تجدد المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية بعد انقلاب مصر
فجأةً ومن دون مقدمات؛ انطلقت المفاوضات بين الصهاينة والسلطة الفلسطينية مباشرةً عقِب الانقلاب العسكري الذي شهدته مصر وأطاح بالرئيس المنتخب المدني لأول مرةٍ محمد مرسي، وكأن هذا التزامن حمل في طياته الكثير من الدلالات السياسية الخطيرة.
فجأةً ومن دون مقدمات؛ انطلقت المفاوضات بين الصهاينة والسلطة الفلسطينية مباشرةً عقِب الانقلاب العسكري الذي شهدته مصر وأطاح بالرئيس المنتخب المدني لأول مرةٍ محمد مرسي، وكأن هذا التزامن حمل في طياته الكثير من الدلالات السياسية الخطيرة.
كما أن هذه المفاوضات السياسية التي ستناقش ملفات ثقيلة العيار تخص الصراع الفلسطيني - الصهيوني، ما يجعلها تحمل معها مخاطر جمة؛ خصوصاً أن الطرفين لم يتمكَّنا من التوصل إلى اتفاق إطار حول المشاكل العالقة بينهما، مثل حدود العام 67، وتبادل الأراضي بشكلٍ متفقٌ عليه.
وفي حين رفضت السلطة الفلسطينية التعهّد بالموافقة على الطلب الصهيوني بالاعتراف بيهودية الكيان، علاوة على عدم التوصّل لاتفاق حول تجميد الاستيطان؛ فإن الموافقة الصهيونية على إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين الذين تمت محاكمتهم قبل اتفاق أوسلو؛ كانت بالنسبة لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس نقطة مفصلية ساعدته جداً في الموافقة على العودة للمفاوضات بعد توقف استمر ثلاث سنوات.
كما أن ما يجري في واشنطن ليس عملية تفاوضية، إنما محادثات لتهيئة الفرصة للمفاوضات بين الطرفين في ضوء أن العديد من العقبات ما زالت موجودة، مثل: توقف الاتفاق على الأجندة، وترتيب المفاوضات، والمطالبة الفلسطينية بأنْ تكون مبادرة السلام العربية أساساً للمفاوضات، علاوة على أن كل طرف يُفسّر أقوال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بالطريقة المريحة له، الأمر الذي قد يؤدي لإفشال المفاوضات.
مع العلم أن هناك جملة من الأسباب الرئيسة التي دفعت بإسرائيل والسلطة الفلسطينية للموافقة على تجديد المفاوضات، يمكن حصرها في النقاط التالية:
- خشيتهما من قيام الولايات المتحدة الأمريكية والمجتمع الدولي باتهامهما بأنهما يرفضانها، وبالتالي عليهما تحمّل عواقب هذا التعنت والرفض.
- الانقلاب الذي وقع في مصر، وأوصل العسكر المصريين الموالين للسياسات الأمريكية في المنطقة؛ اعتبره الجانبان فرصة تاريخية قد لا تتكرُّر بعد إزاحة الرئيس الإسلامي عن سدة الحكم.
- قرار الاتحاد الأوروبي مقاطعة البضائع والمنتجات التي مصدرها المستوطنات المقامة في الضفة الغربية المحتلة.
هذه كلها من أهم العوامل التي دفعت الحكومة الإسرائيلية للموافقة على العودة للمفاوضات، خلافاً للادعاءات الرسمية بأن قرار الاتحاد الأوروبي أعاق تقدم العملية السلمية، فإن القرار سرّع في العودة لطاولة المفاوضات، ذلك أن إسرائيل قلقت قلقاً كبيراً من اتساع عملية نزع الشرعية عنها نتيجة صورتها في العالم بأنها رافضة للسلام.
كما أن السلطة الفلسطينية تعرّضت لتهديدات من قبل الولايات المتحدة الأمريكية بوقف المساعدات المالية إذا واصل عباس الرفض، وبموازاة ذلك فإنّ التأييد الكبير الذي منحته الجامعة العربية له كان سبباً مركزياً لموافقته على العودة للمفاوضات؛ لأنّ الجامعة العربية وفرت له غطاء إقليمياً لخطوات خطيرة أعقبت الانقلاب في مصر.
مع العلم أنّ وفد الجامعة العربية الذي التقى كيري في عمان شدد على أنّ المفاوضات على أساس حدود العام 1967م، وهو البند الوارد في المبادرة العربية، ويشمل تبادل الأراضي من ناحية المساحة والجودة بشكل متفق عليه مع الصهاينة. ومن غير المستبعد بتاتاً أنْ يكون الانقلاب الذي أطاح بحكم الإخوان المسلمين في مصر اعتقد البعض أنه أضعف حركة حماس التي عوّلت على الدعم المصري، ما دفع عباس للاعتقاد بأنه بات أقوى من ذي قبل من الناحية السياسية، دون الخوف من دفع أثمان في الشارع الفلسطيني بسبب عودته للمفاوضات مع إسرائيل.
كما أنّ الطرفين الصهيوني والفلسطيني على علم ودراية بأن الفجوات بينهما في المواقف كبيرة جداً، وبالتالي بالنسبة لكل منهما لا يوجد أي أمل في أن يوافق الجانب الثاني على اتفاق يجلب الحد الأدنى من شروطه؛ ولذلك فإننا أمام عاملين مركزيين: الأول أن الطرفين لن يجتهدا بالمرة خلال المفاوضات بهدف إنجاحها، بل إن جلّ اهتمامهما سيكون قبالة اللاعب الأمريكي، إذ إن كل طرف من الطرفين سيُحاول إقناع كيري ومستشاريه بأن الطرف الثاني متهم بإفشال المفاوضات، وهذا الأمر يُنتج تلييناً في المواقف، لكن من الصعب التصديق بنجاح المحادثات في الوقت الذي لا يريد فيه الوسيط الأمريكي أكثر من الطرفين بنجاحها.
كما أنّ تحديد الفترة الزمنية بتسعة أشهر سيعطي للطرفين، وبالأخص الطرف الإسرائيلي، الفرصة للتفاوض من أجل التفاوض ليس إلا، وليس من أجل التوصّل لاتفاق؛ ذلك أن من وافق على المدة الزمنية ليس قادراً على تفجير المفاوضات، وهذا الأمر من شأنه أنْ يزيد بأضعاف عدم ثقة الجمهور من الجانبين بالمفاوضات، وبالتالي فإن تداعيات هذا الأمر ستكون تأجيل الأزمة بينهما.
كما أنّ إحدى الطرق لمنع الأزمة التفاوضية المرتقبة مع نهاية الأشهر التسعة، أنْ يتوصّل الطرفان إلى اتفاق بأنهما لن يتفاوضا فقط على الاتفاق النهائي بينهما، إنما على الخطوات الانتقالية للاتفاق النهائي؛ ولذلك فإنّ هذه الخطوات تشمل تحسين وضع الفلسطينيين، وتقويتهم من الناحية الاقتصادية؛ بهدف إنشاء البنية التحتية لدولتهم المستقبلية، وتقوية الاقتصاد الفلسطيني.
وبالتالي، قد يتم ذلك عن طريق منحهم المزيد من الصلاحيات، والمزيد من الأرضي التي تكون تحت سيطرتهم الكاملة، وأنّ اتفاقاً من هذا القبيل سيمنح الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي الفرصة لمواصلة المحادثات، والفرصة أيضاً لتقديم إنجازات أمام شعبيهما.
مضافاً إلى ما ذُكر آنفاً؛ فإنّ الاتفاق على القاعدة لبدء المحادثات بين الطرفين لا يُشكّل خطراً على الائتلاف الحكومي في إسرائيل؛ ذلك فإن الطرف اليميني في الحكومة الصهيونية، مثل البيت اليهودي، لن يترك الائتلاف الحاكم؛ لأن زعماء الحزب الديني يؤمنون بأن المحادثات في واشنطن لن تجلب شيئاً، لكن من المحتمل أن تنشب خلافات داخل الائتلاف على خلفية المواقف الإسرائيلية التي توصف بـ المهادنة خلال الأشهر التسعة.
لكن حتى هذه الخلافات الصهيونية الداخلية لن تؤدي بأي شكل من الأشكال إلى تهديد الائتلاف الحكومي برئاسة بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء؛ ذلك أن أحزاب المعارضة وعدته بمنحه الدعم من الخارج في حال ترك البيت اليهودي الائتلاف، كما أن المعارضة الداخلية لـ نتنياهو داخل حزبه الليكود لن تتمكن من العمل ضده؛ لأنها لا تملك بديلاً له.
وبالتالي فإن الطرف الصهيوني لا يُمكنه بأي شكلٍ من الأشكال الادّعاء أمام أمريكا والمجتمع الدولي بأنه لا يمكنه التفاوض بشكلٍ فعال مع الفلسطينيين بسبب الاعتبارات الداخلية الصهيونية.
عدنان أبو عامر
- التصنيف: