الهولوكوست المصري
زعموا أنهم ينقلبون على أول رئيس منتخب في تاريخ مصر من أجل حقن الدماء وحماية الأرواح، لكنهم في غضون أيام حصدوا أرواحًا أكثر مما خَسِرته مصر في عامٍ كامل، والأكثر بشاعة أن القتل الآن صار على الهوية وعلى اللحية والنقاب، تحت مظلة من التحريض والتبرير والتفرقة العنصرية بين دم ودم.
قالوا في تسويغ الانقلاب: إنه لإنقاذ البلاد من جحيم الحرب الأهلية، لكنهم بعد أيامٍ قلائل كانوا يغذون ماكينة الاحتراب المجتمعي بكميات خرافية من الوقود المحمول فوق خطاب عنصري يتفوق في بشاعته على المكارثية الأمريكية في الخمسينيات.
زعموا أنهم ينقلبون على أول رئيس منتخب في تاريخ مصر من أجل حقن الدماء وحماية الأرواح، لكنهم في غضون أيام حصدوا أرواحًا أكثر مما خَسِرته مصر في عامٍ كامل، والأكثر بشاعة أن القتل الآن صار على الهوية وعلى اللحية والنقاب، تحت مظلة من التحريض والتبرير والتفرقة العنصرية بين دم ودم.
إن مصر تعيش الآن حالة عنصرية شوفينية بامتياز، تجعلنا قريبين للغاية من قيم الهولوكوست والتطهير العرقي، بعد أن انتقلنا من شوفينية سياسية تقوم على استباحة المختلفين واستئصالهم وإزاحتهم من المشهد السياسي، إلى عنصرية مجتمعية متعصبة تضخ خطابًا ينفي المواطنة والإنسانية عن قطاعات واسعة من المصريين، ويضعها في مرتبة الأعداء يجب إبادتهم واجتثاثهم.
إنها تلك اللعبة غير الأخلاقية التي تقوم على صناعة عدو تلصق به كل الشرور والآثام، وتعلق عليه الأخطاء والكوارث السابقة والحالية، باختصار يتم تصويره في حالة شيطانية كاملة، لكي ينعم من عداه بحالة ملائكية مزيفة، تفتح المجال للفسدة والمطبعين والمجرمين لكي يغسلوا تاريخهم ويداروا سوءاتهم ويدفنوا فضائحهم وجرائمهم.
إن ما يجري من استباحة لدماء المصريين واسترخاص حياتهم وامتهان حقوقهم كموتى بعد قتلهم ليس له تعريف سوى أنه ردة حضارية عنيفة وانسلاخ من قيم تجسد الحد الأدنى من الفطرة الإنسانية السوية. لقد نجح الانقلابيون في استدعاء الجزء المعتم من الوجود الإنساني، وإطلاق أسوأ ما في الشخصية المصرية من نوازع وحشية، بحيث صار المجتمع يمور برغبات الانتقام والتلذذ بالدماء، واستعذاب التضليل والتزييف وقلب الحقائق، لينعم المجرم بإجرامه، ويساق الضحايا إلى الجحيم.
ومن لا يرى فيما جرى للمعتصمين في ميداني نهضة مصر ورابعة العدوية جرائم ضد الإنسانية، فليمنح نفسه فرصة صغيرة للاختلاء بضميره لدقائق معدودة، ليدرك أن هناك رعاية رسمية للمكارثية والعنصرية على الطريقة المصرية. ويشار هنا إلى ما يمكن اعتباره تهيئة إعلامية لمجزرة بدأت مع خروج صحف الاثنين بتصريحات على لسان ذلك المصدر الأمني المسئول عن رصد مجموعات مسلحة سوف تقوم بالهجوم على المعتصمين في نهضة مصر ورابعة العدوية، ورغم ذلك لم نسمع أن أحدًا اتخذ إجراءً وقائيًّا استباقيًّا لمنع الهجوم، بل يبدو من روايات شهود المذبحة أن الاعتداء على المعتصمين تم وسط صمت أقرب إلى الرضا من الأجهزة الأمنية.
إنهم يصنعون العنصرية وينصبون المحرقة ثم يتحدثون عن المصالحة.. فيما تبقى نكبتنا في نخبة تعسكرت حتى النخاع.
وائل قنديل
مفكرة الإسلام
- التصنيف:
kimo0o0
منذ