جدلية الثمار والجذور

منذ 2013-09-04

والحقيقة التي لا يختلف عليها اثنان، ولا ينتطح فيها عنزان أن (أمة الإسلام) اليوم ونحن في مطلع القرن الحادي والعشرين أمة متخلفة متأخرة عن غيرها في سائر المجالات، وشعوبها من أفقر شعوب العالم وأكثرها أمية، ودولها لا تتحكم في سياسة نفسها بل يسيرها (الأقوياء) وفق رغباتهم وأهوائهم .


لا ريب أن كل من ملك عينين يلاحظ ما تعانيه (الأمة الإسلامية) من (طنجة) بالمغرب إلى (جاكرته) بإندونيسيا من مشكلات وأزمات.

 

والحقيقة التي لا يختلف عليها اثنان، ولا ينتطح فيها عنزان أن (أمة الإسلام) اليوم ونحن في مطلع القرن الحادي والعشرين أمة متخلفة متأخرة عن غيرها في سائر المجالات، وشعوبها من أفقر شعوب العالم وأكثرها أمية، ودولها لا تتحكم في سياسة نفسها بل يسيرها (الأقوياء) وفق رغباتهم وأهوائهم .

 

فالواجب، والحالة هذه على أفراد ومجتمعات وشعوب هذه الدول وعلمائها ومثقفيها وخطبائها وفقهائها ومستشاريها وكبيرها وصغيرها أن يتباحثوا ويتناقشوا ويتحاوروا ويسعوا سعياً جاداً لتشخيص المرض : أين الخلل ؟، لماذا نحن هكذا ؟، ما السبب؟، فتشخيص المرض بدقة هو السبيل الناجع لتحديد طرق العلاج بإذن الله.

 

ما من مجلس فيه (مسلمون) سواء كان ذلك في الواقع الحقيقي المعاش، أو في الواقع الافتراضي على شبكة الإنترنت (فيسبوك) (تويتر) أو غيرهما، إلا وتجد الكلام عن (المشكلات الاقتصادية) و (القهر السياسي والاستبداد) و (التخلف العلمي التقني) و (سوء الإدارة) و (الفساد العريض) و (الاحتلال العسكري) وغيرها مئات من مآسي ( أمة الإسلام ودولها ) وكل هذا صحيح وواقع ولا شك.. ولكن ...


ولكن يجب أن ننتبه إلى أن كل تلك المآسي إنما هي مظاهر وأعراض للمرض الحقيقي، والداء الأصلي فإذا شغلتنا هذه المآسي (لبشاعتها) عن أصل الداء فكأننا لم نفعل شيئا لأن جهودنا ستبدد في محاولة إزالة (مظاهر خارجية) فقط، وليس علاج المرض ذاته.

 

لقد ذهب الإمام الشيخ (محمد عبده) إلى الديار الأوربية وعاد ليقول كلمة موحية معبرة : " لقد وجدت هناك إسلاماً بلا مسلمين، ووجدت هنا مسلمين بلا إسلام " لقد لمس كبد الحقيقة ومخها : نحن هنا في بلاد الإسلام لا نطبق الإسلام ولكن ندعي ذلك.

 

كثيراً ما نسمع من أناس أوربيين أو أمريكيين أسلموا حديثاً يقولون : " الحمد لله الذي هدانا للإسلام قبل أن نعاشر المسلمين " لعلهم أرادوا : إن الفرق واضح جداً بين نور الإسلام وبين ظلمات سلوكيات المسلمين في هذه العصور، وصدقوا.

 

ذات مرة كنت أحاول أن أدعو أحد الأجانب إلى الإسلام وكان مطلعاً على أحوال المسلمين فقال لي : " إن الشجرة تعرف من ثمارها " وعبثاً رحت أحاول أن أفهمه أن الثمار (المسلمين وسلوكياتهم) انقطعت صلتها بالجذور تقريباً (بالإسلام) وأنها- على خلاف ما تفهم - نتاج البعد عن الإسلام لا الالتزام به، واشرأبت أعناق ( الثمار) لبيئات خارجية ملوثة كونت حائلاً بينها وبين الماء الصافي الآتي من (الجذور) فصار المشهد على ما ترى (ثمار غاية في السوء)، وجذور- لا تراها أنت- تنبض بالنور لكنه محبوس. فلا علاقة حقيقية في عالمنا الإسلامي - الآن - بين (الثمار ) و (الجذور) .

 

يشتكي خطباء المساجد (وهم ألوف) من كثرة الكلام والوعظ وقلة (العمل) المهتدي بالوعظ والكلام من قبل الجماهير المسلمة. وصدقوا فيما اشتكوا، لكن العكس صحيح أيضاً حيث تشتكي الجماهير من الخطباء (الألوف) شكوى مريرة وهي أن معظمهم قوّال لا فعّال ولذا لا أثر يذكر للأقوال، وصدقوا فيما اشتكوا .

 

لكل مجتمع إنساني فكرة يتمحور حولها، ومبادئ يقوم عليها، وفكرة أمتنا الإسلامية هي الإسلام، ومبادئنا هي مبادئ الإسلام. فماذا لو لم نحسن فهم (الفكرة) أو استيعاب (المبادئ) ؟


لقد ابتعدنا عن (الفهم السليم للإسلام) وبالتالي (ساء) أو (انحرف) سلوكنا في جميع مناحي الحياة، وظهر فينا ما ظهر من تواكل وفساد وسوء إدارة واستخزاء أمام المحتل وانبهار به، والتمحور حول الذات والانشغال بصغائر الأمور وترك الهم العام للفاسدين يسيرونه كيف يشاؤون، والتبرير للظلم والبغي، وترك السير في مناحي الأرض والتعمير فيها بحجة أن " الدنيا لهم " غير المسلمين يعني" "والآخرة لنا " نحن المسلمين ..


وعد معي قائمة لا تنتهي من السلوكيات والتصرفات المبنية على أوهام وهوى لا على فهم سديد للدين الذي أنزله الله، وهي تصرفات مفضية في النهاية إلى التخلف والعجز وكلها نابعة من من منبع واحد (الفهم غير السليم للإسلام) وبالتالي (التطبيق المشوه له).

 

فماذا نحن فاعلون ؟؟


طارق عبد الفتاح لزم


 

المصدر: مجلة البيان
  • 1
  • 0
  • 1,006

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً