لبّيك اللهمّ لبّيك

منذ 2013-10-12

هاهي مكة المباركة تأتلق فرحاً بهذه الليالي البهية، وهاهوالبيت العتيق منارة توحيد شامخة تغمر الكون بنورها، وهاهي القلوب الوافدة على بيت الله تهتف بكل مشاعرها الفياضة «اللهم زِدّه شرفاً وتعظيماً ومهابة» [رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (6/81)].

 

أروقة المدينة المنورة يهزها فرحاً ذلك الخبر الذي أذِن به في الناس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجّ هذا العام، وتتسابق القلوب بالنيات، وتسري حركة دائبة بين الصحابة رضوان الله عليهم، يتاهّبون لصُحبة الحبيب في رحلته المباركة إلى البيت العتيق، كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعمل مثل عمله، وتغصّ ساحات المسجد النبوي وماحولها بالمؤمنين، ينتظرون انطلاقة الركب الطيب إلى الرحا? الطيبة، في رحلة حجة الوداع، وتمضي الجموع خلف نبيها الكريم حتى تنتهي إلى موضع الإحرام، عند ذي الحُليفة، فاحرَموا لربهم، وانطلقت الحناجر الطاهرة بالإهلال لربّ العالمين، "لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك"، تلبية تحملُ كل معاني التوحيد والرضى والشكر، على نعمة التوحيد والإنقياد التام لأمره سبحانه.

وهاهي مكة المباركة تأتلق فرحاً بهذه الليالي البهية، وهاهوالبيت العتيق منارة توحيد شامخة تغمر الكون بنورها، وهاهي القلوب الوافدة على بيت الله تهتف بكل مشاعرها الفياضة «اللهم زِدّه شرفاً وتعظيماً ومهابة» [رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (6/81)]، تصطف خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم لتأخذ عنه مناسك الحج المبرور، ويستلم النبي الحجر، ثم يطوف بالبيت سبعاً، ثم يأتي المقام ويقف فيه قائلاً: {وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: من الآية 125]، ويُصلّي ركعتين يقرأ فيهما {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1]، وفي الثانية {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1]، كلمات توحيد أبدية غرست في قلوب المسلمين، لا يقبلون غيرها ولا يقبل منهم غيرها، كلمات أُمِرَت أمة الإسلام أن تُقاتل الناس عليها، حتى يقولوها، فمن قالها فقد عصم نفسه ودمه، ومن خالفها، فبيننا وبينه شرع الله نحكم فيه بما أمر سبحانه، لا نزيد على ذلك ولا ننقص شيئاً.

وتتابع الصفوف المؤمنة خلف نبيها صلى الله عليه وسلم إلى المسعى، ويبدأ الحبيب من الصفا قائلاً نبدأ بما بدأ به الله {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: من الآية 158]، ويرنو النبي إلى البيت من الصفا، ثم يُكبِّر ويحمد الله بما قدر عليه، في تأكيد للأمة إلى آخر الزمان، أن هذه الشريعة بأدقِّ تفاصيلها هي شريعة الله، وأنه صلى الله عليه وسلم قد اتبعها، وأننا لن نكون مسلمين بحق إلا باتباعها، سبعة أشواطٍ على امتداد المساحة بين الصفا والمروة، يغدو فيها ويروح من اختار الله لهم الحج، وهم يملأون جنباتِ الكون تكبيراً وتحميداً وتنزيهاً وتمجيداً لربهم سبحانه، وقد امتنّ عليهم بأقرب القرب، وأطيب الأحوال، وأقامهم هذا المقام بين يديه، وقد خلّفوا خلفهم قلوب مشتاقة للبيت العتيق، وأرواحاً تواقةٌ للرضى، لم يُقدر لها الله الزيارة فنُصِبت الأقدام قياماً في الليل، وأظمئت النهار صياماً، وأحرمَت عن الذنوب، وأكثرت من التلبية والتكبير والتهليل وصالح الأعمال، راجية أن تنال درجات الرضى والقبول، في مشاركتها أهل الحج عبادتهم، وما تُردِّده ألسنتهم، نوماً تعتلج به جوانحهم من إشراقات القرب، وتجليات الرحمة، وآمال القبول.

لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
 

 

رقية القضاة
 

  • 0
  • 0
  • 2,245

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً