الدَّعوة إلى الله بالإنترنت
لم تكن الحاجة إلى الدَّعوة - بل الضرورة إليها - ماسةً في عصرٍ من العصور كهذا العصر، الذي يشهد الصراع بين الحقِّ والباطل على أَشُدِّه؛ فقد بلغ دُعاة الباطل ما لم يبلغوه في أيِّ عصرٍ مضى، واستخدموا من الوسائل ما يَفْطِر قلوب أهل الحقِّ وتشيب منه نواصيهم، ولازال كثيرٌ من أهل الخير والحقِّ في انشغالٍ عن قضاياهم الأساسية، وإغراقٍ في أمور وجزيئات هامشيَّة، ولذلك ظهروا أمام غيرهم في صورةٍ باهتةٍ داكنةٍ ومظهر شاحب شوَّهته الخلافات.
ملخَّص الخطبة:
1- أهمية العلماء والدُّعاة، وأهمية الدَّوْر الذي يقومون به.
2- الدُّعاء والعلماء وَرَثة الأنبياء.
3- فضل الدَّعوة إلى الله.
4- ظهور تَقَنِيَّات جديدة يستخدمها الأعداء في غزوا الأمَّة، وبإمكاننا أن ندفع بها عن الإسلام.
5- دعوة لدعم الأعمال الدَّعويَّة في الغرب.
6- دعوة لإنشاء قناة فضائية إسلاميَّة.
الخطبة الأولى:
أمَّا بعد:
فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله، فإنها خير الزَّاد، وأعظم الوسائل لرِضى ربِّ العباد، وتطهير القلوب من الفساد، وبها التَّنادي يوم النَّجاة والفوز يوم الميعاد.
أيها المسلمون:
أرأيتم إلى القوى الكامنة في الجهاز المحرِّك لأيِّ آلة سريعة معاصِرة، كيف تدفع بها إلى أن تحلِّق في آفاق السَّماء، وتجوب أجواء الفضاء، لتقطع المسافات الشَّاسعة ببرهة يسيرة، وأنه بحسب قوة دَفْع المحرِّك أو ضعفه تظهر آثار السَّيْر أو تبين مواطن الخَلَل!
إذا كان هذا في المعايير المادية؛ فإن الأمور المعنوية هي الأخرى كذلك بحاجة إلى قوة كامنة تدفع بقوى محرِّك الخير في الأفراد، وتُشعل فَتِيلَهُ في المجتمعات؛ لتتفيَّأ الأمَّة ظلالَ الأمن الوارف ودوحة الإيمان البهيَّة، وتجني ثمار الدَّعوة يانعةً شهيَّة، لما تمثِّله الدَّعوة إلى الله من مادة حياة القلوب، وصلاح الأفراد والشعوب، وأمن وسلامة الأمَّة، ونسيم رَوحها، وقوَّة رُوحها، وسبب خيرها وسعادتها في الدنيا والآخِرة.
إخوة العقيدة:
لقد أرسل الله رُسُلَه مبشِّرين ومنذرين، وختم بأشرف الأنبياء والمرسلين محمد صلَّى الله عليه وسلَّم، بعثه بالهدى ودين الحقِّ بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، أرسله رحمةً للعالمين، وقدوة للعامِلين، ومنارًا للسَّالكين، وحُجَّةً على الخَلْق أجمعين. به أتمَّ الله النِّعمة، وكَمُلَت به على الأمَّة المنَّة، واستبانت معالم المِلَّة، وقامت به الحُجَّة، ووضحت به المَحَجَّة. دعا إلى الله على بصيرةٍ، وجعل هذا نهجه ونهج أتباعه من بعده، كما قال سبحانه: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف:108]. لقد أوضحت هذه الآية العظيمة أنَّ رسالة المصطفى تتلخَّص في كلمةٍ واحدة؛ هي الدَّعوة.
معاشر المسلمين:
لقد كان منهجه في دعوته أعظمَ منهجِ وأكمله، وهَدْيه فيها أتمَّ هدًي وأفضله، أوْلَى جانب توحيد الله الاهتمامَ البالغ، وتحلَّى بالرِّفق والصَّبر والأناة والحكمة، فأثمرت دعوته رحمةً بالأمَّة ودخولاً لها في دين الله، ورِفعةً لكلمة الله، ومحبَّة وسلامًا ووئامًا بين عباد الله، وشهد العالم بحسن دعوته عليه الصَّلاة والسَّلام حضارةً إسلاميةً عالميةً عريقةً لم يشهد التاريخ لها مثيلاً، وسار على منهجه بدعوته صحابتُه الكرام، عليهم من الله الرَّحمة والرُّضوان، والتابعون لهم بإحسان؛ فحفظ الله بهم الدِّين، فكانوا نِعْمَ الرِّجال المخلِصين، والعلماء العاملين، وأصبحوا أسود الوَغَى وليوث العرين.
رُهْبَانُ لَيْلٍ إِذَا جَنَّ الظَّلامُ بِهِمْ *** كَمْ عَابِدٍ دَمْعُهُ فِي الْخَدِ أَجْرَاهُ
وَأُسْدٌ إِذَا نَادَى الْجِهَادُ بِهِمْ *** هَبُّوا إِلَى الْمَوْتِ يَسْتَجْدُونَ رُؤيَاهُ
وهكذا العلماء والدُّعاة في كلِّ زمان وحين هم الأئمة الأعلام، وغدور النُّور التامّ، الأمَّة بهم تهتدي، والناس بحسن دعوتهم تقتدي، هم الأقطاب التي تدور عليهم معارف الأمَّة، والأنوار التي تنجلي بهم غياهب الظُّلمة.
هم نجوم الأمَّة اللامعة، وشموسها الساطعة، بالعلماء العاملين والدُّعاة الصادقين يُحفَظ دين الأمَّة، وتُشادُ معالمُ المِلَّة، وتُرفع رايةُ السُّنة، وتُصان عزَّةُ الأمَّة وكرامتها.
هم السياج المتين، والدِّرع المكين، والحصن الحصين، الذي يَحُول بين الدِّين وأعدائه المتربِّصين، وهم النُّور المبين الذي تستنير به الأمَّة عند اشتباه الحقِّ وخفائه،
هم ورثة الأنبياء في أممهم، وأمناؤهم على دينهم، عليهم أُخِذَ العهد والميثاق لتبليغ ميراث النبوَّة، وهم شهداء الله في أرضه، والحماة لدينه وشرعه، ينفون عن دين الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين.
فليس في الأمَّة مثل العلماء الربَّانين، والدُّعاة الصَّادقين، نَصَحَةً ومخلصين، يُعلِّمون دين الله، ويرشدون عباد الله، ويأخذون الأمَّة إلى شاطئ الأمان وبرِّ السَّلام.
فكم تعبوا والناس مستريحون، وكم تعبوا والناس غافلون، وكم نفع الله بهم البلاد وأصلح بهم العباد، يحثُّون الأمَّة على الخير والرَّشاد، ويحذِّرونها من أسباب الشرِّ والفساد، يدينون بالولاء والنُّصح لدينه وأئمته والمسلمين وعامَّتهم، يألِّفون القلوب، ويصدُّون عن الأمَّة الغارات والخطوب، فهم صمام الأمان في المجتمع حقًّا، وأهل الخير في الأمَّة صِدْقًا، فحقٌّ على الأمَّة معرفة حقِّهم ومكانتهم وسَبْقِهم، والقيام بتقديرهم وتكريمهم، وحقّ عليهم أن يسلكوا المسار الصحيح في الدَّعوة، ويبذلوا جهودهم في النهوض بمستواها، والجدّ في دعوة الناس لظلِّها وحِماها.
إخوة الإيمان:
ولم تزل الدَّعوة الإسلامية عبر القرون تسير في حفظٍ من الله ومَنَعَةٍ شامخة، وضَّاءة تضيء الطريق للسَّالكين، وتنشر النُّور والخير للخَلْق أجمعين، يحمل لوائها جهابذة علماء، ودعاة صُلَحاء، قد ارتووا من نمير الوحيَيْن، أخلصوا لله فخلصت دعوتهم إلى قلوب عباد الله، دعوا إلى الله بعلم وبصيرة، مستنيرين بالنُّصوص العقليَّة وبالنُّصوص النَقْلِيَّة، ومستهدين بالقواعد الفقهية، والمقاصد الشَّرعية.
يدعون إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، يأمرون بالمعروف وينهون على المنكر بالأساليب الشرعية، يدرؤون المفاسد ويجلبون المصالح، ويردُّون عن الأمَّة عاديات الفِتَن وأمواج المِحَن، يتمسَّكون بالثَّوابت ويحسنون التَّعامل مع المتغيِّرات، ويستلهمون الضوابط الشرعية في ترتيب الأولويَّات، يلزمون العقل في أقوالهم وأفعالهم، والرُّشد في تصرفاتهم، يبدأون بالأهمِّ فالمهمّ، ويأخذون بالأَصْلَح فالأَصْلَح، مستهدين بمنهج القرآن والسُّنة في ذلك، كما قال سبحانه: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125]، ويقول عزَّ وجلَّ: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:33].
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: "قال الحسن البصريُّ لما تلا هذه الآية: هذا حبيب الله، هذا وليُّ الله، هذا صفوة الله، هذا خِيرَة الله، هذا أحبُّ أهل الأرض إلى الله، أجاب الله في دعوته، ودعى الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته، وعمل صالحًا في إجابته، وقال: إنني من المسلمين. هذا خليفة الله".
ويقول في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند مسلم وغيره: «ويقول عليه الصَّلاة والسَّلام في الحديث الصَّحيح: »، وفي (الصحيحَيْن) من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بعث عليًّا يوم خيبر وأمره بالدَّعوة إلى الإسلام، ثم قال: « ».
الله أكبر! يا له من فضلٍ عظيم قد فرَّط فيه كثيرٌ من المسلمين، ممَّن غفلوا عن أداء واجبهم في الدَّعوة إلى الله، التي هي رسالة المجتمع الإسلامي عامَّةً، مما يتطلَّب نوايا مخلِصة، وعزائم دائبة، ومساعيَ حثيثة، ووسائلَ قويمة مبنيَّة على العلم النَّافع والعمل الصَّالح والأسلوب الأمثل، مؤسَّسة على الإخلاص لله والتجرُّد من التحزُّب البغيض والتعصُّب المذموم.
أمَّة الإسلام:
ولم تكن الحاجة إلى الدَّعوة - بل الضرورة إليها - ماسةً في عصرٍ من العصور كهذا العصر، الذي يشهد الصراع بين الحقِّ والباطل على أَشُدِّه؛ فقد بلغ دُعاة الباطل ما لم يبلغوه في أيِّ عصرٍ مضى، واستخدموا من الوسائل ما يَفْطِر قلوب أهل الحقِّ وتشيب منه نواصيهم، ولازال كثيرٌ من أهل الخير والحقِّ في انشغالٍ عن قضاياهم الأساسية، وإغراقٍ في أمور وجزيئات هامشيَّة، ولذلك ظهروا أمام غيرهم في صورةٍ باهتةٍ داكنةٍ ومظهر شاحب شوَّهته الخلافات، في عصر اتَّسَم بالانفتاح والعولمة، وخطى دعاة الباطل إلى استثمار وسائل الاتصال الحديثة - كالقنوات الفضائية، والشَّبكات المعلوماتية - لنشر باطلهم، في موجاتٍ من الغزو المركَّز الذي يتطلَّب حصانةً قويَّةً ووعيًا عميقًا، كما يتطلَّب ضرورةَ استثمار هذه الوسائل في الدَّعوة الإسلامية؛ لأنها تعدُّ الأكثر انتشارًا، والأبلغ رواجًا وتأثيرًا.
والمتأمِّل في واقع الدَّعوة يجد أنَّ هناك ظروفًا تغيَّرت، وأحوالاً تبدَّلت، ووسائلَ استجدَّت، ولابدَّ من أَخْذِ زمام المبادرة لشَغْلِها بالحقِّ بدلاً من أن تُشْغَل بالباطل.
ماذا جنى المسلمون لمَّا قصَّروا في المبادرات العمليَّة في شغل هذه الوسائل الحديثة؟
لقد ابتدرها أهل الأهواء والشهوات؛ فضلُّوا وأضلُّوا. إنَّه بالنَّظر إلى واقع التَّقَنِيَّات الحديثة؛ يرجع الغيور بالأسى وهو يرى الباطل يرتع دونما خوفٍ من الله، ولا خجل من عباد الله.
خذوا - على سبيل المثال - وسيلةً من الوسائل المعاصرة، لم تحظَ وسيلة من وسائل المعلومات بمثل ما نالته هذه الوسيلة تلك، وهو ما يُعرَف بشبكة (الإنترنت)، ولكم أن تتصوَّروا أنَّ الذين يستخدمونه في العالم بلغوا ما يقرب من مائتي مليون نسمة؛ لما يتَّصف به من مزايا اللازمان واللامكان، مع التَّفاعليَّة والمجَّانية أو شِبْه المجَّانية، مع تنوع الاستخدامات وسهولة الاستعمالات.
والسؤال الذين يطرح نفسه: أليست هذه فرصة سانحة للدُّعاة إلى الله، الذين يهمُّهم أمرُ هذا الدِّين، ليثبتوا للبشرية عالميَّتنا الحقَّة ورسالتنا السَّمْحَة؟! ويا لها من أمانة ومسؤوليَّة، وإنَّ الغَيُور ليتساءل: ما مدى استفادة مؤسَّساتنا الدَّعوية من تَقَنِيَّة الشبكات المعلوماتيَّة، التي تشق طريقها إلى الاستمرار والتضخم شئنا أم أبينا، في ظل ما يسمى بثورة التَّقَنِيَّات وتفجُّر المعلومات.
إنَّ على الأمَّة الإسلامية ألاَّ تقف موقف المتفرِّج، إنما يجب عليها الدخول إلى حلبة السِّباق لتنافس في هذا المضمار، وأن تأخذ بزمام المبادرة في نشر الحقِّ الذي معها، وإذا كان العالم الغربي ينافس في نشر عولمةٍ مفضوحةٍ؛ فإن عالميَّتنا الحقَّة أوْلى أن تؤثِّر ولا تتأثَّر، وتُقْدِم ولا تُحْجِم، وتُصدِّر ولا تستورد، وتُنافس ولا تقلِّد.
فالخطر في تزايد، والشرور في تكاثر، والسُّنن لا تتغيَّر، والمستجدَّات لا تتمهَّل، والثَّقافات الوافدة والمناهج المستوردة تهدِّد الأمَّة في عقيدتها وقِيَمها، ويزداد الأمر خطورةً حين يتراجع أهل الحقِّ عن الميدان؛ فيشغله أولياء الشيطان.
فأين المهتمُّون بشؤون الدَّعوة الإسلامية؟ وإلى رجال المال والأعلام والإعلان: اللهَ اللهَ في الاضطلاع بهذا الدَّوْر المهمّ، فالدَّعوة مسؤولية المسلمين جميعًا، كلٌّ في مجالِه، وعلى حسب قدرته ومكانته، فكلٌّ على ثَغْرٍ من ثغور الإسلام، فاللهَ اللهَ أن يُؤتَى الإسلام من قِبَلِه.
كما أنه لابدَّ من التَّنسيق في ذلك بين المواقع الإسلامية، وأن تكون تحت إشراف هيئات علميَّة معتبَرة، ومرجعيَّة شرعيَّة موثوقة، ومظلَّة دعويَّة مأمونة؛ حتى لا تَنْساق الأعمال الإسلامية وراء أخبار ملفَّقة أو شائعات مغرِّرة، تبعث عليها عوائقَ مجرَّدة، بعيدةً عن التَّأثير الصحيح والمنهجية المدروسة.
ألا ما أحوج البشرية اليوم إلى أن تتفيَّأ ظلال هذا الدِّين القويم، وتسخِّر كافَّةَ الإمكانات ووسائل العصر لهذا الهدف النبيل، بعد أن سُئِمت حياة الماديات ببريق الشعارات، مما يتطلَّب الجدّ في مجال العمل للإسلام والنهوض بمستوى الدَّعوة الإسلامية، وتنسيق الجهود بين العاملين، والحذر من الفُرْقَة والخلاف الذي لا يستفيد منه إلا العدوّ المتربِّص.
إنَّ هناك فرصًا عظيمةً يؤسِف كلَّ غيور على أوضاع أمَّته أن تفرِّط الأمَّة في استثمارها، فالأرض خصبة جدًّا، والناس متعطِّشون، والفرص مواتية، وإنَّ القضية ترجع إلى حاجة الأمَّة اليوم إلى وضع خطط سليمة ومنهجيَّة صحيحة، تُخرج دعاةً على مستوى العصر الذين يعيشونه؛ لنُثبت للعالم صِدْقَ توجُّهاتنا ونُبْلَ مقاصدنا، بعد أن شُوِّهَ الإسلام من طَرَفَي الإفراط والتَّفريط، ودين الله وسطٌ بين الغالي فيه والجافي عنه.
أيعجز كلّ مسلم أن يقدِّم شيئًا - ولو يسيرًا - في الدَّعوة إلى الله، فتكلِّفة أيسر رسالة تعريفية عن الإسلام ومحاسنه والدَّعوة إليه أقل من دولار واحد؟!
قناةٌ إذاعيَّةٌ تبثُّ القرآن والحديث والسنَّة بمبلغ ليس بالكثير على نشر دين الله، فاحرِصْ - أخي المسلم - على المشاركة في الدَّعوة إلى دِينك القويم، والإسهام في الدَّعوة إليه عن طريق الجهات الموثوقة، والهيئات المأمونة عقيدةً ومنهجًا وسلوكًا.
أمَّا الحُلْم الذي يراود كلَّ غَيُورٍ؛ فهو تلك القناة الإسلامية العالميَّة، التي لم تعقم - بإذن الله - أرحام أمَّهات أهل الإسلام فيمَنْ يتبنَّاها، ويُقِرَّ عيون المسلمين ويُثْلِج صدورهم بإيجادها، وإنشائها في ظلِّ هذا الزَّخَم المُذِخِّ من الفضائيات المأفونة، التي تعلو فيها الرَّذائل وتُوأد فيها الفضائل، فأين الحَمِيَّة الدينيَّة، وأين الغَيْرَة الإسلاميَّة؟!.
أَمَا لِلَّهِ وَالإِسْلامِ حَقٌّ *** يُدَافِعُ عَنْهُ شُبَّانٌ وَشِيبُ
وَقُلْ لِذَوِي الْبَصَائِرِ حَيْثُ كَانُوا *** أَجِيبُوا الله وَيْحَكُمُ أَجِيبُوا
فيا دُعاة الإسلام:
من أجل براءة الذمَّة ونصح الأمَّة، وحتى ترتفع الفتن وتزول المِحَن، وتسلم الأمَّة في دِينها، وتتحصَّن في عقيدتها وفكرها وأخلاقها وسلوكها؛ لابدَّ من القيام بخدمة الدَّعوة إلى الله على نهج الكتاب والسُّنة، وبفهم سَلَف الأمَّة، والتعاون مع العلماء الربَّانيِّين والدُّعاة الصَّادقين، ذوي الأقدام الرَّاسخة والعقول الرَّاجحة، والنَّفَس الطَّويل، وعدم الانخداع والانسياق وراء كلِّ ما يُشاع، والتَّركيز على العقيدة والعلم، وإرشاد الناس إلى ما يفيدهم في أمر دينهم ودنياهم، والحرص على جمع القلوب وسلامة الصُّدور، والسعي إلى الاعتصام والائتلاف، والبُعْد عن الشِّقاق والخلاف، وهذا - والله - عين الشَّفقة والمحبَّة والنُّصح للأمَّة جميعًا، حتى تسلم الأمَّة من الفُرْقَة والشِّقاق، وتُصان الدَّعوة الإسلامية من كيد الكائدين وتآمر الأعداء المتربِّصين: {إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود:88].
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفره وتوبوا إليه إنه كان عفوًّا غفورًا.
الخطبة الثَّانية:
الحمد لله الذي تفرَّد بكلِّ كمال، واختصَّ بأبهى جمال وأعظم جلال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الكبير المُتَعال، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسوله المبعوث بكريم السَّجايا وشريف الخِصال، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه خير صَحْبٍ وآل، والتَّابعين ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم المعاد.
أمَّا بعد:
فاتقوا الله - عباد الله - واعلموا أنَّ أحسن الحديث كتاب الله، وخَيْر الهَدْي هَدْيُ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وشرَّ الأمور مُحدثاتها، وكلَّ مُحدثة بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.
إخوة الإسلام:
إنَّ المسلم يتساءل كثيرًا: إن المستقبل للإسلام كما قال سبحانه: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم:47]، وكما أخبر المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم وبشَّر: « »، غير أنَّ الواجب على الأمَّة الإسلامية أن يكون لها مزيدُ الاهتمام، وبذلُ جهودٍ أكثر في خدمة الدَّعوة الإسلاميَّة.
أيها الأخوة في الله:
إنَّ لكم في بلاد العالم -ولا سيَّما بلاد العالم الغربي - إخوةً في العقيدة، يقومون بأعمال دعويَّة مبارَكة، عن طريق المراكز الإسلامية، والمؤسَّسات والجمعيات الخيرية، والصُّروح العلمية والحضارية، وهم بأمسِّ الحاجة لأن يتعرَّف المسلمون على أعمالهم الطيِّبة، ويطَّلعوا على مناشِطهم الخيِّرة، ويُسهموا معهم بما يحتاجون من دعمٍ ومؤازرةٍ مادية ومعنوية.
كما أنَّ لكم إخوةً في الدِّين في بلاد مرَّ بهم مِحَنٌ وبلايا وحروب، يحتاجون إلى جهود إعماريَّة وإغاثيَّة ودعويَّة وتعليميَّة، وأخصُّ بذلك بلاد البوسنة والهرسك المسلمة الصامدة المجاهدة - وليس الخَبَر كالمُعايَنَة - فلا تنسوهم وفَّقكم الله من دعمكم ودعواتكم، وسائر إخوانكم المضطهدين في دِينهم في كلِّ مكان.
ألا وإنَّ من التحدُّث بنِعَم الله والعمل بقوله: « » (أخرَّجه أبو داود والترمذي).
والشُّكر - بعد شكر الله عزَّ وجلَّ - لكلِّ مَنْ جعل الدَّعوة قضيَّته، ونُصرة دين الله همّه ومهمَّته، ممَّن يبذلون الجَهْد المشكور والعمل المبذول، وعند أهل الإنفاق غير منكور، من الجنود المغمورين من أهل الخير والدَّعوة والإصلاح، ممَّن آثروا العمل ابتغاءَ ما عند الله، ولا يُنسَى الدَّوْر الفعَّال لبلاد الحرمَيْن الشريفَيْن - حرسها الله - في هذا المضمار، فلا تكاد دولةٌ من دُوَل العالم إلاَّ ولها فيها مركزٌ ومسجدٌ، أو صرحٌ علميٌّ أو حضاريٌّ، أو إسهامٌ دعويٌّ أو خيريٌّ أو إغاثيٌّ، جعله الله خالصًا لوجه الكريم، وضاعف مثوبتها، وزادها من الخير والتوفيق بمنِّه وكرمه.
ألا وصلُّوا وسلِّموا رحمكم الله على النبيِّ المصطفى، والرسول المجتَبى، والحبيب المرتَضى، كما أمركم بالصَّلاة والسَّلام عليه ربُّكم جلَّ وعلا فقال تعالى قولاً كريمًا: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:56].
عباد الله:
{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:90]. اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واستغفروه يغفر لكم، واشكروه على نِعَمِه يَزِدْكم، ولَذِكْر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
- التصنيف:
- المصدر: