حرية الفوضى... !

منذ 2013-03-19

هذه الخطبة لتذكير وتحذير بين يدي أحداث الشغب والعنف، لإثارة الفوضى بحجة حرية التظاهر والاحتجاج.


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

الغرض من الخطبة:
تذكير وتحذير بين يدي أحداث الشغب والعنف، لإثارة الفوضى بحجة حرية التظاهر والاحتجاج.

المقدمة:
-  الإشارة إلى التغرير بقطاع كبير من الشباب من جهات داخلية وخارجية، لتنفيذ (الفوضى الخلاقة) تحت شعار حرية التظاهر والاحتجاج: قال تعالى: {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا..} [البقرة: 217]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} [آل عمران: 100].
يجدر الإشارة إلى تصريح وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس، لصحيفة الواشنطن بوست الأمريكية شهر نيسان 2005: "أن الحل لإيجاد شرق أوسط جديد هو إشاعة الفوضى الخلاقة".

1- مفهوم الحرية في الإسلام:
-  جعل الإسلام الحرية حقًّا مِن حقوق الإنسان الطبيعية، ولقد بلغ من تعظيم الإسلام لشأن الحرية نفي الإكراه في الدين الذي هو أعز شيء يملكه الإنسان، قال تعالى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ} [البقرة: 256]. مع التنبيه على وجوب الدعوة إلى الإسلام، وبيان طريق الرشد للمخالفين من غير إكراه.

-  الإسلام يضمن حرية الرأي والتعبير بالذي ينفع ويصلح: (نزول النبي صلى الله عليه وسلم على رأي الشباب بالخروج للمشركين يوم أحد) والأمثلة كثيرة.
-  جعل الإسلام حرية للتعبير في منع الظلم والمطالبة بالعدل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَرَجُلٌ قَامَ إِلَى إِمَامٍ جَائِرٍ فَأَمَرَهُ وَنَهَاهُ فَقَتَلَهُ» (رواه الحاكم، وصححه الألباني)، وقال: «إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْجِهَادِ كَلِمَةَ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ» (رواه الترمذي وابن ماجه، وصححه الألباني)، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يمنع الولاة من أن يضربوا أحدًا إلا أن يكون بحكم قاضٍ عدل، كما أمر بضرب الولاة الذين يخالفون ذلك بمقدار ما ضربوا رعاياهم (فتوح مصر لابن عبد الحكم).

ـ ولكن الحرية لا تعني الإطلاق مِن كل قيد؛ وإلا كانت الفوضى ولذلك وضع الإسلام لها ضوابط:
- ألا تؤدي الحرية إلى تهديد سلامة المجتمع.
- ألا تؤدي إلى الإضرار بالآخرين.
-  ألا تفوت حقوقًا أعظم منها.

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟، قَالُوا: يَوْمٌ حَرَامٌ. قَالَ: فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟، قَالُوا: بَلَدٌ حَرَامٌ.  قَالَ: فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ قَالُوا: شَهْرٌ حَرَامٌ. قَالَ: فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا» (رواه البخاري).

2- حرمة الاعتداء على الأنفس بغير حق:
-  الجيش والشرطة والشعب مسلمون، قال صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ» (رواه مسلم)، وقال صلى الله عليه وسلم: «لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ مُؤْمِنٍ بِغَيْرِ حَقٍّ» (رواه ابن ماجه، وصححه الألباني).
-  إشارة إلى مصيبة أهل القتيل وحزنهم من خلال تشريع القصاص، قال تعالى: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا} [الإسراء: 33].

-  لا تبيح الحرية في الإسلام قتل النفس فكيف بقتل الغير؟! قال صلى الله عليه وسلم: «الَّذِي يَخْنُقُ نَفْسَهُ يَخْنُقُهَا فِي النَّارِ، وَالَّذِي يَطْعُنُهَا يَطْعُنُهَا فِي النَّارِ» (رواه البخاري).
-  الاعتداء على الأنفس من أعظم المحرمات، قال تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ} [الأنعام: 151].

ـ عاقبة من سن القتل فكيف بالمحرض عليه؟ قال صلى الله عليه وسلم: «لاَ تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا، لأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ القَتْلَ» (متفق عليه).

-  الصالحون -عباد الرحمن- أبعد الناس عن هذه الجريمة: {وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ} [الفرقان: 68].
-  القتل جريمة عامة تفسد المجتمع، قال تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32].

3- العقوبة دليل على عظم الجريمة:
-  القصاص حق للمجتمع، قال تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 179].
-  عذاب الله يوم القيامة، قال تعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيمًا} [النساء: 93].

-  بل العقوبة مشروعة في القتل الخطأ، قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ} [النساء: 92].
شبهة: طلب الشهادة من خلال المصادمة مع الجيش والشرطة!

-  ليس كل قتل يكون شهادة: "سُئِلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الرَّجُلِ يُقَاتِلُ شَجَاعَةً وَيُقَاتِلُ حِمْيَةً وَيُقَاتِلُ رِيَاءً، أَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»" (متفق عليه).

4-  حرمة الاعتداء على الأموال:
والأموال نوعان: (أموال عامة وأموال خاصة).
-  تحريم الاعتداء على الأموال بنوعيها، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ...} [النساء: 29]، وقال: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 188]، وقال صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ» (رواه مسلم).

-  لا بد مِن إذن شرعي في قطع شجرة لمصلحة، فكيف بمن يفسد أكثر من ذلك؟! قال تعالى: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ} [الحشر: 5].
-  المعاملات المالية الفاسدة من سمات اليهود، فكيف بمن يفسد الأموال العامة والخاصة بالإتلاف؟! قال تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا . وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [النساء: 160-161].

-  تخريب وإفساد المال العام من الإفساد في الأرض، قال تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ} [المائدة: 33].

-  ماذا لو اعتدى على مالك أو نفسك؟ وهل الجندي أو المؤسسة من دولة ووطن آخر؟!
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ» (رواه أبو داود والنسائي، وصححه الألباني)، وقال: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» (متفق عليه).

5- موقف المجتمع من دعاة التخريب والتدمير بحجة الحرية:
-  وجوب الإنكار والأخذ على أيدي المخرِّبين، وإلا غرقت السفينة كلها بمن فيه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا سَفِينَةً فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاهَا وَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا فَاسْتَقَيْنَا مِنْهُ وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا فَإِنْ تَرَكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا جَمِيعًا» (رواه البخاري).
وإلا ماذا فعلت أمريكا مع المتظاهرين في (وول ستريت)؟!

-  التصدي للإعلام الكاذب المحرِّض حفاظًا على بقاء الخير والأمن في المجتمع، قال الله تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ} [آل عمران: 110]، ومن وسائل التصدي للإعلام الكاذب: (المقاطعة، المطالبة بمنعه، الرد عليه وتفنيد أكاذيبه).

-  تصحيح مفهوم الحرية بتقييده دائمًا بمعنى العبودية لله سبحانه وتعالى، وأنها تدور مع أوامر الله ونواهيه في جميع نواحي الحياة، قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 162].

-  وعند ذلك تستقيم الحياة ويعم الأمن والسلام والرخاء، قال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأعراف: 96]، وقال: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا . يُرْسلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا . وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح: 10-12].

فاللهم احفظ بلادنا وبلاد المسلمين من الفتن، واجعلها رخاءً سخاءً آمنة، إنك على كل شيء قدير.
 

 

سعيد محمود
 

  • 1
  • 3
  • 11,916

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً