فضل صيام رمضان وأسباب المغفرة فيه

منذ 2013-08-03

هنيئاً لمن فَرِحَ برمضان، واستقبله بالبِشِر والسُرور، سعيداً بِلُقياه، فَرِحاً بعطاءِ ربه فيه، فَصامُه كما أَحَب الله وُفق شريعة الله، وحَفِظَ فيه سَمعه وبَصره ولِسَانه وجَوارحَه عمَّا حرَّم الله، هنيئاً له بمغفرةِ الذنوب، ورضا علام الغيوب.

 

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه» [رواه البخاري في كتاب الإيمان، باب صوم رمضان احتساباً من الإيمان 1/22 (38)، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح 1/523 (760)].

يتعلق بهذا الحديث فوائد:

الفائدة الأولى:
في الحديث فضيلة عظيمة لِمَن صام رمضان إيماناً واحتساباً، وهيَ أن الله تعالى يَغفرُ له ما تقدم من ذنبه، والمُراد بالإيمان: التَّصديقُ بوجُوب صَومه، والاعتقادُ بحق فرضيته، وبالاحتساب: طلبُ الثوابُ من الله تعالى، قال الخطابي رحمه الله في معنى الاحتساب: "هو أن يَصومه على مَعنى الرغبة في ثَوابه، طِيبة نفسه بذلك، غير مستثقلٍ لصيامه، ولا مُستطيلٍ لأيامه".اهـ.[فتح الباري 4/115، وعمدة القاري 10/274، وقال العيني (عمدة القاري 1/234)، فإن قيل: كل من اللفظين وهما: "إيماناً" و"احتساباً" يغني الآخر إذ المؤمن لا يكون إلا محتسباً، والمحتسب لا يكون إلا مؤمناً، فهل لغير التأكيد فيه فائدة أم لا؟ الجواب المَصدق لشيءٍ ربما لا يَفعله مخلصاً بل للرياء ونحوه، والمُخلص في الفعل ربما لا يكون مصدقاً بثوابه وبكونه طاعة مأموراً به سبباً للمغفرة ونحوه، أو الفائدة هو التأكيد ونعمت الفائدة] ا هـ.

فهنيئاً لمن فَرِحَ برمضان، واستقبله بالبِشِر والسُرور، سعيداً بِلُقياه، فَرِحاً بعطاءِ ربه فيه، فَصامُه كما أَحَب الله وُفق شريعة الله، وحَفِظَ فيه سَمعه وبَصره ولِسَانه وجَوارحَه عمَّا حرَّم الله، هنيئاً له بمغفرةِ الذنوب، ورضا علام الغيوب.

الفائدة الثانية:
أسبابُ المغفرة في رمضان كثيرة، منها ما دلَّ عليه هذا الحديث، وهو صيام رمضان إيماناً واحتساباً، وقد دَلَّت النُّصوص الشرعية على أسباب أُخرى يَنبغي أن نَحرص عليها ونَهتم بها، منها:

السبب الأول: قيام رمضان، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه» [متفق عليه، رواه البخاري في كتاب الإيمان، باب تطوع قيام رمضان من الإيمان 1/22 (37)، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الترغيب في قيام رمضان هو التراويح 1/523 (759)].

السبب الثاني: قيام ليلة القدر، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا؛ غفر له ما تقدم من ذنبه». [رواه البخاري في كتاب صلاة التراويح، باب فضل ليلة القدر 2/709 (1910)، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، بان الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح1/523 (760)].

السبب الثالث: اجتناب كبائر الذنوب، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان؛ مكفرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر» [رواه مسلم في كتاب الطهارة، باب الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر 1/209 (233)]

الفائدة الثالثة: التوبة إلى الله تعالى من جميع الذنوب واجبة دائما، وهي وظيفة العمر في رمضان وغيره، فينبغي على المسلم الحرص على التوبة وتجديدها دائما، فقد كان النبي يتوب إلى الله دائما، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة» [رواه البخاري في كتاب الدعوات، باب استغفار النبي صلى الله عليه وسلم في اليوم والليلة 5/2324 (5948)].

وعن الأغر المزني رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يأيها الناس توبوا إلى الله فإني أتوب في اليوم إليه مئة مرة». [رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب استحباب الاستغفار والاستكثار منه 4/2075 (2702)]، بل قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "إن كنا لنعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد مئة مرة: رب اغفر لي وتب علي، إنك أنت التواب الرحيم". [رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه، وصححه الترمذي وابن حبان].

ورمضان كغيره من الأوقات بل هو أولى بالتوبة وتجديدها لأنه زمن فاضل، فالأعمال الصالحة فيه أفضل من غيره، والتوبة من أفضل الأعمال، وقد قسم الله تعالى الناس إلى قسمين لا ثالث لهما فقال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات:11]، قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "قسم العباد إلى تائب وظالم، وما ثم قسم ثالث البتة، وأوقع اسم الظالم على من لم يتب، ولا أظلم منه لجهله بربه وبحقه وبعيب نفسه وآفات أعماله". ا هـ (مدارج السالكين 1/178)، وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى: "واتفقوا على أن التوبة من جميع المعاصي واجبة، وأنها واجبة على الفور، ولا يجوز تأخيرها سواء كانت المعصية صغيرة أو كبيرة". ا هـ (شرح صحيح مسلم17/59، أول كتاب التوبة).

فالواجب علينا أن نُبادر في أيام الإقبال على الله تعالى ونقلع إقلاعاً عاماً عن جميع الذنوب، فهذه فرصة العمر وما يدرينا لعلها لا تتكرر مرة أخرى، فالتوبة التوبة يا عباد الله، والأوبة الأوبة إلى الله في هذا الشهر الكريم الذي تُقبل فيه النفوس على بارئها جل في علاه.

المصدر
من كتاب: الفوائد الثلاثية من الأحاديث الرمضانية
 

 

  • 8
  • 0
  • 18,387

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً