رؤية متقاعد

منذ 2013-06-11

أيها الإخوة: إذا أردتم أن ألخص لكم نظرتي للحياة، فلن أزيد عن وصفها بكونها ماض بخيره وشره، لا نملك رده ولا تعديله، نتذكر الجانب الخير المشرق منه، فنسرّ ونسعد، فإذا تذكرنا الجانب الشرير منه والمظلم فاضت الأعين حزنًا وتوقفت الأنفاس من شدة الحسرة والندم.


 



رسالة للزملاء يوم التقاعد:
أيها الإخوة والأخوات، إن الدنيا لعب ولهو وزينة وتكاثر وتفاخر..
ثم هي حسرة وندامة لمن يركن إليها ويفرط في طلبها ويفرط في جنب الله، ولها دورات كدورات الزمان والمكان.

أيها الإخوة:
إذا أردتم أن ألخص لكم نظرتي للحياة، فلن أزيد عن وصفها بكونها ماض بخيره وشره، لا نملك رده ولا تعديله، نتذكر الجانب الخير المشرق منه، فنسرّ ونسعد، فإذا تذكرنا الجانب الشرير منه والمظلم فاضت الأعين حزنًا وتوقفت الأنفاس من شدة الحسرة والندم، وحاضر يتقاسمه التفاؤل والتشاؤم والمسرات والأحزان، ويتصارع فيه الخير والشر والحرب بينها سجال، وفي مثل هذه الحالة نحن يا سادة، لا نملك إلا التذمر والتأفف والتمني على الله مستقبلاً زاهيًاً، مشرقًاً، خاليًاً من كل ما من شأنه أن ينغص علينا الحياة.
وهكذا يدور الزمان ليصبح المستقبل حاضراً والحاضر ماض، ومن بعد قوة شيباً وضعفًا.

أيها الإخوة:
من كثرة سخطنا على الحاضر ورغبتنا في تغييره إلى الأفضل، نردد بعفوية وبقلب خالص، على مسامع المتقاعدين، هنيئاً لكم الحياة الجديدة وما تحمله من هناء من متاعب وشقاء الحياة المهنية الماضية، ولكننا كلنا ننسى أن المتقاعد مارس مهنته وتعايش مع مرها وحلوها لمدة تقارب الأربعين سنة، فهل بإمكانه نسيان كل هذا الماضي دفعة واحدة؟ هل بإمكانه نسيان ابتسامة الأصدقاء في وجهه وتحياتهم له والحديث معهم صباحاً ومساءً وكلما تتاح فرصة اللقاء؟ وهل يستطيع أن ينسى الاختلاف معهم والمناقشة الحادة والمشادة الكلامية أحيانًاً، ثم المصالحة والعناق؟ هل يستطيع أن ينسى التضامن والمساندة في الأفراح والأقراح؟ هل يستطيع أن ينسى فترة الاستراحة وما يصاحبها من ترويح وضحك وطُرف تزيل عنا متاعب العناء؟ هل يستطيع أن ينسى الصدور والقلوب الرحبة، التي كانت تتسع لشكواه، والعقول التي كانت لا تبخل بتقديم النصح والمشورة إليه؟

أعترف أني لا أرغب في النسيان وإن حاولت أن أنسى، فإنه يصعب علي النسيان..
صدقوني إخوتي وأخواتي، أنا لا أستصيغ ويصعب علي، أن أصبح غريبًاً عن مؤسستي وزملائي وتلامذتي وثرثرتي التي لها علاقة بالتعليم وإدارته، أنا لا أستطيع التخلص من الماضي ومن اجتراره ولا من التفكير فيه؛ لأنه جزء من حاضري، أنا لا أريد أن يكون آخر عهدي بالتعليم، الذي أكرمني الله بالاستفادة منه وحملني أمانته، التقاعد والانزواء والذهاب بلا رجعة، أريد يا سادة أن يبقى الود والصلة والأخوة ولا تتم القطيعة مع إنجازاتنا التعليمية المشتركة.

تعاشرنا ردحًا من الزمان ونحن جميعًا بلا شك، راضين عن بعضنا البعض ولكنها سنة الله اقتضت، أن يكون لكل شيء، إذا ما تم نقصان.
إخوتي أخواتي، لقد كرمتمونا تكريمًا تعجز اللغة عن التعبير عن شكركم ومكافأتكم ولكني أطلب من الله سبحانه وتعالى أن يتولى مكافأتكم وجزاءكم وما ذلك على الله بعزيز.



عمر حيمري
 

  • 0
  • 0
  • 1,520

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً