بديل الكيماوي في قتل السوريين
هل أصبح المجتمع الدولي في القرن الحادي والعشرين أشد جاهلية وأقل إنسانية من القرن السادس الميلادي؟!
بعد توثيق أكثر من 107 آلاف من الشهداء والقتلى في سوريا، وفقدان أكثر من 90 ألف شخص، بالإضافة إلى ستة ملايين نازح داخل سوريا، وقرابة مليونان ونصف لاجئ خارجها، ونحو 5 أشخاص يلقون مصرعهم في كل ساعة بسوريا، بينما يقتل في كل ساعتين طفل هناك وامرأة كل ثلاث ساعات منذ عامين ونصف حسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، تحرّك المجتمع الدولي عند استخدام النظام السوري للأسلحة الكيماوية في الغوطة بريف دمشق، والتي راح ضحيتها أكثر من 1600 سوري في 21 أغسطس الماضي.
لم يتحرّك المجتمع الدولي بالطبع حمايةً لدماء وأرواح السوريين؛ وإنما تحرّك حماية لمصالحه ومصالح حليفته إسرائيل، وبعد تهديد ووعيد من كل من الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، وبعد حشد القوات واستعراض العضلات، وترقُّب الضربة العسكرية ضد قوات بشار، خرج علينا الاتفاق الأمريكي الروسي بنزع أسلحة سوريا الكيماوية وتدميرها، دون أي ذكر لمعاقبة المجرم على جريمته، في إشارة لمدى انحطاط الفكر الأمريكي والغربي، الذي لا يكترث بدماء وأرواح الآدميين، وإنما يهتم بمصلحته ومصلحة إسرائيل بتدمير الكيماوي.
وحتى يمح الغرب بعض آثار العار والشنار الذي لحقه من ترك معاقبة بشار على استخدامه الكيماوي ضد شعبه، وقتله للأطفال والنساء والرجال وهم نيام، زعم أن تدمير كيماوي بشار هدفه حماية السوريين من استخدامه ضدهم مرة أخرى، وكأن بشار يقتل شعبه بالكيماوي فقط؟! أو كأن الكيماوي هو من يقتل السوريين فحسب؟!
ومع أن أمثال هذه المواقف المخزية من قبل الأمريكان والغرب ليست بجديدة ولا غريبة، وقد ذقنا طعم مرارتها أكثر من مرة، إلا أن ضعف العرب والمسلمين وقلة حيلتهم، وعدم دعمهم الجيش السوري الحر بالشكل الكافي، جعلهم ينتظرون دائما التحرّك الأمريكي والغربي، والذي لا يمكن أن يحصل إلا بتنازلاتٍ كبيرة ومشينة، لا تقل في ضخامتها وآثارها عن تضحيات السوريين اليومية الحالية.
لقد كان هذا اتفاق كيري -لافروف بمثابة قُبلَة الحياة لنظام بشار، وفيه من الإشارات السلبية ما يجعل مرحلة ما بعد الكيماوي أشد وطأةً وأكثر كلفة على الشعب السوري وثورته المباركة مما قبل استخدامه، نظراً لكون الاتفاق يحمل في طياته ضوءاً أمريكياً غربياً أخضر لبشار وحلفائه، بأنه لا بأس بقتل السوريين وقمع الثورة بكل وسائل القتل وألوانه المختلفة، دون أن يستخدم السلاح الكيماوي، نظراً للحرج الشديد الذي يُمثِّله استخدام مثل هذا السلاح -المحظور دولياً- للغرب أمام شعوبها ومبادئها المزعومة، إضافة للمخاوف الشديدة من وقوعه بيد الثوار وتهديده لأمن اليهود في فلسطين المحتلة.
وقد تلقى بشار وحلفاؤه رسالة أمريكا والغرب وفهموها جيداً، وقاموا بتنفيذها فور إعلان اتفاق كيري لافروف في 14 من الشهر الجاري، حيث عاودت قوات بشار ومليشيا حزب الله ارتكاب المجازر بحق المدنيين السوريين كما السابق وأكثر، فكانت مجزرة قرية كفر زيتا في 18/9/2013م في ريف إدلب، والتي راح ضحيتها 24 شهيدا من المدنيين، ثم تبعتها مجزرة مروعة في 12/9/2013م في قرية الشيخ حديد في ريف حماة، راح ضحيتها 15 شهيداً بينهم أطفال وشيوخ.
وبالإضافة لهذه المجازر عاد الطيران الحربي الأسدي لشن غاراته على المدن والمحافظات السورية، ناهيك عن الهجوم المدفعي والصاروخي المتكرر، والذي لم يهدأ بعد الاتفاق الأمريكي الروسي، مما حدا بالسوريين أن يجعلوا شعار مظاهرات جمعة 6/9/2013م (ليس بالكيماوي وحده يقتل الأسد أطفالنا).
إضافة لكل هذه الأسلحة التقليدية والكيماوية التي تقتل الشعب السوري، هناك سلاح آخر لا يقل فتكا عن سابقتها، ألا وهو سلاح الحصار والتجويع الذي يمارسه بشار وحلفاؤه بحق الكثير من المدن والبلدات السورية الثائرة.
فمن مدينة حمص في وسط سوريا، والتي كان بدايات الحصار فيها أوائل عام 2012م وحتى الآن، إلى ريف دمشق الذي يعاني من حصار على غوطتيه الشرقية والغربية منذ قرابة عام، والذي اشتد في الآونة الأخيرة، وخاصة بعد اتفاق كيري- لافروف، إلى المناطق الجنوبية لدمشق التي أعلنها المكتب الإغاثي الموحد منطقة منكوبة ومهددة بكارثة إنسانية، حيث الحصار الخانق منذ تسعة أشهر، وقد أطلق النظام السوري على حملة حصاره هذه اسم: (الجوع أو الركوع)، إلى مناطق أخرى محاصرة بدمشق وريفها كالقابون وبرزة وجوبر وغيرها.
وقد ذكرت الكثير من التقارير لمحة بسيطة عن معاناة المدنيين والعائلات التي تعيش في تلك المناطق المحاصرة، والتي تتمثل بنقص شديد لمادة الطحين لصنع الخبز الغذاء الرئيسي للسكان هناك، إضافة لنقص شديد في الأدوية، مع انقطاع تام للكهرباء وشح في المياه الصالحة للشرب، مما أدّى لانتشار الأمراض والأوبئة في صفوف المدنيين، وخاصة الأطفال والشيوخ وأصحاب الأمراض المزمنة، ناهيك عن القصف المتواصل الذي تتعرض له هذه المناطق يوميا.
لقد أطلق الناشطون والصحفيون نداءات استغاثةٍ كثيرة من داخل تلك المناطق للمجتمع الدولي، للتحرُّك العاجل لإنقاذ الناس من الموت جوعاً وعطشاً ومرضاً دون جدوى، بينما تحرّك هذا المجتمع الدولي سريعاً بسبب الكيماوي، وأجبر بشار وحلفاءه على إدخال المفتشين الدوليين إلى الغوطة بريف دمشق في غضون أيام إن لم نقل ساعات، بينما فشل حتى اليوم بإدخال فِرق الإغاثة الإنسانية إلى تلك المناطق المحاصرة المنكوبة.
وفيما حمّل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية المجتمع الدولي المسؤولية الكاملة عن حرب الإبادة الإنسانية التي يرتكبها بشار وحلفاؤه بحق السوريين في دمشق وريفها وباقي المحافظات السورية، ويدعوه للتدخل والتحرُّك السريع والعاجل لوقف قتل السوريين بسلاح الحصار والتجويع البديل للسلاح الكيماوي، حيث يحوم شبح المجاعة فوق مليونين من السكان والنازحين المحاصرين، خاصة مع اقتراب فصل الشتاء، تبقى آمال استيقاظ مشاعر الإنسانية في ذلك الكيان الدولي المصطنع بعيدة عن المنال، فهي لغة لم تعد رائجة هذه الأيام مقارنة بلغة النفعية والمصالح المادية.
لقد تحرّكت مشاعر الإنسانية بقلوب بعض رجال قريش في زمن الجاهلية، ممن لم يكن على دين محمد صلى الله عليه وسلم، لنقض صحيفة المقاطعة والحصار التي فرضتها قريش على المسلمين وبني هاشم وبني عبد المطلب الذين يناصرونهم، فقام كل من هشام بن عمرو وزهير بن أمية والمطعم بن عدي وأبو البختري بن هشام وزمعة بن الأسود بالاتفاق بنقض الصحيفة الظالمة.
وفي صبيحة ليلة الاتفاق: غدا زهير بن أبي أمية عليه حلة فطاف بالبيت سبعاً، ثم أقبل على الناس فقال: يا أهل مكة أنأكل الطعام ونلبس الثياب وبنو هاشم هلكى لا يُباع ولا يُبتاع منهم، والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة" (الروض الآنف شرح سيرة ابن هشام للسهيلي - [3 /217-218]).
فهل أصبح المجتمع الدولي في القرن الحادي والعشرين أشد جاهلية وأقل إنسانية من القرن السادس الميلادي؟!
- التصنيف:
- المصدر: