إليكِ يا نفسي (رسالة مع بداية العام)

منذ 2013-11-06

يراسل الناس بعضهم بعضاً هذه الأيام بمناسبة نهاية العام الهجري بطلب المسامحة والتهنئة، ولكنني آثرتُ أن تكون الرسالة لي؛ ليقيني أن أحق النفوس بالنصح نفسي، وأولاهم بالصدق ذاتي..


يراسل الناس بعضهم بعضاً هذه الأيام بمناسبة نهاية العام الهجري بطلب المسامحة والتهنئة، ولكنني آثرتُ أن تكون الرسالة لي؛ ليقيني أن أحق النفوس بالنصح نفسي، وأولاهم بالصدق ذاتي، فخاطبتها بأصدق العبارات وأنصحها:

يا نفس: هذه الأعوام والشهور والأيام تتفلت من بين يدي سريعاً، ولو تأمِّلتيها بعين النصح واليقين لأصبحتِ غير مصدقة لسرعتها، ولا مستيقنة بمضيها.

آلا تذكرين -يا نفس- بداية هذا العام الذي انصرمت أيامه، وتقوضت ساعاته، كيف مرّت سريعاً كأن أول يوم فيها قد ابتدأ للتو، وإذا به عام قد انقضى من عمري كنتِ قد خلفت قبله أعواماً.

يا نفس: لو كنتِ تعقلين، وعلى الواقع تشهدين لعرفتِ حقيقة الدنيا وأنها لحظات، سرعان ما تزول وتتفلت لحظاتها من أيدينا، فهذه السنوات التي من مضت من عمري ذهبت لمح البصر أوهي أسرع، وانقضت من عمري دون أن أشعر.

كم عمركِ اليوم عشرون أو ثلاثون أو قد بلغتِ الأشد وهو الأربعون وأخشى أنكِ قد قربت الخمسين أو ربما حطيتِ رحالكِ عند معتركِ المنايا وبلغتِ الستين، بالله يا نفس أليست قد مرّت سريعة؟ وانقضت مهرولة هرولت فظيعة؟

يا نفس: قد غرتكِ الأماني، وسوّلت لكِ أمَّارتي بالسوء أن مهلة الانتهاء من دنياي بعيدة، وساعة رحيلي منها غير قريبة، فلعلي أحاكمكِ لما لا تستطعين إنكاره:

ألم تقبرِ -يا نفس- قريب أو صديق كان دونكِ في العمر؟

ألم توارِ جثمان طفل رضيع لم يبلغ الحنث؟

كم خلّفتِ خلفكِ في المقابر من فتاة نضرة؟ ودفنتِ بعدكِ شاب قد امتلئ بالقوة؟

يا نفس: هذه قبورهم شاهدة عليهم، وآثارهم حاكمة بفنائهم، أُتراكِ بعدهم تُخلّدين؟ أم أنكِ للموت تستبعدين؟

وسأحاكمكِ أيضاً -يا نفس- لما لا نختلف عليه:

أوليس في مثل هذا اليوم للعام القادم سيكون أعداداً من البشر تحت أطباق الثرى مرهونين، وعن الأعمال محبوسين، أجيبي فلماذا تهربين، فمن يا ترى مِنٌَّا ومنهم سيحيا، ومن منهم سيكون تحت أطباق الثرى؟

يا نفس: قد وعدكِ الله الصادق الكريم -وهو أوفى من وعد- أنكِ أن اغتنمتِ هذه الحياة القصيرة أن تحيي حياة كريمة لا تعرفين فيها الكدر، ولا تشعرين فيها بالنكد، فكيف تُفرِّطين في عيشٍ رغيد، وملكٍ عظيم، ونعيم لا ينتهي، بحياةٍ مليئةٍ بالغصص، وعيشٍ قد عبئ بالنكد.

يا نفس: إن غمسة في الجنة تُنسي كل ضيق وهم وبؤس مرِّ بأبس أهل الدنيا، فكيف إذا كان هذا النعيم متزايد على مرِّ اللحظات، ومضاعف على مضي الساعات.

وبالمقابل غمسة في دار الهوان تُنسي أنعم أهل الغرور كل سرور ذاقوه، وكل نعيم اغترفوه، فكيف بالآم لا تنتهي، وغصص لا تنقضي؟

يا نفس: لو قيل لكِ أنه بإمكانكِ إرجاع السنين التي مضت لتستدركِ ما فات لكنتِ أفرح شيء بذلك، أتدري لماذا؟


لعلمكِ أنكِ كنتِ على التفريط سادرة، وللتسوُّف سائرة -فهذه حقيقتكِ- فحتى متى تكوني هكذا؟

افرحي لأنكِ في زمان الإمكان فغداً ستكون عندكِ هذه الأمنية ولكن بغير هذا الحال فسينقطع الرجوع وتغلق دونه الأبواب.

يا نفس: كوني رحيمة بي فـ وربي إنني على عذاب الله لا أقوى ولسخطه لا أُطيق.

عجباً -والله- لي كيف أشكوا نفسي لنفسي، وهل عندي أغلى من نفسي لنفسي، فهل تراني أرحم نفسي؟



عادل عبد العزيز المحلاوي
 

  • 3
  • 1
  • 6,440

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً