الخطوات العملية لإجازة صيفية نافعة وممتعة

منذ 2013-08-02

خطط من الآن لإجازتك ومع أول يوم فيه صلِّ ركعتين وادعُ الله أن يوفقك، فلا شك أن عملاً مبدوءاً بالصلاة سيكون فيه خير كبير، ثم ابدأ من أول يوم في تطبيقه، واحذر التسويف فهو علة النفس العاجزة، ومن كان عاجزاً عن امتلاك يومه فهو عن امتلاك غده أعجز، واحذر كثرة الخلطة فهي مضيعة العمر. فعجباً لقوم أمروا بالزاد ونُودي فيهم بالرحيل وهم قعود يلهون.

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ» [رواه البخاري].

ما أجمل أن نخطط لكل شيء في حياتنا ونستعين بالله في عمله حتى يوفقنا ربنا.
 

إذا لم يكن عون من الله للفتى *** فأول ما يجني عليه اجتهاده.


وهذه بعض الخطوات العملية لإجازة صيفية نافعة في الدنيا والآخرة وممتعة في نفس الوقت، فخذ منها ما يوافقك ويتناسب مع ظروفك وعمرك، وما لا يُدرك كله لا يترك جُله، وبعض الخير خير من العدم، وأحب الأعمال إلى الله أدوَمُها وإن قل، واحرص على الاستمرار فيما وجدته مناسباً لك فشر لا يدوم خيرٌ من خيرٍ لا يدوم، فالشر الذي لا يدوم تفرح بتركه، والخير الذي لا يدوم تتحسر عليه، وهاكم تلك الخطوات العملية:

1- إن مما يناسب من يعيشون في دول الخليج الذهاب إلى مكة لأداء العمرة وإلى المدينة لزيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم.
فالأمر في تلك البلاد ميسر لهذه الطاعة المباركة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما» [رواه البخاري ومسلم]، وحبذا أن تكون مثل هذه الرحلة مع الأهل، فهذا بلا شك يقوي الروابط خاصة إذا راعينا الآداب التي ينبغي التمسك بها في مثل هذه الرحلات، ومن ذلك عدم ترك الأبناء وغيرهم وحدهم، بلا متابعة فقد لاحظنا أن بعض الصالحين يذهب إلى المسجد الحرام أو المسجد النبوي لأداء الصلاة ثم يترك أولاده في الأسواق يؤذون الناس ويُحمّلون أنفسهم ذنوباً، ولا شك أن مثل هذه الرحلات بديل عظيم لما يقوم به بعض المسلمين من السفر إلى بلاد لا تُراعى فيها الآداب الإسلامية مثل الحجاب وعدم الاختلاط مما ينتج عنه شر كبير في الدنيا والآخرة، يقول ابن الجوزي في صيد الخاطر: "أطلقت بصري فيما لا يحل لي، فابتليت بسفر لا نية لي فيه، فلقيت المشاق"، ف?ذا العالم الصادق يحكي تجربة له حتى يحذرنا من عمل مثلها، وهو أنه نظر ذات مرة نظرة لا تحل له، فعاقبه الله بسفر طويل كأنه كان بلا هدف في هذا السفر فتعب فيه كثيراً ولم يجن منه فائدة، فما بالكم بما يحدث الآن من النظر إلى الكاسيات العاريات في تلك البلاد، وفي وسائل الاتصال الحديثة من فضائيات وإنترنت وجوال، فهل ننجي أنفسنا وأهلينا من نار وقودها الناس والحجارة؟! أما إذا كان السفر للخارج من أجل الدعوة إلى الله فما أجملَه! خاصة إذا كان مع الداعية زوجته التي تكون له حصناً في مثل تلك الأجواء.

ومن لم يستطع أن يسافر للدعوة فما أعظم أن يساعد الدعاة هناك من خلال البذل للجمعيات التي تقوم بذلك كجمعية "العون المباشر" التي تهتم بالدعوة والإغاثة في إفريقيا.

إنَّ من أروع ما يستطيع أن يستفيد به زائر مكة والمدينة حضورَ مجالس العلم هناك وحلقات التحفيظ، ومن لم يتمكن من هذا فلعل ارتباطه بمسجد بلده وعلماء حيّه يكفيه ويكفي أولاده وزوجه التي يمكن أن ترتبط أيضاً بدُور التحفيظ النسائية، وما أجملَ تذكيرَ أولادنا بأذكار الصباح والمساء وحثهم على تلاوة جزء من القرآن يومياً.

2- من الطرق العملية أيضاً: الاستفادة من الفضائيات الإسلامية والمشاركة فيها من خلال المداخلات، وكذلك الكتابة إلى مواقع الإنترنت الإسلامية، فهذا جهاد العصر كما يسميه بعض العلماء؛ فإنك يمكنك وأنت في بيتك أن تحدث الناس في القارات الست عن الإسلام، فما أجملَ تفعيلَ تلك الوسيلة! قال صلى الله عليه وسلم: «وأمرٌ بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة» [رواه مسلم].

3- يمكن أيضاً إعدادُ بعض الكلمات التي تلقى في مسجد الحي، وحبذا لو كانت من كتاب رياض الصالحين؛ فهو كتاب تربوي جُمِع فيه أحاديثُ النبي صلى الله عليه وسلم التي تحث على الآداب الإسلامية وتحذر من ضدها، ولقد وضع الله لهذا الكتاب القبولَ لدى المسلمين؛ قال عليه الصلاة والسلام: «من دل على خير فله مثل أجر فاعله» [رواه مسلم].

4- مما يرتبط بالتعليم والتعلم أيضاً إقامةُ دورات شرعية في المسجد يحتاجها روادُه مثل تغسيل الميت، وكذلك يمكن تجميعُ الأشرطة المستعملة وإعادة توزيعها، أو تجميع أشرطة الأغاني وتغييرها من المراكز المتخصصة في ذلك، وفي هذا المجال أيضاً يمكننا تعليق إعلانات عن الدروس في المسجد، ويمكن أيضاً للقادرين مِنْ شبابنا حضورُ الدورات المكثفة في حفظ القرآن ومراجعته وحفظ المتون العلمية كصحيح البخاري وصحيح مسلم وغيرهما.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين» [رواه البخاري ومسلم].
وقال أيضاً: «اقرءوا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه» [رواه مسلم].

وحريٌّ بنا أن نقوم بوضع بعض الكتيبات والمجلات الإسلامية في أماكن الانتظار في المستوصفات والمستشفيات ومحلات الحلاقة، وغيرها كبديل عما يعرض على الناس من مجلات سيئة، وحبذا الاشتراك في إحدى المجلات الإسلامية؛ ففي هذا نفع لك وتدعيم للإعلام الإسلامي.

5- "إن من الناس من يسمع ولا يقرأ، ومن الناس من يقرأ ولا يسمع، فلا تترك الكلمة الطيبة تكتبها ولا تترك الكلمة الطيبة تقولها" هذه وصية رائعة سجلها بعض المشايخ وقد أوصاه بها أحدُ أصدقائه قبل الموت، ونحن نستطيع أن نطبق هذه الوصية الرائعة من خلال تكليف بعض الشباب بتفريغ بعض الأشرطة النافعة، ثم يقوم آخر بتلخيصها وإلقائها، فيكون في هذا نفع للجميع، ويمكن تنفيذُ هذا العمل في المراكز الصيفية التي يحبها الشبابُ لما فيها من نشاطات متنوعة اجتماعية ورياضية وثقافية.

6- إن مما يحرص عليه كثير من الشباب في الصيف والإجازات ممارسةَ الرياضة، وهذا بلا شك عمل جميل؛ لأنه يؤدي إلى تقوية البدن وتحسين الخلق إذا تم فيه مراعاة الآداب التالية:
أ- الاهتمام بالرياضة النافعة كالسباحة والرماية وركوب الخيل.
ب- البعد عن التعصب لفريق معين أو لعبة معينة، كما ينبغي عدم الاستهزاء بالآخرين إذا أخفقوا.
والمقصود بالرياضة هنا الممارسة لها مع الصالحين وليس المشاهدة التي تؤذي البدن بالجلوس الكثير، تؤذي العين بالمتابعة المستمرة للشاشات.

7- إن من أجلِّ الأعمال التي ينبغي أن نحرص عليها طوال العام وفي الإجازات خاصةً برَّ الوالدين والإحسان إليهما بالقول والفعل وقضاء الحوائج، وصلة الرحم بالتزاور والتهادي والاتصال الهاتفي، والإحسان إلى الجار من خلال التواصل الذي يؤدي إلى الألفة، كالتزاور والهدية، كما ينبغي الاهتمام بالترابط مع جماعة المسجد من خلال جلسات تعارف وتعاون وتغافر، وليكن هذا أسبوعياً أو شهرياً.

8- إن كان بجوار سكنك مكتب للجاليات أو هيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فما أجملَ مشاركتَهم بما تستطيع من جهد في رعاية الضعفاء واليتامى والمشاركة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر برفق.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه» [رواه مسلم].

9- ينبغي على من يريد السفر في الصيف ليتمتع ألا يرهق نفسه بديون يصعب عليه سدادُها أو تكون عليه ديون حان أجلُها ويماطل في أدائها.
?ال عليه الصلاة والسلام: «من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله» [رواه البخاري].

10- علينا أن نفكر فيما يناسب شبابنا ونشغلهم به فمن كان يحب حرفة نافعة علمناه إياها، ومن كان يحب الكتابة كلفناه بذلك، ومن الطريف أن أحد المعلمين طلب من تلاميذه أن يستشعروا ماذا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم إذا زارهم الليلة، فكانت كتاباتهم رائعة وغير متوقعة؛ فمنهم من قال: أحبك يا رسول الله.. متى أراك؟
ومنهم من كتب: معذرة يا رسول الله عما فعلته الدنمارك.
وقال آخر: أنا لا أصلي، وسأعدك أن أصلي.
وحتى الفتيات يمكن أن ينشغلن بكتابة بحوث على الحاسب أو بالخياطة وتدبير المنزل.

11- أما أهم ما يجب علينا نحو شبابنا فهو حمايتهم من الانحراف، ويكون ذلك من خلال الخطوات التالية:
أ- تزويج القادر منهم على الزواج فهذا من حق الأبناء على الآباء القادرين.
ب- حثهم على صيام التطوع ومشاركتهم فيه.
ج- إبعادهم عن رفقاء السوء؛ فالصاحب ساحب، ولا تعاشر الفاجر فتتعلم من فجوره، ولا تصاحب الفاسق فإن من خان الله لن يكون وفياً معك.
د- ربطهم بمجالس العلم والأصدقاء الصالحين.
هـ- شغل فراغهم بما يفيد؛ فالنفس كالطاحون التي لا بُدَّ أن تطحن فإن أعطيتها قمحاً أعطتك دقيقاً، وإن أعطيتها حصى أعطتك تراباً، وقيل: رأس الكسلان بيت الشيطان، وفي عقل البليد شيطان مريد.

وصدق من قال:
"إن الشباب والفراغ والجِدة مفسدة للمرء أيَّ مفسدة".
إن من أضرار الفراغ: الملل، والكسل، وسوء الأخلاق، والوقوع في المعاصي.

إنه لا مانع من الترفيه البريء الخالي من الآثام بعد تعب في حفظ أو تعلم، وقد قال العلماء: "رَوِّحِ القلبَ يَعِ الذكرَ".

ولما كانت النفوس تمل كما تمل الأبدان؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم لحنظلة: «يا حنظلة ساعة وساعة» [رواه مسلم]؛ فساعة جادة مع العبادة والعلم والعمل، وساعة راحة مع الأهل والأولاد والحاجات.

أما السهر الطويل المانع لصلاة الفجر، والنوم الطويل بالنهار، والساعات الطويلة بلا هدف في الأسواق أو الشوارع أو أبواب البيوت ومفارق الطرق؛ فهذا لا خير فيه، بل يخاف من شره، كيف وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إياكم والجلوسَ على الطرقات، فقالوا: يا رسول الله ما لنا من مجالسنا بُدّ نتحدث فيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإن أبيتم إلا المجلس، فأعطوا الطريق حقه، قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله، قال: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر» [متفق عليه].

وقد كره النبي صلى الله عليه وسلم النوم قبل العشاء والحديث بعدها، فالسهر المستمر تعب للنفس والعقل إلا إذا كان أحياناً وفي مذاكرة علم وحكايات الصالحين ومكارم الأخلاق أو لأمر هام.

فاحذر أن تكون ممن قال فيهم ابن الجوزي: "رأيت عموم الخلائق يدفعون الزمن دفعاً عجيباً، إن طال الليل فبحديث لا ينفع، وإن طال النهار فبالنوم، أو في الأسواق".

فخطط من الآن لإجازتك ومع أول يوم فيه صلِّ ركعتين وادعُ الله أن يوفقك، فلا شك أن عملاً مبدوءاً بالصلاة سيكون فيه خير كبير، ثم ابدأ من أول يوم في تطبيقه، واحذر التسويف فهو علة النفس العاجزة، ومن كان عاجزاً عن امتلاك يومه فهو عن امتلاك غده أعجز، واحذر كثرة الخلطة فهي مضيعة العمر.
فعجباً لقوم أمروا بالزاد ونُودي فيهم بالرحيل وهم قعود يلهون.

وفقنا الله جميعاً لما فيه رضاه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مراجع سهلة ينبغي أن تكون في مكتبك:
1- في التفسير: تفسير الكريم الرحمن لابن سعدي.
2- الحديث: رياض الصالحين للنووي.
3- الفقه: الملخص الفقهي للفوزان.
4- السيرة: الرحيق المختوم، للمباركفوري.

 

سيد جويل
 


 

  • 3
  • 0
  • 3,143

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً