نظرات.. لكنها ظالمة

منذ 2013-08-11

ليترك الناسُ الناسَ يستمتع كل منهم بحياته لحظة بلحظة، دون أن يقهر الناسُ بعضهم بالناس دون أن تسير حياتك وحياتي وكأنها وقد أصبحت رهنا لهؤلاء الناس، وعجبي على دنيا غريبة مؤلمُ حقا كل ما فيها، أصبح الناس فيها هم من يتعسون الناس ويتحكمون في الناس.

 

النظرة الأولى:
الناس ينظرون للمطلقة نظرة ظالمة، وكأنها قد أجرمت، وكأنه ولا حق لها بعد ذلك في الحياة مع زوج آخر، نسوا أنها كيان إنساني..
وأنه قد يكون زوجها السابق قد ظلمها وأثقل كاهلها، وأنها بشر يجب أن تعيش وأن تستمتع بحياة كريمة كأي بشر من البشر، وأنه لا يعني أنها مطلقة أنها بذلك تكون من النساء ذوي الدرجة الثانية..
الإنصاف.. يا أيها الإنسان لأخيك الإنسان.

النظرة الثانية:
الناس ينظرون للعاطل نظرة ظالمة، وكأنه قد وجد الوظائف الشاغرة وامتنع عن اللحاق بها والسعي ورائها..
وكأن النظام السابق لم يرحل إلا بعد أن ترك الأرض بالورود للعاطلين مفروشة، والوظائف هنا وهناك على الأرصفة معروضة ومن كثرتها متروسة ومرصوصة..
ونسي الناس أن الوسائط والكوسة كانت هي الأصل في بلد المحروسة.

النظرة الثالثة:
الناس ينظرون للأرملة نظرة ظالمة، وكأن موت زوجها يعني أنها أيضا لا بد أن تموت..!
أبدا لا تعيش.. ليس من حقها أن تعيش..
فلا حق لها في الحياة الكريمة مع رجل كريم..
بل حرام عليها وعيب أن تتزوج بآخر مهما كان خلقه ومهما كانت سريرته..
بل تصبح معيبة كل العيب مجرد أن تلوّح بذلك أو تُشير من بعيد..!

بل قد تجد من يقول لها: "كيف وصل تفكيرك إلى ذلك؟"، بل تكون قد خرجت -بمجرد تفكيرها في ذلك- عن كل معاني الفضيلة، بل تجد من يصفها بأنها قد نسيت الوفاء والإخلاص لزوجها الذي قد رحل، تتهافت نظرات الدهشة إليها وتتلاحق مصمصة الشفايف من حولها ليس حزنا واشفاقا بها ولا عليها، ولكن سخرية وتوبيخا وذهولا وتعجيزا لها، وهذا كله يحدث بمجرد فقط أن تفكّر في أن تستتر برجل تتحصن به وتأمن في دنيا الذئاب، وتتكأ على كتفيه ليكون لها في الدنيا عضدا، ولحياتها سكنا ولها معينا وناصرا، في حين أنه لو وضع هؤلاء الناس أنفسهم مكان الأرملة المظلومة، لأحسوا والله بلوعتها ولذاقوا من مرارة وحدتها وغربتها، ولعرفوا أنهم حقا قد ظلموها وما أنصفوها، وبنظرتهم الظالمة قد أتعسوها ولم يسعدوها.

النظرة الرابعة:
الناس ينظرون للفقير نظرة ظالمة، وكأن الدنيا كانت أمامه مفروشة بالورد ومليئة بخزائن المال، وهو الذي صرف عنها النظر وتعالى عليها وتكبّر.
الراحمون يرحمهم الرحمن فارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.
فبدلا من نظرتكم الجارحة، تحسسوا الفقراء وابحثوا عن ديارهم وامنحوهم مما أعطاكم ربكم، فكم من آلاف الفقراء لا يعلم الناس عنهم شيئا يفترشون أرضا ويلتحفون سماءَ.
فيا ناظرون للفقير! رُبّ اليوم فقير يكون في الغد ميسور وتلك الأيام نداولها بين الناس.  

النظرة الخامسة:
الناس ينظرون لبعضهم نظرة ظالمة، توحي أنه يجب ألا أتحرك إلا بعد أن يأذن لي الناس..!
فهذا سيقول عني، وهذه ستعيب تصرفي، وهذا سيتابع منظري وسلوكي، وكأن الناس قد تفرّغوا لمراقبة بعضهم بعضا، وما تعب والله مثل هؤلاء الذين يتتبعون عورات الناس، يكفي أنه من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته.

سبحانك يارب..!
أيعقل أن يتسبب الناس في أن يخسر الناس حلمهم وطموحهم بسبب الناس؟!
أيعقل أن يتسبب الناس في أن يتخلى الناس عن مبادئهم وأهدافهم من أجل إرضاء الناس؟!
أليس إرضاء الناس غاية لا تدرك؟
أليست حياتك وحياتي هي لك أنت وهي، لي أنا وهي ليست للناس؟
أما علمت أنني مَنْ أعيش وأنت مَنْ يعيش وأنا من سأموت وأنت من سيموت.

فليترك الناسُ الناسَ يستمتع كل منهم بحياته لحظة بلحظة، دون أن يقهر الناسُ بعضهم بالناس.
دون أن تسير حياتك وحياتي وكأنها وقد أصبحت رهنا لهؤلاء الناس، وعجبي على دنيا غريبة مؤلمُ حقا كل ما فيها، أصبح الناس فيها هم من يتعسون الناس ويتحكمون في الناس.
فاللهم لا تفقدنا أبدا يارب جميل الشعور والإحساس وعظيم السرور، ونحن نقطف من بين الناس ثمرة سعادة وبهجة وفرح نهديها إلى كل الناس.


 

نبيل جلهوم

 

 

  • 0
  • 0
  • 2,764

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً