استراتيجية المعارضة المصرية
لا شك أن قوى المعارضة أدارت المعركة ضد الرئيس مرسي وجماعة الإخوان بحرفية واقتدار، واستخدمت كل الوسائل المتاحة والوسائل الحقيقية والمزيفة لتنتصر وتحقق ما تريد، وهو ما غفل عنه الرئيس مرسي وتأخَّر كثيراً في اتخاذ الخطوات اللازمة لمجابهته.
قبل أن نتحدّث عن استراتيجية المعارضة لإسقاط الرئيس د. مرسي؛ يجب أن نحيط باستراتيجية المجلس العسكري لابتلاع ثورة 25 يناير 2011م وتبريدها وإسقاطها في أيدي نظام المخلوع مرةً أخرى، والعمل على تحقيق هذا الهدف في الفترة الانتقالية التي حكم فيها مصر نحو عام ونصف تقريباً، فقد كان نصَّ البيان الذي تلاه نائبه عمر سليمان يحتوي على عنصرين أساسيين، هما:
- تخلّي مبارك عن منصب رئيس الجمهورية.
- تكليف مبارك المجلسَ الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شؤون البلاد.
وهذا معناه أن الشعب لم يعزله، وإنما تخلى هو طواعية عن منصب الرئيس، وأنه قَبَلَ أن يتخلى وفي ضوء صلاحياته الرئاسية كلّف المجلسَ العسكري بإدارة شؤون البلاد، وهو مما يُعطي الشرعية لحكم العسكر في تلك الفترة.
في ظل هذه الفترة تعامل المجلس العسكري مع الإخوان باعتبارهم تياراً كبيراً كان له الدور الأكبر في نجاح ثورة يناير وكسر الشرطة، فحاول أن يأخذهم في صفه ويشق صف المعارضة ويوقع العداوة بينهم وبين بقية المعارضة الثورية من القائمين والمشتركين في الثورة.
قدّم المجلس العسكري مبارك والعادلي وبقية رجال نظامه للمحاكمة بتهمٍ يصعب إثباتها ويسهل التبرؤ منها، وأشرف على حماية المخلوع وأبقى كل مفاصل النظام كما هي مع بعض القشور الشكلية، فظل القضاء كما هو، وظلت قيادات الشرطة وأمن الدولة كما هي، وقيادات المخابرات كما هي، فضلاً عن قيادات المجلس العسكري ذاته التي عملت في ظل نظام المخلوع سنوات طويلة.
قام المجلس العسكري بزرع بذور الشقاق والعِداء بين الإخوان وبقية المعارضة على اختلاف أطيافها عندما طلب منها الانحياز لصفّها في مسألة التعديلات الدستورية على دستور 1973م، والتي تم الاستفتاء عليها وعلى الإعلان الدستوري المؤقت، حيث أضاف المجلس العسكري مجموعة مواد لم يستفتِ الشعب عليها ووُضعت لتوقع العداوة مع بقية أطراف المعارضة ولتشوّه صورة الإخوان فيما قبل الدخول في عملية الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
مع بداية الانتخابات الرئاسية بدأ المجلس العسكري بحملات التشويه للإخوان، وقام بترشيح عمر سليمان وأحمد شفيق للرئاسة، واعتقد أنه قادر على إدارة الأمور، وقام بتسويق هذه الفكرة وتأصيلها وعمل على كسب مؤيدين له في ذلك، وقام باستبعاد أهم مرشحي الإخوان "خيرت الشاطر"، واستبعاد "حازم أبو إسماعيل" المحسوب على التيار الإخواني بشكلٍ غير مباشر، وعند ذلك لم يتبقَ في المشهد سوى الفريق أحمد شفيق ممثلاً للعسكر ولنظام المخلوع مبارك، ود. محمد مرسي ممثلاً للإخوان.
عمل المجلس العسكري بكل قوته وإمكاناته على إنجاح شفيق، وكان يرتب لذلك بثقة واطمئنان كبيرين، وهي النتيجة التي لو حدثت كانت ستحقق لقادة المجلس العسكري ما كانوا يهدفون إليه بعودة السلطة لنظام مبارك وتحجيم دور الإخوان والتيار الإسلامي، فلا يتصدر المشهد، ولا يتعدى دوره المعارضة الضعيفة الشكلية التي لا تُسمن ولا تُغني من جوع، لكن جاءت الرياح بما لا تشتهيه السفن، وفاز د. مرسي، وفاز الإخوان، وفشلوا في وقف هذا التيار، ما أوقعهم في حرجٍ كبير قد يعرّضهم للقضاء عليهم وعلى فلول مبارك ونجاح الثورة الشعبية التي قامت في يناير وصعوبة ركوب الثورة وتطويعها للعسكر.
هذا الحد نستطيع أن نتكلم فيه عن استراتيجية المعارضة لإسقاط الرئيس مرسي المنتخب، تحت إشراف العسكر بالطبع.
عندما نتحدث عن المعارضة يجب أن ننظر إليها في معناها الواسع، ليس فقط المعارضة في شكلها السياسي الرسمي من قبل الأحزاب الرسمية في مجلسي الشعب والشورى وجماعات الضغط المختلفة، إنما يجب أن تشمل فئات المعارضة الأخرى من أمثال (الشباب الثوري، كحركة تمرد وكفاية و6 أبريل وغيرها والبلاك بلوك والأناركية وغيرها)، ومؤسسة القضاء المنتمية بشكلٍ كبير لنظام مبارك، والشرطة وأمن الدولة والمخابرات؛ وكلها ما زالت تنتمي لنظام المخلوع وتدافع عن وجودها ومصالحها، وقيادات الحزب الوطني المنحل ورجال الأعمال الذين داروا في فلك نظام المخلوع سنوات طويلة، ثم الإعلام بكل أطيافه "الفضائيات والإذاعة والصحافة ومواقع التواصل الاجتماعي على الفيس بوك والتويتر وغيرها"، وهو دور خطير أعتقد أنه كان له الدور الأعظم في إسقاط الرئيس مرسي بالتعاون مع كل الفئات الأخرى. أضف إلى ذلك دور الكنيسة ورجالات أعمالها كساويرس وغيره، فضلاً عن الدور المهم للمعارضة الإقليمية.
حينما فشل المجلس العسكري في تنصيب أحد عناصره، سواءً عمر سليمان أو شفيق، قرّر أن يعمل على إفشال الرئيس مرسي بعدم تمكينه من تحقيق أي هدف من أهداف الثورة، وجعل الشعب يثور عليه ويطالب بعزله، ويطلب من الجيش أن يتولى هذا الأمر، وهو ما حدث تحت إشراف العسكر وإخراجهم وتأليفهم بالتنسيق مع فصائل المعارضة باختلاف أطيافها. عند تفنيد فئات المعارضة والدور المنوط بكل منها، نجد التالي:
أولاً: أحزاب المعارضة السياسية
دأبت أحزاب المعارضة الليبرالية واليسارية والقومية -والتي تختلف في نهجها عن الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية- على انتقاد أي عمل أو قول أو تصرُّف والحط من قدره والتأكيد على أنه مخالف للأعراف السياسية، وانطلقت من مقولات سياسية حاولت أن تدشنها على أنها أدرى بشؤون الديمقراطية وبقاعدة الليبرالية، من أمثال:
1- المرحلة تستوجب العمل بديمقراطية المشاركة وليس المغالبة، لأن الذين انتخبوا مرسي لم يكونوا إخواناً فقط، بل بقية أطياف الشعب، وأن نسبة 51% التي فاز بها تعني أن 49% من الشعب رفضوه.
2- إعلاء الشرعية الشعبية وشرعية الميادين وشرعية الشوارع على الشرعية الدستورية.
3- الديمقراطية ليست فقط ديمقراطية الصناديق، وهي ليست معياراً كافياً لتقييم العمل السياسي.
4- اتهامهم بالأخونة والاستبداد والاستحواذ السياسي.
5- اتهامهم بأنهم لا يُفرِّقون بين جماعة الإخوان الدعوية والحزب السياسي لهم، وأنهم يُحققون مصلحة الجماعة قبل مصلحة الوطن.
6- اتهامهم بتكفير المخالفين السياسيين لهم والمتاجرة بالدين وانطلاقهم من فتاوى تحاول تبرير أفعالهم إسلامياً.
7- اتهامهم بعدم الخبرة السياسية في إدارة شؤون البلاد.
8- اتهامهم بإقصاء كل المخالفين لهم في الرؤية.
9- رفض الحوار معهم ورفض أي عرض يُقدَّم إليهم والعمل على سحب كل من شارك مع الرئاسة من أنصارهم وتبرير ذلك باستبداد الإخوان واستحواذهم على السلطة.
10- اتهام الرئاسة بأن مرشد الإخوان هو الذي يحكم وليس الرئيس مرسي، وأنهم يحكمون مصر عبر مصلحة الجماعة أولاً.
11- اتهامهم بافتقاد الرؤية السياسية وافتقاد المشروع المستقبلي، واتهام مشروعهم للنهضة بأنه عنوان مفرغ من مضمونه وليس فيه دراسات اقتصادية واجتماعية وسياسية وأنه مشروع وهمي.
بعد نجاح الإخوان (حزب الحرية والعدالة) في الحصول على الأغلبية البرلمانية في مجلسي الشعب والشورى، اتهمتهم المعارضة بأنهم لا يختلفون عن مجلس الشعب السابق في عهد المخلوع مبارك الذي كان يفرض ما يريده الحزب الوطني، فضلاً عن معارضتهم لكل ما خرج عن المجلس من قرارات.
12- اعتراضهم على تشكيل لجنة المائة الخاصة بعمل الدستور واتهامهم حزب الحرية والعدالة بالاستحواذ عليها وبأنه دستور ليس توافقياً بل دستور مغلق على جماعة الإخوان، ثم انسحابهم من لجنة عمل الدستور ووصفه بأنه طائفي ومذهبي وغير معبّر عن مبدأ المواطنة.
13- بعد حل مجلس الشعب أصبح التشريع في يد الرئيس مرسي بشكلٍ مؤقت، وحينما أصدر الإعلان الدستوري المؤقت خرجت عليه المعارضة تتهمه بالديكتاتورية والاستبداد والانفراد بالتشريع والانفراد بالحكم، عند ذلك شكلت المعارضة جبهة الإنقاذ الوطنية المصرية، وهي تكتل سياسي تشكّل في 22 نوفمبر 2012م بعد الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس محمد مرسي. تتشكّل الجبهة من 35 حزباً سياسياً وحركة سياسية وثورية، وجميعها ذات أيديولوجيات ليبرالية ويسارية.
وتتكون الجبهة من الأحزاب التالية: "حزب الدستور - محمد البرادعي"، "التيار الشعبي المصري - حمدين صباحي"، "حزب المؤتمر المصري - عمرو موسى"، "حزب الوفد الجديد - السيد البدوي - منير فخري عبد النور"، "حزب مصر الحرية - عمرو حمزاوي"، "الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي - محمد أبو الغار"، "حزب الجبهة الديمقراطية - سكينة فؤاد"، "حزب المصريين الأحرار - أحمد سعيد"، "التحالف الديمقراطي الثوري الذي يضم 10 أحزاب وحركات ثورية".
14- قامت جبهة الإنقاذ بتنظيم مظاهرات ومليونيات في ميدان التحرير وفي ميادين المحافظات اعتراضاً على الرئيس مرسي واعتراضاً على الإخوان فيما يخص الشؤون الداخلية والإعلان الدستوري ولجنة عمل الدستور والاعتراض على الدستور، فضلاً عن تفنيد ما طرحه الرئيس مرسي في برنامج المائة يوم بحل بعض المشكلات الأساسية، كالأمن والقمامة والتموين وغيرها من المشكلات، وخارجياً اعترضوا على إدارة أزمة مياه النيل مع إثيوبيا فيما يخص سد النهضة، والتعامل مع إيران.
كانت هذه المظاهرات تتم تحت بصر الشرطة والجيش ونتج عنها حرق مقار الإخوان ومقار حزب الحرية والعدالة وقُتِلَ فيها الكثير من أنصار الإخوان.
15- عرض الرئيس مرسي على قوى المعارضة من جبهة الإنقاذ حقائب وزارية في الحكومة ومناصب كمساعدين ومستشارين للرئاسة، لكنهم في كل مرة كان الجواب بالرفض ومطلبهم منصب رئيس الوزراء وتقليل عدد وزراء الحرية والعدالة إلى أقل عدد ممكن، ومن ثم اعتراضهم على حكومة هشام قنديل وتسفيه كل إنجاز لها.
ثانياً: الشباب الثوري
أرادت المعارضة تشكيل ائتلافات ثورية جديدة تختلف عن تجمعات الشباب الثوري المرتبطة بثورة 25 يناير 2011م؛ لكي تكون خالصة في فكرها إلى المعارضة الليبرالية واعتبارها تُمثِّل موجة ثانية من الثورة تمهيداً للانقلاب على الرئيس مرسي والإخوان، فكوّنت جماعة تمرد للدعوة إلى عمل انتخابات رئاسية مبكرة، ثم تطورت هذه الدعوة إلى عزل الرئيس مرسي وإلغاء الدستور وإلغاء مجلس الشورى.
ثم أسست المعارضة ذراعاً عسكرية لحركة تمرد، ألا وهي (البلاك بلوك)، فقام قيادات الحزب الوطني المنحل بتدعيم حركة تمرد وذراعها العسكرية، وعلى رأس هؤلاء الممولين: المياردير نجيب ساويرس وغيره من قيادات فلول نظام مبارك، وكانت الشرطة تغمض عينها عنهم وكذلك الجيش (الحرس الجمهوري أمام قصر الاتحادية على سبيل المثال).
الفكرة المؤسِّسة لحركة تمرد كانت تقوم على جمع توقيعات مطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة، ثم تطورت إلى المطالبة بعزل الرئيس مرسي وإلغاء الدستور والشورى، والدعوة لانتخابات برلمانية وعمل دستور جديد يكون أكثر توافقاً بين عناصر الأمة.
جابت حركة تمرد البلاد وادَّعت أنها جمعت أكثر من 22 مليون استمارة تطالب بعزل الرئيس مرسي، وادَّعت أنها قدمت هذه الاستمارات إلى المحكمة الدستورية لعدّها وفحصها واتخاذ حكم بشأنها، ثم خرجت المعارضة لتؤكد أن هذا العمل عمل ديمقراطي ينطلق من شرعية الشوارع والميادين وأن الرئاسة السياسية الحاكمة عليها الخضوع والإذعان لرأي الشعب في ذلك.
ثالثاً: دور مؤسسة القضاء
لعبت مؤسسة القضاء دوراً كبيراً في معارضة الرئيس مرسي ومن ثم المساهمة في إسقاطه، فغالبيتها كانت منحازة للمخلوع مبارك وتنتمي لنظامه عبر ثلاثة عقود تم التأسيس فيها لذلك، وعندما خرجت دعوات لتطهير القضاء من قبل الرئاسة والأحزاب الإسلامية والثورية، لاقت مواجهة شديدة من قبل النائب العام ونادي القضاة برئاسة أحمد الزند، وأعلنوا تحديهم ذلك في ظل مباركة من الشرطة والمجلس العسكري.
حاول الرئيس مرسي أن يتخذ خطوات في هذا الصدد؛ حيث أصدر قراراً بتعيين النائب العام عبد المجيد محمود سفيراً لمصر في الفاتيكان، وعيَّن مكانه نائباً آخر بحيث يكون معادياً للنظام المخلوع ويحقق أهداف ثورة يناير ويجري محاكمات عادلة فيما يخص قتل المتظاهرين والشهداء وأهالي الشهداء، لكن المعارضة السياسية ورجال القضاء شعروا أن مكتسباتهم التي تحصّلوا عليها عبر ثلاثين عاماً من حكم مبارك ستُسحب منهم وأنهم سيحاكموا وستفتح ملفاتهم التي أغلقت قبل سقوط نظام المخلوع؛ فوقفوا لهذا القرار بالمرصاد، وطالبوا بتغييره وعودة النائب العام، ثم وقفوا بالمرصاد لقرار تقليل السن القانونية للقضاة من سبعين عاماً إلى ستين.
وكانت كل قرارات وأحكام القضاء تعمل بشكلٍ مباشر بناء على تعاليم نظام المخلوع وتثبيت أركانه، حيث صدرت أحكام البراءة للجميع من ضباط أمن الدولة السابقين ورجال حكومة مبارك ورجال الحزب الوطني المنحل، وبعد الحكم على مبارك بالسجن المؤبد تمت إعادة المحاكمة والمطالبة ببراءته نظراً لعدم توافر الأدلة التي قام رجال أمن الدولة السابقون بحرقها، وبعد أن عيَّن الرئيس مرسي نائباً عاماً جديداً وِفقاً للإعلان الدستوري المؤقت الذي أصدره، رفضوا تنفيذ أوامره واعتبروه باطلاً، وقام شباب وكلاء النيابة بمحاصرة مكتب النائب العام الجديد وإجباره على الاستقالة تحت سمع وبصر الشرطة والمجلس العسكري، وكان كل من يقبض عليه متلبساً بالاعتداء على مقار الإخوان وحزب الحرية والعدالة وحرقها وقتل من فيها؛ يخرج براءة ودون أي أحكام؛ نكايةً بالرئيس مرسي ونظامه، في الوقت الذي يُقبَض فيه على أنصار الإخوان والتيارات الإسلامية دون وجه حق ويُحكَم عليهم بأقصى سرعة، فضلاً عن رفع قضايا ضد الرئيس مرسي وقيادات الإخوان بتهمة أنهم هربوا المساجين بالتعاون مع حركة حماس وأنهم تخابروا مع جهات أجنبية وما إلى ذلك.
رابعاً: مؤسسة الشرطة
من أسباب نجاح ثورة 25 يناير 2011م انكسار الشرطة وهزيمتها أمام الثوار، ولما كان الإخوان هو الفصيل الأكبر الذي رجَّح كفة الثوار وصمد أمام قوة الشرطة، تشكّلت لدى قيادات الشرطة وأفرادها نزعات انتقامية من الإخوان جعلت تترقّب وتنتظر لحين الانقضاض عليهم وإسقاط نظامهم.
وقد نجح بعض قيادات الشرطة مع بعض قيادات المجلس العسكري في إقناع الرئيس مرسي بالإبقاء على قطاع أمن الدولة، مع الاكتفاء بعمله كجهاز معلومات وطني وتغيير اسمه إلى الأمن الوطني (لاحظ التسمية ونسبة الجهاز إلى الوطني كما لو أنه يربط بالحزب الحاكم السابق في عهد المخلوع الحزب الوطني)، وتم إقناعه أيضاً بعودة ضباط الشرطة الذين كانوا متهمين في قضايا قتل الثوار وغيرها، والذين تمت تبرئتهم جميعاً منها، فلم يتغير شيء في جهاز الشرطة عن النظام السابق، وظلت الشرطة تحتفظ بقوات البلطجية وتدير تحركاتها بحسب المناسبة المطلوبة، واستخدمتها بعد ذلك في مظاهرات 30 يونيو لإسقاط الرئيس مرسي.
وظلت الشرطة طوال فترة حكم الرئيس مرسي لا تتدخل لصدّ المظاهرات غير السلمية على مقار الحرية والعدالة والإخوان، ولا المظاهرات التي كانت تهجم على قصر الاتحادية وتلقي المولوتوف وتكسر الأبواب، بل وصل الأمر إلى أكثر من ذلك حينما أغلقت معظم أقسام الشرطة مقارها ورفضت حماية وخدمة الشعب، ما جعل الأحزاب الإسلامية تدعو إلى تشكيل لجان شعبية تعمل بدلاً من الشرطة، ما جعلها تسارع في العودة عن هذا الأمر.
أسهم موقف الشرطة السلبي من المظاهرات والتعديات وغيرها؛ في إضعاف موقف الرئيس مرسي والدعوة لإسقاطه لفشله في تحقيق الأمن، وهو ما سعت إليه أجهزة الشرطة، وهو ما عملت على تدعيمه لإسقاط الرئيس، وكانت مواقفهم مخزية في حماية موكب الرئيس وتأمين الطرقات وكذلك التخاذل عن حماية رئيس الوزراء هشام قنديل وترك بعض المتظاهرين يسبونه ويعتدون عليه ويضربونه بالأحذية دونما أي تدخل لمنع ذلك، فضلاً عن تعمُّد الظهور بموكب سيارات لحماية الرئيس وتأمين الطرقات ليقال إنه لا يختلف عن الرئيس المخلوع وإنه يُبدِّد أموال الدولة في حمايته وتأمين مواكبه.
كانت الشرطة تؤمّن مظاهرات تمرد وجبهة الإنقاذ وتشارك معهم في التظاهر بلباس الشرطة وتساعدهم على احتلال مباني المحافظات والوزارات وغيرها، ولا تمكّن الوزراء المحافظين من ممارسة أعمالهم، بل تترك المتظاهرين يحتلون مكاتبهم ويعتصمون بها.
خامساً: مؤسسة الإعلام
حينما تولى الرئيس مرسي مقاليد السلطة في مصر كانت وسائل الإعلام بالكامل في أيدي رجالات المخلوع مبارك، ولم يتغيّر فيها شيء سوى ادّعاءات القائمين عليها بأنهم ثوريون أو أنهم تحولوا إلى ثوريين، ولم يستطع الرئيس مرسي إحداث التغيير الفعال والجذري في هذه الوسائل سوى بعض التطعيمات التي لا تغني ولا تسمن من جوع.
أستطيع أن أقول إنه كانت هناك خطة محكمة ومعدّة سلفاً من قبل المجلس الأعلى للقوات المسلحة وقيادات الشرطة وأمن الدولة والقضاء، يتم فيها تشويه صورة الإخوان واتهامهم بالعمالة للاستعمار والتعاون مع (إسرائيل) والمتاجرة بالدين ومساعدة حماس على حساب مصر، وبأنهم زوّروا الانتخابات وأخذوا الأصوات بتوزيع السكر والزيت على المحتاجين، إلى جانب السخرية من الرئيس مرسي وإهانته وسبّه مع وعد بحمايتهم أمام القضاء والشرطة، فضلاً عن اتهامه بالتبذير بمخصصات رئاسة الجمهورية لإسقاط هيبة الرئاسة وهيبة رئيس الدولة والتحقير من شأن أي عمل يقوم به داخلياً وخارجياً، واتهامه بأنه بدّد ميزانية الدولة وأضاف ديوناً كثيرة على الديون التي استلمها أصلاً، مع السخرية من خطبه وتصريحاته وبأنه يتصرّف بسذاجة شديدة أدّت إلى "فضحنا وسط الأمم"، وخلق حالة من الاستعداء لدى جموع الشعب على الإخوان المسلمين تجعلهم في آخر الأمر يطالبون بإسقاطه، فضلاً عن تزييف الحقائق حول الإخوان وحول الرئيس مرسي وإظهار المعارضة بالصورة الجميلة العادلة، مع تشويه صورة الإخوان وصورة الرئيس وصورة الأحزاب الإسلامية المتعاونة معه.
أعتقد أن الإعلام أحد العوامل المهمة في إسقاط الرئيس مرسي وفي إيجاد طبقة معادية له لم تكن موجودة من قبل، في الوقت الذي ظهر فيه إعلام الرئيس مرسي وإعلام الإخوان والإسلاميين إعلاماً هزيلاً لا يستطيع أن ينافس بحرفية إعلام المعارضة، وفشل وزير الإعلام الإخواني في تقييد وتوجيه قنوات الدولة في صف الرئيس والإخوان.
سادساً: دور الكنيسة
أسهمت الكنيسة الأرثوذكسية في إسقاط الرئيس مرسي وإسقاط نظام الإخوان عبر اختلاق الفتن والأحداث بين المسلمين والنصارى وتحميل الإخوان مسؤولية ما حدث، فضلاً عن المشاركة في تلك الحملة الإعلامية ضد الرئيس مرسي وضد جماعة الإخوان، فضلاً عن تصريحات كبار القساوسة وإبداء اعتراضهم وعِدائهم للإخوان ولجماعتهم ولرئيسهم.
بدأ الحشد الانتخابي لشعب الكنيسة منذ أول انتخابات على تعديلات دستور 1971م، والتي انحاز الإخوان والإسلاميون لها، فظهرت جحافل النصارى في الطوابير الانتخابية لتنضم للقوى العلمانية والليبرالية تحاول أن تدعم قوتهم، ثم جاءت الانتخابات البرلمانية والاستفتاء على الدستور وانتخابات الرئاسة، وكانت القوى المسيحية المعارضة تقف بكل طاقتها، فجاءت نتائجها واضحة، خصوصاً في انتخابات الرئاسة والاستفتاء على الدستور، ففي انتخابات الرئاسة دعمت أصوات الكنيسة المرشح أحمد شفيق ضد المرشح محمد مرسي فوصلت إلى 12 مليون صوت كان للمسيحيين جانب كبير فيها قد يتعدى المليونين أو أكثر.
وكذلك في الاستفتاء على الدستور، حيث بلغت نسبة المعارضين للدستور نحو 36% مقابل 64% للمؤيدين، ولا شك أن أصوات الكنيسة قد أسهمت في كثير من هذه النسبة.
وكان التأييد من قبل البابا تواضروس لعزل الرئيس مرسي في 30 يونيو، يُمثِّل زخماً قوياً بجانب تأييد شيخ الأزهر، ما أسهم في عمل توازن شكلي إلى حدٍ ما.
سابعاً: قيادات الحزب الوطني والفلول.
قيادات الحزب الوطني المنحل الذين خرجوا براءة والذين لم يُقدَّموا للمحاكمة مع بقية فلول نظام مبارك في المحليات والمؤسسات والقطاعات الحكومية المختلفة والوزارات؛ كل هؤلاء شكّلوا جبهة معارضة وسلاحاً من أسلحة الثورة المضادة ودعم المظاهرات ودعم حرق مقار الإخوان وجيش البلطجية للانقضاض على كل ما يُمثِّل نظام الرئيس مرسي؛ فقد قاموا بشراء الأصوات في الانتخابات الرئاسية انحيازاً للمرشح أحمد شفيق، وفي الانتخابات البرلمانية للأحزاب الليبرالية، وقاموا بشراء البلطجية والمناصرين للمعارضة في ميادين مصر، وقاموا بحشد الآلاف لمظاهرات 30 يونيو لإسقاط الرئيس مرسي، ثم وضعوا أيديهم في أيدي جبهة الإنقاذ لإسقاط الإخوان وإسقاط الرئيس مرسي، ودعموا حملة تمرد وفِرَق البلاك بلوك على اعتبار أن النتيجة ستكون ابتلاع الثورة واستبعاد الإخوان والإسلاميين وعودة السلطة لأيديهم مرة أخرى.
لا شك أن قوى المعارضة أدارت المعركة ضد الرئيس مرسي وجماعة الإخوان بحرفية واقتدار، واستخدمت كل الوسائل المتاحة والوسائل الحقيقية والمزيفة لتنتصر وتحقق ما تريد، وهو ما غفل عنه الرئيس مرسي وتأخَّر كثيراً في اتخاذ الخطوات اللازمة لمجابهته.
أحمد محمود
- التصنيف: