طهران شرطي الشيطان الأكبر!
يجري في الوقت الحاضر تسويق الإعلان عن الزيجة "الأمريكية - الإيرانية" بكثير من الإرتباك لدى الجانبين، فواشنطن دأبت على وضع طهران على رأس محور الشرّ، وإيران الصفوية لا تصف أمريكا بأقل من "الشيطان الأكبر"!
يجري في الوقت الحاضر تسويق الإعلان عن الزيجة "الأمريكية - الإيرانية" بكثير من الإرتباك لدى الجانبين، فواشنطن دأبت على وضع طهران على رأس محور الشرّ، وإيران الصفوية لا تصف أمريكا بأقل من "الشيطان الأكبر"!
فكيف تذوب ثلوج ثلاثة عقود من العِداء الشديد -نظرياً- في سويعات، بالرغم من استمرار التناقض بينهما بل بلوغه الذروة -نظرياً كذلك- في الملف السوري، حيث تخوض الخمينية حرب وجود هناك، وحيث يصر أوباما على حتمية تنحّي صبي طهران بشار الأسد؟
يسعى الأمريكيون إلى تصوير ما جرى على أنه بداية تفاهم محدود حول الملف النووي الإيراني، لكن المتظاهرين السوريين الشجعان، التقطوها بذكاء ولماحية فرفعوا في أكثر من مظاهرة لافتةً كتبوا عليها ساخرين: مبارك زواج أمريكا وإيران على مهرٍ معجَّله دماء سوريا ومؤجَّله موت السوريين -يُمنع دخول العرب إلى صالة الأفراح-!
الحقيقة أن عنصر المفاجأة في شهر العسل المباغت؛ ليس سوى جهر الطرفين بعلاقةٍ حميمة وإلغاء طابع التكتم الشديد الذي طبعها كل تلك السنين. وكل ما في الأمر أن الحاجة إلى السرية انتفت وأصبح الإعلان عنها تحصيل حاصل.علماً بأن الأمر يظل مفاجأة في نظر المنخدعين بالضجيج الإعلامي الزائف على الضفتين، وهو ما يستدعي التذكير بحقيقة التحالف العميق بين الطرفين.
قبل أربع وثلاثين سنة؛ كان العالَم على موعد مع مشهدٍ متقَنٍ ومدروس، لإطلالة الخميني العائد بطائرة فرنسية، حتى يتسلم قيادة ثورة لم يصنعها، من منفاه الباريسي الأنيق؛ وإنما صنعتها الطبقة الوسطى المتبرمة من ظلم الشاه وصلفه، وشاركت فيها قوى السوق الساخطة على الفساد المتفشي، ثم ركبها الملالي بزعامة خميني ورعايةٍ غربيةٍ مريبة، حيث كان لجوء الرجل إلى فرنسا في حدّ ذاته موضع شك، فكيف وقد سُمِح له بنشاط سياسي لا يتاح عادة للاجئين السياسيين؟!
وعندما استبدّ خميني بمقاليد إيران؛ شن حرباً ظالمةً على العراق لتصدير ديانة الرفض بالقوة، وفي أثنائها مالت الكفة لمصلحة الجيش العراقي، فاستاءت واشنطن وخشيت على حليفها الخفي، لكن تركيبة المسرحية تمنع أمريكا من نجدة "عدوها" المزعوم، لكنها عثرت على حل استخباراتي من خلال صفقةٍ سريةٍ انتهت بوصول قطع غيار وأسلحة وعتاد من الكيان الصهيوني إلى خميني. وافتُضِحَت الصفقة التي اشتهرت باسم "إيران جيت" أو "كونترا جيت".
كنا إذاً أمام نفاق متفقٌ عليه بين طرفيه: العِداء الشديد لفظياً وإعلامياً، والتنسيق التام من تحت الطاولة. وهذه الطريقة ابتكرها الإنجليز منذ مئة سنة ونفذوها مع أتاتورك، ثم تلقفها الأمريكيون فطبقوها في أكثر من مكان، وسجّلت نجاحاً مخيفاً في مصر الناصرية وسوريا البعثية!
وتجلى هذا الحلف السري في أقبح عقدة فيه؛ حيث تجمعت أحقاد الجميع لتأسيس حلف أقليات يحقق للكيان الصهيوني حماية استراتيجية لا تتأثر بتقلبات الظروف وتبدُّل المعطيات. وكانت سوريا التي سلّموها إلى النصيري حافظ الأسد ملتقى تلك الخيوط حيث جرت التعمية على الحضور المجوسي الجديد، تحت راية "ممانعة" و"مقاومة" ليس لها على الأرض من نصيب، سوى ضرورة تدمير لبنان لكي يتسنى لحزب اللات الإيراني الإمساك بزمام هذا البلد، فتُصبِح الدولة الصفوية دولةً متوسطيةً لأول مرة في تاريخها، وهو حلم كان يراه الأكاسرة سراباً.
فإذا فوجئ العوام بانهيار خرافات العِداء بين اليهود والصليبية العالمية من جهة ودولة المجوسية الجديدة من جهة أخرى؛ فما عذر كثير من الساسة وصانعي القرار، الذين استمروا في المراهنة على علاقات الحب مع أمريكا فتبين أنها من طرفهم فحسب، حتى إنهم لم يستيقظوا في السنتين الأخيرتين عندما بات واضحاً للعيان أن أمريكا ترعى ذبح الشعب السوري، وأنها سوف تُقدِّم سوريا للملالي الحاقدين، مثلما قدَّمت لهم من قبل: العراق كلياً وأفغانستان جزئياً؟
ألم يلعب مستشارو السوء دور التعمية والتضليل عن خيانة متعمدة؟
أسئلة يجب البحث عن إجاباتٍ صادقةـٍ وموضوعيةٍ لها، حتى في مثل هذا الوقت المتأخِّر، حيث أصبح تغيير دِفة السفينة أمراً بالغ الصعوبة.
فأن نصحو متأخرين خير من الاستغراق في أحلام يقظة ثبت أنها أضغاث أحلام، والسكّين غدت قريبة من أعناق الجميع. إلا بيقظة عاجلة وحاسمة تكبح جماح المخطط الاستئصالي الذي سبق أن ابتلع بلاد فارس بالحديد والنار، وأنهى أكثريتها السنية الراسخة منذ الفتح الإسلامي.
ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد.
- التصنيف:
- المصدر: