اليونان؛ الربا الذي قصم ظهر البعير! (1)
هناك مثل يوناني يقول: "إن الحاجة هي أقوى الأشياء لأنها تدفع صاحبها لاقتحام الأهوال". ويبدو أن اليونانيين بالفعل قد اقتحموا الأهوال وعثروا على أهوالٍ أكبر قد تقودهم إلى عالمٍ مجهول مليء بالأهوال أيضاً!
هناك مثل يوناني يقول: "إن الحاجة هي أقوى الأشياء لأنها تدفع صاحبها لاقتحام الأهوال". ويبدو أن اليونانيين بالفعل قد اقتحموا الأهوال وعثروا على أهوالٍ أكبر قد تقودهم إلى عالمٍ مجهول مليء بالأهوال أيضاً!
ولمن لم يفهم بعد ما الذي يجري في اليونان وما حولها سأطرح مثالاً للتبسيط.
ماركوس رجل ذو ثقافة عالية وله حضارة كبيرة ضاربة في جذور التاريخ، تعرّض السيد ماركوس لضائقة مادية عابرة، فاستدان من أصدقائه وشركائه مارك وجوبيه، وغيرهما من أحبائه وجيرانه؛ ولكن ماركوس أوقعه حظه السيء في مشاكل مالية أكبر، إذ أن السوق هذه الفترة تعرض لهبوط حاد، فلم يستطع تعويض خسائره وتعثّر في سداد أقساط ديونه، فاستدان مرةً أخرى من أصدقائه القدامى بفوائد أكبر، واستدان أيضاً من صديقه سام، ولكن الجميع هذه المرة شدّد عليه بشروطٍ فيها تقشُّف كبير على بيت ماركوس.
بدأ ماركوس يُطبق هذه الخطط التقشفية على بيته، ووجد معارضة شديدة وتذمُّر من زوجته وأبنائه الذين لم يَعد بوسعهم التمتع برغد من العيش القديم، وأصبح لزاماً عليهم الاقتصاد في كل شيء، وترك الكثير من الأمور التي كان فيها شيء من الرفاهية، وأصبح شراء الضرورات فقط هو حال البيت.
ثم بدأت الأهوال تلوح في الأفق؛ ماركوس بدأ يتعثّر مرةً أخرى وتراكمت عليه أقساط الديون الجديدة مع فوائدها المركبة، مع أقساط وفوائد الديون القديمة، وأصبح من الواضح أنه لو سدّد ما عليه من أقساط وفوائد لن يتبقى له شيء ليأكل منه، شعر الأصدقاء والشركاء بخطورة الموقف؛ فلو فشل ماركوس في سداد ما عليه، فهذا يعني تأثر تجارتهم بشكلٍ كبير، إذ أنهم أقرضوه من صناديقهم الخاصة، ولو لم يُعِد هذا المال فستتعرض تجارتهم لخسارة كبيرة، وقد يؤدي هذا كذلك لأن يفقد العملاء ثقتهم وسيؤدي هذا حتماً لزيادة الموقف تأزماً، فلم يَعد أمام الأصدقاء والشركاء من بد إلا هيكلة ديون ماركوس مع حزمة أخرى من الديون على أمل أن ينهض ماركوس من كبوته ولو بعد حين حتى يُسدّد ما عليه.
علم أهل ماركوس بما سيقدُم عليه؛ فاعترضوا عليه بشدة وثاروا واتهموه بأنه لا يحسن إدارة شئون المنزل، وأن الخطة الجديدة ستؤدي إلى خطط تقشفية أضعاف الخطة الأولى، وحدث خلاف عائلي كبير، فما كان منه إلا أن قال لهم أنتم أحرار، إذا أردتم أن أرفض هذه المساعدة فهذا يعني انتهاء شراكتي مع أصدقائي، ويعني أني سأعود كما السابق بائعاً صغيراً، لا يأبه له أحد في السوق، ما رأيكم؟ قرِّروا أنتم مادمتم تُصِرّون على أني مخطئ.
حين علم الأصدقاء بما حدث في بيت ماركوس ثاروا واجتمعوا بعد شعورهم بالخطر، ماذا لو قرّر أهل ماركوس أن يفرضوا فك الشراكة على عكس رغبتهم بدون دفع ما عليهم؟
واختلفوا فيما بينهم؛ إذ إن مارك يرى أنه أكبر من يتحمّل تبعات مشاكل ماركوس، وأن ماركوس إن لم ينجح هذه المرة سيقودهم لمشكلةٍ أكبر بكثير، وأن خروجه الآن أفضل بكثير من خروجه لاحقاً، ولكن في النهاية أجمع الأصدقاء على وجوب الضغط على ماركوس لكي لا يستمع لرأي أهل بيته وأن يمضي في طريقه.
ولكن هل سيتخلص ماركوس حقاً من مسلسل الأهوال التي دخلها وأدخل معها غيره؟
مع العلم أن هناك عقبات أخرى وهي أن الأصدقاء الأوفياء قد استدانوا من بعضهم أيضاً! ولو لم يُسدِّد ماركوس يوماً ما؛ لن يستطيعوا أن يُسدِّدوا هم أيضاً؟
والآن في عالمنا الرأسمالي الجديد الجميع مديون، والجميع دخل في الحلقة المفرغة! وبمجرد تعطُّل البعض في هذه الحلقة سيتعطّل البقية تِباعاً.
يتبع...
عبد الرحمن فرج
- التصنيف: