الإرهاب الأمريكي في العراق

منذ 2006-06-01
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد، فأول ما أذكر به نفسي وإخواني المسلمين بعد تقوى الله سبحانه وتعالى، هو النصيحة لإخواننا الإعلاميين بضرورة تحرّي الصدق والدقة في النقل؛ فإن العبد كما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم: « إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لايلقي لها بالا يرفعه الله بها الدرجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم ». ولنتذكر جميعاً أن الكرام الكاتبين يحصون علينا ما نلفظ به من قول، وسوف نحاسب على ذلك بين يدي الجبار جل شأنه يوم القيامة.

ثم أوجّه تنبيهاً عاماً لكل الإخوة القراء بألا يصدّقوا كل ما ينشر أو يقال، وحسْبُ الواحد منّا أن يقارن بين العناوين والمضمون في أي صحيفة، وبين المقدمة والنتيجة في أيّ وسيلة إعلامية، ليجد غالباً أن الفرق واضح وأن التلازم مفقود. وأخصُّ بالذكر ما يتعلق بمواقف العلماء والدعاة، لا سيّما وأن في إمكان القارئ أن يرد المحكم إلى المتشابه من القول وأن يأخذ كلامهم ومواقفهم بالنص من المصادر الثابتة في نسبتها إليهم.

هذا مع أن من خُلُق المسلم تلمّس العذر وستر العيب إن وجد، واتباع أحسن الكلام والفرح به ونشره، وليس عكس ذلك -كما يفعله من يتسترون بالأسماء المجهولة-، ويتخذون من نعمة الله علينا ببعض الوسائل الحديثة أداة لتشويه الدعوة وتفريق الكلمة ونشر الإشاعات بلا بينة.

وكنت قد وجّهت نداءات -ولا زلت- إلى هؤلاء الإخوة هداهم الله، أن يرفعوا رؤوسهم ويسلكوا منهج النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة والإنكار، متوخّين المصلحة العامة وتأليف القلوب، وستر العيوب وترك ما لا يعني المرء، والاشتغال بالواجب المتعيّن على كلٍّ منّا، الذي لو انشغلنا به لما وجدنا من الأوقات ما يكفي له، فضلاً عن الاشتغال بقيل وقال، والظنون السيئة والأوهام التي تفرِّخ بها الشياطين في قلوب ضعفاء الإيمان، وتُلهي بها العامّة في هذه المرحلة العصيبة من تاريخ أمتنا.

والآن أعود للإجابة على ما سأل عنه بعض الإخوة في أكثر من وسيلة إعلامية وهو ما يشيعه الإعلام الأمريكي ومواليه من اتهام لهذه البلاد -عقيدة وعلماء ومؤسسات خيرية وغير ذلك- من دعم ما يسمَّى الإرهاب، وبالخصوص تحريض شبابنا على الذهاب إلى العراق للانخراط في مقاومة المعتدي الأمريكي على هذه الأرض الغالية من أرض الإسلام.

إن الأكاذيب التي يختلقها الإعلام الأمريكي والإعلام المنافق الموالي له لم تعد خافية على أحد، ولا يكاد يصدقها أحد، لأنها ببساطة جزء من منهج الخداع والتزييف الذي اختطته المؤسسة العسكرية الإمبراطورية بالتحالف مع الأصولية الإنجيلية الصهيونية.

ومن إخفاق هذه المنهجية أن اضطرت الإدارة الأمريكية -وقد وجدت نفسها خارج المنطق العالمي- للاعتراف بأن الأوساط الإستخباراتية كانت مخطئة تماماً في كل تقديراتها حول أسلحة الدمار الشامل وغيرها.

وهذا ما صرح به الرئيس بوش نفسه في الأول من أبريل الماضي، وهذه الحقيقة في أبسط مبادئ العدالة تقتضي تقديم الاعتراف الصريح للشعب العراقي عن هذه الحرب العدوانية التي لم يكن لها أي مبرر، والاستعداد لتقديم كل التعويضات المادية والمعنوية عما أصاب هذا الشعب من دمار هائل وفناء مستمر باستمرار العدوان.

لأن الاعتراف بأن سبب العدوان باطل يقتضي في بديهة العقل ومبادئ العدل أن كل ما بني على الباطل فهو باطل.

ولكن مع الأسف أن الواقع استمر بخلاف ذلك مع تواطؤ عالمي وخنوع عربي، إلا أن الشعوب في كل أنحاء العالم -ومنها الشعب الأمريكي نفسه- فقدت الثقة في كل ما يصدر عن من يسمون المحافظين الجدد ومن والاهم. ورفضت المنطق الأمريكي المعكوس لأسباب كثيرة نأتي على بعضها:

1. أن منطق من لم يكن معنا فهو ضدنا لا يمكن قبوله؛ فكل شعوب الأرض -وليس المسلمين وحدهم- لا يمكن أن تكون مع أمريكا في كل شيء؛ بل إن أقرب الحلفاء إليها من الحكومات لم يستطع ذلك إلا على نفاق و
معاندة للشعوب. وما دمنا لسنا مع أمريكا فنحن وفق منطقها أعداء، وبالتالي لا تتورع عن إلصاق أي تهمة وافتراء علينا.

2. أمريكا حشدت ألوف المحاربين من كل قارات العالم، ومعهم الجيوش المساندة من الإعلاميين وطواقم الاستخبارات والمستثمرين الطامعين في الغنائم، ولو استطاعت أن لا يظل بلد في العالم إلا وحشرته معها في العدوان لفعلت، وفي الوقت نفسه استنكرت أن تأتي للعراق مجموعات من المؤمنين بالعدالة لتكوين الدروع البشرية، أو للتطوع في الأعمال الإغاثية الإنسانية ولم يكن أحد حينئذ يدري هل ستكون مقاومة أم لا. وبعد مفاجأة المقاومة انضم إليها مجموعات من العالم الإسلامي وغيره تسللاً، ومع ذلك تستنكر أمريكا قدوم هؤلاء وتصفهم بدعم الإرهاب. أي أن الحق الذي أعطته لنفسها بدون أي مبرّر ترفضه لغيرها ولو كان له مبرراته، هذا مع العلم أن موقفنا عدم الذهاب إلى العراق قبل وبعد، وهو نفس موقفنا السابق من الذهاب إلى أفغانستان كما سنوضح.

3. أمريكا باختصار احتلت بلداً مستقلاً عضواً في الأمم المتحدة بدون تفويض من المجتمع الدولي، بل وسط هالة من الاستنكار العالمي، وتستنكر أن يقال إن الاحتلال غير شرعي، وأن مقاومته مشروعة، وذهب عملاؤها إلى أبعد من ذلك باعتبار يوم سقوط بغداد العيد الوحيد للأمة، وهنا أيضاً اضطرتها الضغوط المنطقية والشعبية إلى الاعتراف بأنها محتلة لا محررة، ولكن المنطق لم يطّرد! فبقي أن المقاوم للاحتلال في نظرها إرهابي، ثم اضطرتها ضراوة المقاومة وانتشارها إلى الاعتراف بأنها "تمرد" وفرق بين التمرد والإرهاب، ثم اعترفت أن الحقوق السياسية لأهل السنة مهضومة، وبقي الإعلام المنافق الموالي على موقفه القديم، رغم أن الملك عبد الله -وهو من لا يمكن أن يتهمه أحد بعداوة أمريكا- حذر أمريكا وأولياءها من خطر تنفيذ مشروع الهلال الشيعي.

وفي مؤتمر شرم الشيخ ومؤتمر وزراء داخلية دول الجوار ومؤتمر اسطنبول أثيرت هذه القضية أيضاً، وتصريح الأمير سعود الفيصل في المؤتمر الصحفي في شرم الشيخ كان واضحاً بهذا الشأن، ولكن الإدارة الأمريكية لم تأبه لذلك على الصعيد العملي، بل اعتسفت الانتخابات وتشكيل الحكومة اعتسافاً فكانت النتائج المروعة ولا تزال.

4. أمريكا تنتهك كل القيم والأعراف الدينية والأخلاقية في أفغانستان والعراق وغوانتنامو ومن ذلك تدنيس المقدسات وامتهان العبادات ومع ذلك تريد أن يقول عنها علماء المسلمين أنها تنشر العدالة والحرية والديمقراطية، كما يقول ذلك المنافقون الموالون لها في كل مكان.

5. أمريكا ترحب إذا تدخل علماء المسلمين لإطلاق صحفي من الدول الموالية لها، وتستنكر أن تسمع منهم كلمة إنكار لأعمالها الإرهابية الوحشية، في الفلوجة والموصل والقائم وأبي غريب والرمادي وفي أي مكان، وتريد منا أن ننوح على ضحاياها ولا نذكر مطلقاً ملجأ العامرية وهدم المستشفيات على من فيها وخنق الأسرى، هذا عدا مئات الألوف من الضحايا المسلمين في حروبها الظالمة.

6. أمريكا استدعت مجموعات طائفية وشعوبية كانت تعتبرها إرهابية، وكان العالم الإسلامي يعاني إرهابها في موسم الحج الأعظم وغيره، وتعلم أمريكا أن بعضها ينطلق من دولة تعتبرها من دول محور الشر وترفض أمريكا مشاريعها النووية ولو كانت سلمية.

لكنها استدعت هذه المجموعات وجعلتها حرساً على حدود الدول المجاورة وبعضها صديق لأمريكا، بل أدمجت هذه المجموعات الطائفية والشعوبية في الحرس الوطني والشرطة المواليين لها، وذلك يهدف من جملة ما يهدف إليه إلى إشعال حرب طائفية وقومية تستر عورة هزيمتها، ومع ذلك تقول وتريد أن تجبرنا أن نقول معها إن كل من يُقتَل من هؤلاء هم أبرياء أو مدنيون أو من المارة، أما من تقتلهم قواتها في أي مكان فهم إرهابيون وإن كانوا من الشيوخ الركع أو الأطفال الرضّع.

وحتى حينما تجاوز المحتلون وعملاؤهم كل الحدود الأخلاقية والوطنية بانتهاك حرمة المساجد وقتل الأئمة والمصلين، واضطر المسلمون لتعطيلها لأول مرة في تاريخ الإسلام، لم تحرك أمريكا وأولياؤها ساكناً، والعجب هو سكوت الحكومات الإسلامية على مثل هذه السابقة الخطيرة في تاريخ الأمة، وكنت أحسب أنها ستسارع لإنقاذ الموقف وإرسال الوفود للمصالحة، واقناع المحتل وأوليائه بخطورة اللعب بالنار، ولعلنا لا نفقد الأمل في ذلك، وإلى الله المشتكى.

وإجمالاً تريد الإدارة الأمريكية والإعلام الأمريكي من علماء المسلمين في كل مكان أن يسكتوا على هذه المؤامرات وأن يقبلوا هذه التناقضات وكان عليها وعلى الحكومة الموالية لها أن يقدروا خطر استخدام هذه المجموعات الطائفية والشعوبية، ويعرفوا حجمها الضئيل في المحيط الإسلامي الكبير، وأن يعتبروا بما جرى من قبل لكل طغاة التاريخ ومن يلعقون أقدامهم من الهزيمة والخزي منذ هولاكو إلى الاستعمار البريطاني.

هذه الأمور وغيرها تجعلنا نغلب العقل والعدل على العاطفة والهوى ونقول لشبابنا لا تذهبوا إلى العراق، ليس لأن المقاومة غير مشروعة ولكن لأن المقاومة العراقية تقوم بالواجب الكفائي عن الأمة جميعاً، ولم تستنصر أحداً من الخارج، بل الواقع أنهم يرفضون مزاعم أنّ المقاومة خارجية أو أن يكون فيها دخلاء، ويعتبرون التهويل من شأن بعض المتطوعين جزءاً من منهجية التزييف الأمريكية.

هذا مع الأخذ بالاعتبار مأساة أفغانستان وما صنعته المخابرات الأمريكية وغيرها من فرق الغلو، وما زرعته من أسباب الشقاق حتى ذهبت أرواح الملايين وآلاف المليارات عبثاً، بل وظفت في النهاية لخدمة العدوان الأمريكي على أفغانستان، ولدينا هنا بهذا الخصوص حقائق لا يتسع المقام لذكرها وقد لا تتسع بعض العقول لقبولها، ويكفي أن نحذر بكل قوة من تكرار ما حصل هناك وأن نحض إخواننا المسلمين في العراق على وحدة الصف وجمع الكلمة لمقاومة المحتل، وأن تكون المقاومة ذراعاً للجناح السياسي العلمي الدعوي، الذي يجب أن يقوى وأن تكون له كلمة الفصل فيما يتعلق بالمقاومة، وترشيدها من غير أي تدخل أو ضغوط من الخارج أو الداخل.

وحينما ننصح شبابنا وسائر شباب البلاد الإسلامية بذلك، فإننا لا نقصد دعوتهم للتكاسل والخمول؛ بل نشحذ همتهم لمقاومة أوجه العدوان المختلفة من غزو فكري وسلوكي ومن تبعية سياسية واقتصادية، ومن عوامل إفساد تحيط بالشباب المسلم من كل مكان فالعدوان شامل، ومقاومته على كل الجبهات واجبة كُلاًّ بحسب طاقته بحكمة وعقل تقطع مطامع العدو في جرّ شباب الأمة إلى ممارسات غير محسوبة العواقب، هذا مع التزامنا جميعاً بما يفرضه علينا ديننا من العدل، وحب الخير لكل الناس وترك العدوان، وأن يكون دليلنا في كل ما نأتي ونذر من عداوة أو محبة ومن إقدام أو إحجام ومن حرب أو سلم، هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وسيرته، متجردين بذلك عن الأهواء وحظوظ النفس، والمطامع الدنيوية والعصبية المقيتة.

هذا وأختم هذه العجالة بتذكير نفسي وإخواني بما وعد الله تبارك وتعالى من إظهار هذا الدين على الدين كله وما كتب لعباده المتقين من حسن العاقبة في الدنيا والآخرة، وأن النصر هو لهذه الأمة كما وعدها الله وسيأتي في وقته الذي لا تؤخره إرادة العدو ولا تقدمه عجلتنا.

نسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يبلغنا ذلك بجوده وكرمه وألا يحجبه عنا بذنوبنا إنه سميع مجيب وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المصدر: الساحة العربية

سفر بن عبد الرحمن الحوالي

رئيس قسم العقيدة بجامعة أم القرى سابقا

  • 2
  • 0
  • 17,044

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً