يومَ القيامةِ، إن المسألةَ لا تصلحُ إلا لثلاثةٍ، لذي فقرٍ مُدقِعٍ، أو لذي غُرمٍ مُفظِعٍ، أو لذي دَمٍ مُوجعٍ» (رواه أبو داودَ والترمذيِّ وحسنَّه).

فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ وكونوا عوناً لإخوانِكم على أنفسِهم والشيطانِ، نبهوا أهلَ التسولَ وحذرِّوهم من الوقوعِ في الهلكةِ والعذابِ، وحثُوهم على العملِ والكسبِ، وتذكروا أن نبيَّكم صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه كانَ يقولُ: «اللهمَ إني أعوذُ بكَ من العجزِ والكسلِ، والجُبنِ والبُخلِ، وغَلبةِ الدَّينِ وقَهرِ الرِجالِ» (أخرجه النسائيُ وأبو داودَ).

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم..

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه واشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه واخوانه، وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد؛ فيا عباد الله:

إن الكسب الذي حث الإسلام على العمل للحصول عليه، هو الكسب الحلال الطيب، فالله تعالى «طيب لا يقبل إلا طيبا»،وبذلك أمر المؤمنين كما امر المرسلين، فقال سبحانه:  { يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ۖ إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } [المؤمنون:51]، وقال سبحانه:  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة:172].

أيها المسلمون:

إن طلب الحلال وتحريه أمر واجب، وحتم لازم، فلن تزولا قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه.

عباد الله:

أرأيتم الرجل الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم: «يُطيل السفر أشعث أغير يمدّ يديه إلى السماء، يا رب يا رب، ومطعمه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنّى يستجاب له» (رواه مسلم).

لقد استجمع هذا الرجل من صفات الذل والمسكنة والحاجة والفاقة ما يدعو إلى رثاء حاله، ويؤكد شدة افتقاره، تقطعت به السبل، وطال به المسير، وتغرّبت به الديار، وترِبت يداه، وأشعث رأسه، واغبرّت قدماه، ولكنه قد قطع بربه، وحُرِمَ نفسه من مداد مولاه، فحيل بين دعائه والقبول.

بربكم ماذا يبقى للعبد إذا انقطعت صلته بربه، وحجب دعاؤه، وحيل بينه وبين الرحمة؟ لمثل هذا قال بعض السلف: "لو قمت في العبادة قيام السارية ما نفعك حتى تنظر ما يدخل بطنك".

أيها العمال والموظفون، أيها الصناع والتجار، أيها السماسرة والمقاولون، أيها المسلمون والمسلمات، إياكم أن يكون طلبكم للرزق مفضياً إلى الكسب الحرام من ربا أو غش أو خداع أو قمار أو نحوها مما يتحصل به على الحرام. وإياكم أن تكون هذه الأرزاق من الله لكم سبيلاً للفساد في الأرض أو الصدود عن سبيل الله، أو منع ما أوجب الله.

عباد الله:

{كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} [الأنعام: من الآية 142].


أحمد بن حسين الفقيهي


 

  • 40
  • 17
  • 166,942

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً