مشاعر ملتزم مصري مجروح
مليئًا بالحزن و الطعنات الروحية، تسير في شوارع غريبة عنك، غريب عنها، كالتائه في خطوط يده، باحثًا عن موضع الجرح القديم لعلك إذا نظرت لعينيه، يخجل، فيهدأ.
مليئًا بالأسئلة والندوب النفسية، تسير في شوارع لم تعد لك "ربما لم تكن لك منذ زمن بعيد لكنك لم تدرك هذا فعليًا إلا الآن"، تتفقد الأماكن فتكتشف أنه قد تولد لديك رهاب من كثير منها، صارت اقطاعيات كاملة في مدينتك مثارًا للرعب و الذكريات التي تنغص عليك وطأة الغفلة المفتعلة التي تختبئ بها، لم تكن هذه أول ليلة في رمضان منذ عام مضى، لم تكن أنت من يهرول مسرعًا بعد الصلاة كي يأفل عائدًا إلى بيته، لم تكن أنت الذي تغلق أذنيك كي لا تسمع أحاديث الناس في الشوارع، هروبًا تهرب من التزوير و الشعارات الجوفاء و صور الجنرال المعلقة في كل مكان.
حجاراتك العتيقة في أقدم أحياء مدينتك صارت مبتذلة بألوان الأعلام الرخيصة و بوسترات التشجيع الباهتة "هيا يا جنرال، اسحق ما تبقى منهم"، ذلك الغلّ وتلك الكراهية الذين ضربا روحك يوم القتل المشئوم، تخشى أن يتغلغلا فيها فتصير أنت نفسك حاملًا لهذا الغلّ ممتلئًا بتلك الكراهية، الزينة التي لم ترها في الشوارع لأنك منشغل بنظرات العيون الخبيثة المليئة بالشماتة الساقطة، دكاكين العصير و حوانيت الكتب حيث انشغلت عنهم بالصراعات مع عبيد الإعلام، محاولاً و لو بشكل بسيط إظهار أن هناك صوت آخر يخالفهم، صوت آخر مازال حيًا تحت كل هذا الركام.
المشكلة التي لا يفهمها من يثبتونك بما توفر لديهم من يقين و ثبات، أنك لم تشك لحظة في نصر الله، وأنك لم تتحير أبدًا كما تحير ذاك الشيخ الحزين في "ثلاثية غرناطة" حين تشكك في رحمة الله و وجوده لأنه لو كان موجودًا لما ترك كل هذا يحدث بالمسلمين في الأندلس.
مشكلتك الحقيقية هي في المغزى الذي يجعل الجنرال يرقص سعيدًا وحوله القرود تتقافز حوله، مشكلتك أن الكراهية والقسوة عدوى، وأنت قد استنشقت الكثير منها، وادعاء الطهر و مدّ الخد الأيمن لإلحاقه بصفعة الخد الأيسر لا يلائم كبرياء روحك.
مشكلتك أنك تخشى أن تصير مثلهم، كائن أحادي معبأ بالحقد والسخافات، فقد أحلامه على الأرصفة المؤجرة، تخشى أن تفقد أحلامك، لا لشيء سوى أن غضبك لم يعد يحتمل الاهتمام بالتفاصيل الصغيرة و الأقدار المهيبة.
مليئًا بالحزن و الطعنات الروحية، تسير في شوارع غريبة عنك، غريب عنها، كالتائه في خطوط يده، باحثًا عن موضع الجرح القديم لعلك إذا نظرت لعينيه، يخجل، فيهدأ.
أميرة محمد
- التصنيف: