احترام الخلق الحسن

منذ 2013-12-05

تتجاذبُنا ثقافاتُنا، لكنَّنا ننزع إلى قناعاتنا، ونرضَى أحيانًا بما توارثناه عبْرَ سنواتنا حتى وإن كان مخالفًا لثوابتنا التي تعلَّمْناها وعَرَفْناها مِن خلال أوقات العُمر، هذه هي حالُ كثير منَّا ممن يعرفون أنَّ الحق هو أن يفعلوا كذا لكنَّهم يعمدون أحيانًا إلى مخالفته بسببِ الميل إلى العادَة والطبع الخاطِئ، أو يتناسون الصحيح تحتَ وطأة العُرف والهُوى!


تتجاذبُنا ثقافاتُنا، لكنَّنا ننزع إلى قناعاتنا، ونرضَى أحيانًا بما توارثناه عبْرَ سنواتنا حتى وإن كان مخالفًا لثوابتنا التي تعلَّمْناها وعَرَفْناها مِن خلال أوقات العُمر، هذه هي حالُ كثير منَّا ممن يعرفون أنَّ الحق هو أن يفعلوا كذا لكنَّهم يعمدون أحيانًا إلى مخالفته بسببِ الميل إلى العادَة والطبع الخاطِئ، أو يتناسون الصحيح تحتَ وطأة العُرف والهُوى!

لذا فقد نجِد طباعًا في أناس قد لا نجِدها في آخرين، بل ربَّما عابها أناس آخرون عليها؛ لأنَّهم ما اعتادوها، ولا اكتسبوها، ولعلَّ مما يَحُزُّ في النفس النظر إلى أناس نظرةً فيها إنقاص وازدراء بسببِ تمسُّكهم بخُلق كريم تمسكًا نابعًا مِن ثقافة صحيحة، متأثرين بنظرةِ المجتمع، وهي النظرةُ التي جاءت مِن تأثُّر الناس ببعض الآراء الخاطئة، والتي صارتْ مع مرور الزَّمن قواعدَ يُقاس عليها، ولنأخذ على ذلك الشخص الذي يغلب عليه السكوتُ كمثال، وهو السُّكوت القادِم مِن طريق التنشئة والذي آزَرَه وعزَّزه ثقافةٌ إيمانية سويَّة جاءت مِن الاقتناع بـِ«فليقلْ خيرًا أو ليسكت» (رواه البخاري ومسلم).
وهذا يعني أنَّ مِن الأفضل للإنسان إنْ أراد أن يتكلَّم أن يقول كلامًا طيبًا خَيِّرًا، وإلا فالسكوت أَوْلى مِن الكلام في غير خيرٍ كغِيبة ونميمة، أو سبٍّ وفُحش، ولا يعد سكوته هذا ضعفًا، أو نقصًا في شخصيته، بل هو جمالُ الإيمان حين صارَ العِلم النافع عملاً، وتنفيذ الأمر الكريم امتثالاً.

وقد جُبلت النفسُ البشريَّة على حُبِّ الهُدوء والسَّكينة وحُسن السَّمْت؛ ولذا فقد جاءتْ كلمات في القرآن في مِثل هذا كـَ {يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ} [الحجرات: من الآية 3]، {وَلَا تَنْهَرْهُمَا} [الإسراء: من الآية 23]، {فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ} [يوسف: من الآية 77]، {قَوْلًا لَيِّنًا} [طه: من الآية 44]، كل ذلك في سِياق تهذيب النفس، وكبْح جماحها، وحذَّر لقمان ابنه في نُصحه النفيس مِن رفْع الصوت والصَّخب، وقد أُمرنا بالسُّكوتِ في الحديث الشريف، وكثير مِن الشُّعراء قد تناولوا ذلك في قصائدهم حين جاءتْ أبيات لهم مادِحة السكوت، وذامَّة الثرثرة والجهل والرد، مِن ذلك ما يُنسب إلى الإمام الشافعي رحمه الله تعالى وهو قوله:


 


قَالُوا سَكَتَّ وَقَدْ خُوصِمْتَ قُلْتُ لَهُمْ:
إِنَّ الجَوَابَ لِبَابِ الشَّرِّ مِفْتَاحُ وَالصَّمْتُ عَنْ جَاهِلٍ أَوْ أَحْمَقٍ شَرَفٌ
وَفِيهِ أَيْضًا لِصَوْنِ العِرْضِ إِصْلاَحُ


ولا يجب أن يسكُتَ الإنسان وهو على حقٍّ، لكن يجِب عليه ألاَّ يتخلَّى عن خُلقه والتزامه بالتوجيهات الكريمة، والإنسان بحاجةٍ دائمة للسُّكوت؛ لأنَّ السكوت يُعلِّم حُسن الاستماع؛ وبذلك سيكون المرءُ قادرًا على تمييز الكلام المفيد مِن الحشو واللغو، وحينها سيتمكَّن مِن إضافة فِكرة، أو خبرة، أو مفردة، أو أداة إلى محصوله المعرفي.

فليس السكوتُ عيبًا في الإنسان، ولا يَنبغي أن ننظُر إلى مَن يُفضلون السكوتَ على أنَّهم أصحاب نوايا خبيثة، ودسائس دَنيئة يُخْفُون وراءَ سكوتهم قلوبًا حاقدة، وضمائِر حاقنة بعدَ أن تَشكَّلت عندَ بعضنا صورٌ خاطِئة عن السكوت، وهي الصُّوَر المُشكَّلة بقول البعض: "احذر مِن الساكت"، "الساكتُ السُّم النَّاكت"!
وفي هذا ظُلمٌ كبير، وإجحافٌ كثير في حقِّ أناس ما سَكتوا إلا حين نفَّذوا أمر السكوت، وما امتنعوا عنِ الكلام السيِّئ إلا لخطئه وخَطله.

فعلينا أن نسكُتَ حين يكون السكوتُ مطلبًا، ونُحسن الظنَّ بالناس، ونتريَّث قبل إصدار الأحكام عليهم جُزافًا، وإلْقاء الكلام على عواهنه، وأن نعِي أنَّ الشخصيات تختلف والسلوكيات تتعدَّد، أمَّا النَّوايا فهي في الضمائر، وليس البشَر هم من يَطَّلعون إلى النوايا، ويحاسبون الناس عليها، فلنُوقف إصدار الأحكام على الآخَرين، وليكن عملنا هو إصلاح أنفسنا فهو الأجدر والأجْدى، وألاَ نرَى في الصَّدَّاعين المُكثرين من الكلام السقيم أمثلة تُخلَّد، ونماذج تُقلَّد!



ماجد محمد الوبيران

 

  • 0
  • 0
  • 1,305

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً