المحكمة الطائرة دليل على كون مصر محتلة!
إن في يوم الثلاثاء 29/10/2013م نسمع علانية في واشنطن لجنة الشؤون الخارجية تبرر وجوب تقديم العون لقوى الانقلاب في مصر بعدة أشياء أبرزها ما قاله (تواضرس) لسفيرتهم أن مرسي كان يحرق الكنائس! يعني أنه يشكل خطراً على المصريين الأقباط من قبل مصريين إخوان! فيتوجب تدخل نصارى أمريكا والغرب ضد هذا الخطر الداخلي على مصريين من مصريين.
قال الجنرال الإيطالي (غرستياني): "إن عمر المختار وجنوده خاضوا ضد إيطاليا 263معركة خلال 20 شهراً".
بدأت القصة بعدما فتحت إيطاليا فروعاً لبنك [دي روما] في طرابلس وبني غازي الليبييتين، وأتاحت له العمل على إعطاء الأهالي قروضاً ربوية مجحفة أثقلت كواهل الليبيين وعرضت أملاكهم ومزارعهم للمصادرة بعدما رهنوها مقابل تلك الديون! وبالتالي قامت بتشجيع الإيطاليين على الهجرة إلى ليبيا والعمل على مشاريع متكاملة مع عمل بنوكها الربوية المجحفة لليبيين.
زاد عدد أفراد الجالية الإيطالية وزاد نفوذ الحكومة الإيطالية أيضاً في ليبيا، وبدأ العد التنازلي لانتظار ساعة الصفر لاحتلال ليبيا إيطاليّاً، وبالفعل أقبلت سنة 1911م فأعلنت إيطاليا أن الأمن ليس كافياً لحماية مواطنيها الذين اتخذوا من ليبيا مفرخاً لأموالهم الربوية ومشاريعهم المرتبطة، قالت إيطاليا: إن مواطنينا في ليبيا يتعرضون للاضطهاد من الموظفين العثمانيين في طرابلس وبني غازي وبرقة، وأنهم يحرضون الأهالي ضد الأوربيين! زاعمين أيضاً اختلال الأمن وعجز الولاة العثمانيين عن حماية المستوطنين الأوربيين وممتلكاتهم!
وفي يوم السادس من شوال سنة 1329هـ الموافق 29/11/1911م أعلنت إيطاليا الحرب على تركيا ووجهت أسطولها لحصار طرابلس، واستمرت إيطاليا في احتلال المدن الليبية بعد مواجهات عنيفة مع الحامية التركية حتى وصلت إلى بني غازي، فواجهت قوات من المجاهدين السنوسيين كما فوجئت بالقوات العثمانية المنسحبة من طرابلس وهي تقوم بهجوم مضاد على القوات الإيطالية في طرابلس، وخلفها أيضاً قوات هائلة من المجاهدين الليبيين فتكبد الإيطالييون خسائر فادحة لم تكن في الحسبان، فأخذت عمليات الطليان شكل الثأر والانتقام!
فهل تدري ماذا فعلوا؟
- أولاً: صدرت أوامرهم بإخلاء الشوارع وإطلاق النار على كل كائن يتحرك!
- ثانياً: لكي يوفروا طلقاتهم النارية استخدم الطليان حرابهم في ذبح الأهالي، بل ذبح النساء والأطفال!
- ثالثاً: استخدام الحجارة في تهشيم رؤوس المخالفين حتى من النساء والأطفال!
فحدثت في طرابلس مجازر يصفها المؤرخون بكونها رهيبة لإرغام الأهالي على التسليم للقوات الإيطالية، فلا تفاهم إلا بالسلاح!! هذا أصبح منطق الطليان مع أهل ليبيا.
وفي 5/11/1911م صدر المرسوم الإيطالي بوضع طرابلس وبرقة تحت السيادة الإيطالية، أخي في الله كل هذه المجازر كانت ضد أهل ليبيا لأجل حماية الجالية الإيطالية الأقلية ذات النفوذ في ليبيا لما لم تقدر الحامية التابعة للخلافة العثمانية على توفير الأمن لها كذباً وزوراً، بل هو مخطط مسبق لاحتلال ليبيا طمعاً في خيراتها وموقعها ضد فرنسا، وحدث ما حدث نتيجة لهذه الأكذوبة.
وإذا بنا يوم الثلاثاء 29/10/2013م نسمع علانية في واشنطن لجنة الشؤون الخارجية تبرر وجوب تقديم العون لقوى الانقلاب في مصر بعدة أشياء أبرزها ما قاله (تواضرس) لسفيرتهم أن مرسي كان يحرق الكنائس! يعني أنه يشكل خطراً على المصريين الأقباط من قبل مصريين إخوان! فيتوجب تدخل نصارى أمريكا والغرب ضد هذا الخطر الداخلي على مصريين من مصريين.
أضف إلى ذلك كون حكم مرسي كان يشكل خطراً على إسرائيل، وأن السيسي هو الحليف الذي ما مثله مثل في حماية أمن إسرائيل، هذا وما نعيشه من مجازر هذه مسوغاتها ليس ما قاله السيسي: "إن الشعب لم يجد من يحنو عليه"، إلا إذا أراد بهذا الشعب تأكيد أكذوبة (تواضرس) قبل أن ينطق بها وإن كان قد تكلم بها مراراً وتكراراً ونحن في سبات عميق، وأيضاً إن كان يقصد بهذا الشعب هذه الفئة من رجال الأعمال وعبيدهم الذين مصوا دماء المصريين سواء كما فعل رجال الأعمال الطليان بأهل ليبيا.
إذاً فماذا عن المحكمة الطائرة؟ المحكمة الطائرة أبرز ما حدد معالم الاحتلال الإيطالي لليبيا في غلاف العدالة والقضاء الشامخ ورغبة إيطاليا في تقرير مبدأ العدل في ليبيا أعني العدل في لباس الاحتلال! ظلت إيطاليا تعمل في الخفاء لإرغام الخلافة العثمانية على التنازل عن طرابلس، حتى جاءت الفرصة واحتلت إيطاليا بعض جزر بحر إيجه قبيل الحرب العالمية الأولى، فاضطرت تركيا لتوقيع معاهدة [لوزان] التي للأسف نصت على انسحاب تركيا من طرابلس وبرقة مقابل انسحاب إيطاليا من جزر إيجه التركية! وفي غياب الخلافة التي يجاهد المجاهدون الليبييون تحت لوائها ظهرت ولاحت بوادر جهاد شبيهٍ بجهاد السلف الصالح في صحة العقيدة ووضوح الهدف واسترخاص كل شيء في سبيل أن تكون كلمة الله هي العليا، ظهرت أولاً: الحركة السنوسية، وكانت موجودة قبل ذلك في ظل الخلافة العثمانية في ليبيا، ولكن بعد معاهدة لوزان بدأت في التحرك الحر الجهادي السلفي النقي ضد الطليان المحتلين لليبيا، أثمر هذا الجهاد عن نصر نسبي معبراً عنه بما عرف بـ: [اتفاق الرجمة] سنة 1920م، اعترفت إيطاليا بموجبه بالحكم الذاتي في جنوب برقة للأمير إدريس السنوسي، وبالإمارة الوراثية له، وباحترام الشعائر الإسلامية والثقافة العربية على كافة الأراضي الليبية، وتعهدت بالمساعدات الاقتصادية لليبيا مقابل حل التنظيمات الجهادية العسكرية في ليبيا، كل هذا رغبة من إيطاليا أن تتخلص من الجهاد الإسلامي في ليبيا، ولكن بخبث من الإيطاليين فتحت إيطاليا باب الهجرة الإيطالية الواسعة لليبيا بهدف تحويلها إلى مستعمرة إيطالية.
أيقظ هذا الحراك الإيطالي الحركة الجهادية السنوسية من جديد، فأوقفت حل التنظيمات الجهادية العسكرية ودعت إلى مؤتمر [غريان] 1922م، الذي قررت فيه القبائل الليبية توحيد ليبيا بأقسامها تحت زعامة الأمير محمد بن إدريس السنوسي للاعتراف الدولي بها بعد إعلانها دولة مستقلة، فوصل إلى الحكم [موسوليني] زعيم الفاشية ثاني أشرس الساسة الاستعماريين في أوربا، أعلن موسوليني عزمه على إسكات أي صوت يدعو لاستقلال ليبيا، فأعلن موسوليني ليبيا مستعمرة إيطالية، وألغى موسوليني [اتفاق الرجمة]، وأعلن موسوليني عدم الاعتراف بمحمد السنوسي أميراً لليبيا، وأكد موسوليني عزمه على القضاء على المقاومة الليبية!
أخي في الله ما أشد مصيبة أهل ليبيا أمام هذا الفاشي الذي ألغى اتفاقية وعزل أميراً ودمر دولة ناهضة، ولكن لما صدق أهل ليبيا مع الله منَّ الله عليهم بمجاهد محنك رص صفوف الليبيين رُشح للزعامة بعد رحيل السنوسي، إنه المجاهد الصلب [عمر المختار]، تميزت قيادة عمر المختار بالوعي الكامل بما يدور في رأس عدوه، مع تمتعه بالروح الجهادية العالية التي زرعها بدوره في قلوب رجاله، كان عمر المختار مع دقته في التنظيم يحضر بنفسه المعارك مع رجاله المجاهدين، ويديرها بحماسة الشباب المصقولة بخبرة الشيخ المجاهد، استمرت المقاومة الليبية تسع سنوات، هذا الجهاد العظيم لم يضعف أمام وحشية موسوليني المستعمر المستبد الذي انتقم من الأطفال والشيوخ، ولم يرحم النساء، وعامل العُزَّل بوحشية، وأحرق القرى وأغلق الحدود وقطع الإمدادات وضرب واحة [الكفرة] بوحشية بالغة! ضربها بالطائرات وقضى على آلاف السكان وفعل وفعل.
ثم ظهر ما يسمى لأول مرة في التاريخ ما يسمى بـ: [المحكمة الطائرة]، التي ينتقل فيها القضاة إلى حيث أماكن الاعتقال في سابقة لم يشهد مثلها التاريخ، وذلك عندما أنشأ موسوليني ما يسمى بمعسكرات الاعتقال في طول البلاد وعرضها لكل من يشتبه بتعاطفه مع الثورة الليبية سواء رفع شعاراً أو شكّوا في مشاركته بالفعل أو الدعم للمجاهد الشيخ عمر المختار.
كانت المحكمة الطائرة من قضاة التحقيق والمنصة تنتقل من مكان لآخر فتشترك في محاكمة الأبرياء من المواطنين الذين لا تستمر محاكمتهم أكثر من خمس دقائق، وتصدر أحكامها إما بتجديد الاعتقال أو الإعدام الذي ينفذ في الحال! كيف ينقلون كل هذه الأعداد من المعتقلين إلى أرض المحكمة العادية في ظل هذه الثورة العارمة تحت قيادة لا تعرف اليأس تقود شعباً لا يعرف الهزيمة المضعضعة الموهنة لعزمه؟!
إذاً أصبح الهدف الرئيسي للقيادة العسكرية الإيطالية الفاشية هو رأس المقاومة عمر المختار الذي أقلقهم بصموده حتى قال الجنرال الإيطالي [غرستياني]: "إن عمر المختار وجنوده خاضوا ضد إيطاليا 263 معركة خلال 20 شهراً"، حتى ألقى غرستياني بعد مرارة وغصص القبض على المجاهد عمر المختار الذي لم يرحم الطليانُ سِنَّه مقيداً بالحديد، وقد تجاوز الثمانين من عمره، لقد نقلوا عمر المختار في هذه المرة إلى المحكمة في بني غازي عندما كانت تنتقل المحاكمات إلى أتباعه، وقف عمر المختار شامخاً أمام هيئة المحكمة موضحاً لهم أنه مجاهد مسلم وأن رجاله ليسوا عصابات ولا قطاع طريق، وإنما هم مجاهدون صادقون يبحثون عن الشهادة وأنهم أصحاب حق يسعون لتخليص بلادهم من الأجانب الذين جاءوا وجاءت إيطاليا بزعمها لحمايتهم!!
هذه كانت القصة بدأت بقول القائل الكاذب: "نحن أقلية مضطهدة تحرق كنائسنا"! عفواً بدأت بقول القائل: "إننا أصحاب المال الفاسد مهددون"، عفواً بدأت لما زرعت إيطاليا جرثومة صهيونية، عفواً عفواً جرثومة من رجال المال والأعمال يتوجب على إيطاليا الغرب حمايتهم! حماية من من؟ وهل من طارت إليهم المحكمة لا يستحقون الحماية أم أنهم ليسوا بشراً؟! عفواً سيدي عمر نسيت أن أخبر القارئ أن الفاشي أعدمك!! سيدي عمر لقد وقفت إيطاليا بقدر الله مع ألمانيا ظناً منها أنها الأقوى ضد الحلفاء فتغيرت المعادلة، وكُسِرت إيطاليا التي حاربتك على يد بني جلدتها واستقلت بلدك في 1950م، وما زالت تذكرك حتى أصبحت أنت رمز جهادها إلى يومنا هذا وإلى يوم أن نلتقي بك عند أحكم الحاكمين، العالم بكل شيء القادر على كل شيء، العادل في كل شيء!
إن مصر محتلة!
إيهاب عدلي أبو المجد الرفاعي
- التصنيف: