هل جميع الصحابة رضوان الله عليهم عدول؟
كيف نجيب على من قال: كيف تُعَدِّلون جميع الصحابة وتقبلون روايتهم مع أنهم يقعون في الكبائر والصغائر، وهذا قادح في العدالة، والصحيح أن يُتوقف في تعديلهم حتى تثبت العدالة أو نثبت العدالة، ومن ظهر منه الفسق جرحناه؟
السؤال:
كيف نجيب على من قال: كيف تُعَدِّلون جميع الصحابة وتقبلون روايتهم مع أنهم يقعون في الكبائر والصغائر، وهذا قادح في العدالة، والصحيح أن يُتوقف في تعديلهم حتى تثبت العدالة أو نثبت العدالة، ومن ظهر منه الفسق جرحناه؟
الجواب:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فأنصح السائل أولاً وكل من قرأ هذا الجواب، أو اهتم بهذا الأمر بالرجوع لما كتبه العلماء، ولا يقفوا عند حد الشبهة التي قد تُورَد من مغرضٍ يعلم أن أكثر الناس لا تتسع صدورهم للبحث والقراءة فيسهل اقتناصهم، ومن الكتب التي أنصح بالرجوع إليها:
("الكفاية" للخطيب البغدادي)، و("منهاج السنة" لشيخ الإسلام ابن تيمية)، و("تطهير الجنان" لابن حجر الهيتمي)، كما أن هناك كتباً ورسائل وبحوثاً صدرت في العصر الحديث لا بد من الرجوع لها، ومنها: ("السنة ومكانتها في التشريع" لمصطفى السباعي)، و("دفاع عن السنة" لمحمد أبو شهبة) و("السنة حجيتها ومكانتها في الإسلام" لمحمد لقمان السلفي)، و("صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم" لعيادة الكبيسي)، و("إسلام آخر زمن"، و"براءة الصحابة من النفاق" كلاهما لمنذر الأسعد)، و("رسائل العدل والإنصاف" لسعود بن محمد العقيلي)، وإنما ذكرتُ هذه المراجع؛ لأن الأخ السائل سيجد فيها بغيته، ويصعب في جواب مختصر كهذا الإتيان على أطراف الموضوع.
ومع هذا أُلخِّص الجواب في النقاط الآتية:
1- هناك فرق بين من يناقش هذه القضية وهو مسيء للظن بأولئك الصحب الكرام؛ بسبب رواسب عقدية معروفة، وبين من ينظر إليهم نظرة مَحبةً وإجلال؛ بسبب مواقفهم المشرَّفة في نصرة هذا الدين، والدفاع عنه، وصبرهم على الأذى فيه، وبذلهم المُهج والأرواح والأموال في سبيله، أولست ترى عجب عروة بن مسعود الثقفي -حين كان مشركاً- من الصحابة في الحديبية، وذلك حين رجع إلى قومه، فقال: "أي قوم! والله! لقد وفدتُ على الملوك، ووفدتُ على قيصر وكسرى والنجاشي، والله! إن رأيتُ ملكاً قط يعظِّمه أصحابه ما يعظِّم أصحاب محمدٍ محمداً صلى الله عليه وسلم! والله إن تنخّم نخامة إلا وقعت في كفّ رجل منهم فَدَلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلَّم خفضوا أصواتهم عنده وما يحدّون إليه النظر تعظيماً له..." إلخ ما قال (البخاري [2731-2732]).
2- تأمل قوله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح:29].
وقوله تعالى: {وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:62-63].
وقوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران من الآية:110].
وقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة:143].
ثم انظر ماذا ترى؟ أو لست ترى تعديلهم في الجملة؟
فإن أشكل عليك العموم، فخذ الخصوص: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:117].
وهذه كانت عقب غزوة العسرة (تبوك)، وكان في آخر حياته صلى الله عليه وسلم.
وقال تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا . وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [الفتح:18-19].
وهذه تزكية عظيمة لأهل بيعة الرضوان.
وقال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:100].
وهذا نصٌ قاطع في تزكية عموم المهاجرين والأنصار، بل ومن تبعهم بإحسان.
وقريب منه قوله تعالى: {لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ . وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر:8-9].
وتأمَّل الآية بعدها: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:10].
وقال تعالى: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [الحديد من الآية:10].
فكم سيكون عدد هؤلاء الصحابة الذين زكاهم الله تعالى وعدَّلهم ممن شملتهم الآيات؟ ومن الذي سيبقى؟ أهم الذين أنفقوا من بعد الفتح وقاتلوا؟ أو ليس الله تعالى يقول: {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى}؟
3- فإن كان القصد من إيراد هذه الشُّبَه إقصاء بني أمية عن شرف الصحبة، فمن الذي يستطيع أن يقصي عثمان رضي الله عنه؟ أوليس دون ذلك خرط القتاد؟
وأما معاوية وعمرو بن العاص رضي الله عنهما فهل كان يخفى على النبي صلى الله عليه وسلم أمرهما حين أمّر عَمْراً على جيش ذات السلاسل وفيهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما (البخاري [3662] ومسلم [2384])؟ أوليس هو ممن أسلم طوعاً وهاجر قبل الفتح؟ فماذا يريد من ذلك؟
ومثله معاوية رضي الله عنه كيف ائتمنه النبي صلى الله عليه وسلم على كتابة الوحي إن لم يكن عدلاً؟ وكيف وثق به عمر بن الخطاب رضي الله عنه وولّاه إمرة جيش الشام مع ما عُرِفَ من شدة عمر رضي الله عنه في الولاية حتى إنه عزل عنها سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه؟ وكيف سكت باقي الصحابة عن ذلك لو لم يكن عدلاً عندهم؟ وكيف زكّاه بعض الصحابة كابن عباس وغيره؟ ولماذا لم يتهمه خصومه كعلي رضي الله عنه ومن معه من الصحابة في دينه إذا لم يكن عدلاً؟ وكيف قَبِلَ الحسن بن علي رضي الله عنهما بالتنازل عن الخلافة له مع كثرة أتباعه وأعوانه إذا كان مشكوكاً في عدالته؟ وكيف قَبِلَ باقي الصحابة ذلك؟
4- فإن ارتضيت المهاجرين والأنصار وأهل بيعة الرضوان وبيعة العقبة والذين أسلموا قبل الفتح وأنفقوا وقاتلوا، وظهر لك ما تقدّم عن معاوية وعمرو بن العاص رضي الله عنهما فمن بقي؟ فليكن السؤال محصوراً إذاً في: هل ثبتت صُحبَة فلان وفلان؟ ممن يرى مُثير الشبهة أنهم خارجون عن الأدلة السابقة.
5- ليس المراد بعدالة الصحابة رضي الله عنهم عصمتهم من الخطأ والنسيان والذنوب والعصيان، فالعصمة لم تثبت لأحد بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وإنما المراد بعدالتهم رضي الله عنهم براءتهم من النفاق، وصدق محبتهم لله ورسوله، وأنهم لا يتعمَّدون الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في (منهاج السنة، [1 /306-307]): "الصحابة يقع من أحدهم هنات، ولهم ذنوب، وليسوا معصومين، لكنهم لا يتعمَّدون الكذب، ولم يتعمَّد أحد الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم إلا هتك الله ستره" ا.هـ، والدليل على ذلك: ما جاء في (صحيح البخاري [6780])؛ في قصة الرجل الذي جِيء به عدة مرات وهو يشرب الخمر ويُجلَد، فلما لعنه أحد الصحابة نهاه النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: « ».
وقصة حاطب بن أبي بلتعة -وهي مخرَّجةٌ في الصحيحين (البخاري [4890]، ومسلم [2494])- معروفة، فإنه اتهم بالتجسس على المسلمين، ومع ذلك نفى عنه النبي صلى الله عليه وسلم الكفر، وقال: « ».
6- المتتبع لسيرة الصحابة رضي الله عنهم يجد أن من نُقل عنه اقترافه شيئاً من الآثام قلة قليلة، وبعض هذه القلة لا يثبت عنه ذلك، ومن ثبت عنه اعتُذر عنه ببعض الأعذار التي لو أعرضنا عنها وافترضنا ثبوت ذلك عنه لما كان له أثر في أصل القضية التي نتحدث عنها؛ لأن القصد حماية جناب السنة بحماية جناب نقلتها وحامليها، ومن نظر بعين الإنصاف وجد حَمَلَةَ السنة من الصحابة رضي الله عنهم لم يرد عنهم شيء مما ذُكر، وإنما ورد ذلك عن أناس اختلف في صحبتهم كالوليد بن عقبة، ومع ذلك فليس لهم رواية -بحمد الله-، وأعني بذلك بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، وأما حال حياته فقد كانت تقع من بعضهم تلك الأمور لمصلحة التشريع كما لا يخفى.
يقول الألوسي رحمه الله في (الأجوبة العراقية، [ص:23-24]): "ليس مرادنا من كون الصحابة رضي الله عنهم جميعهم عدولاً: أنهم لم يصدر عن واحد منهم مفسَّق أصلاً، ولا ارتكب ذنباً قط، فإن دون إثبات ذلك خرط القتاد، فقد كانت تصدر منهم الهفوات...." إلى أن قال: "ثم إن مما تجدر الإشارة إليه، وأن يكون الإنسان على علم منه: هو أن الذين قارفوا إثماً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم حُدّوا هم قلة نادرة جداً، لا ينبغي أن يُغَلَّب شأنهم وحالهم على الألوف المؤلفة من الصحابة رضي الله عنهم الذين ثبتوا على الجادة والصراط المستقيم، وحفظهم الله تبارك وتعالى من المآثم والمعاصي، ما كبُر منها وما صغر، وما ظهر منها وما بطن، والتاريخ الصادق أكبر شاهد على هذا".
ويقول الغزالي في (المستصفى، [ص:189-190]): "والذي عليه سلف الأمة وجماهير الخلف: أن عدالتهم معلومة بتعديل الله عز وجل إياهم، وثنائه عليهم في كتابه، فهو معتقدنا فيهم إلا أن يثبت بطريق قاطع ارتكاب واحد لفسق مع علمه به، وذلك لا يثبت، فلا حاجة لهم إلى تعديل".
7- والمقصود بالمفسَّقات التي نتحدَّث عنها: ما عدا الفتن التي نشبت بينهم رضي الله عنهم فمع كون قتل المسلم يُعد مفسَّقاً إلا أن ما كان منه بتأويل يخرج عما نحن بصدده، والأدلة على هذا كثيرة، ومن أهمها: قوله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات من الآية:10]، فوصفهم سبحانه بالإيمان مع وجود الاقتتال.
وأخرج البخاري [2704] عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال عن الحسن بن علي رضي الله عنهما: « ».
ولذا عذر أهل السنة كِلتا الطائفتين، وتولّوهما، وإن كانت واحدة أقرب إلى الحق من الأخرى.
8- مما لا شك فيه أنه لا يمكن العمل بالقرآن إلا بالأخذ بالسنة، ولا تصح السنة ولا تثبت إلا بطريقة أهل الحديث، وأهمها جذر الإسناد، وهم الصحابة رضي الله عنهم، ولذا يقول أبو زرعة الرازي رحمه الله: "إذا رأيتَ الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق، والقرآن حق، وإنما أدّى إلينا هذا القرآن والسنن أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليُبطِلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى، فهم زنادقة" (أخرجه الخطيب البغدادي في "الكفاية"، [ص: 66-67]).
وكان قد قال قبله: "على أنه لو لم يَرِد من الله عز وجل ورسوله فيهم -أي الصحابة- شيء مما ذكرناه، لأوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة والجهاد والنصرة وبذل المُهَج والأموال، وقتل الآباء والأولاد، والمناصحة في الدين، وقوة الإيمان واليقين، القطع بعدالتهم والاعتقاد لنزاهتهم، وأنهم أفضل من جميع المعدَّلين والمزكِّين الذين يجيئون من بعدهم أبد الآبدين" ا.هـ.
9- هناك سؤال عكسي نوجهه لمن يُثير هذه الشبهة، فنقول: ما هو البديل في نظرك؟
أ- فهل ترى أن الإسلام يُؤخَذ من القرآن فقط؟
فقل لي: من الذي نقل إلينا القرآن؟ ومن الذي جمعه؟ وهل تستطيع أن تُقيم الإسلام بالقرآن فقط؟ وماذا نصنع بالآيات الكثيرة الدالة على وجوب الأخذ بالسنة، كقوله تعالى: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر من الآية:7]، وقوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل من الآية:44].
ب- أو ترى أنه يُؤخَذ بالسنة، ولكن من طريق صحابة بأعيانهم ثبتت لديك عدالتهم، ومن عداهم فلا؟ فسمَّهم لنا وبيَّن لنا موقفك من البقية الباقية بكل وضوح، وسترى من الذي تنتقض دعواه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
- المصدر: