ملامح التدخل العسكري في سوريا وأهدافه
فتح استخدام نظام بشار الأسد للأسلحة الكيماوية مؤخرا الباب على مصراعيه لكافة الاحتمالات الممكنة للتدخل الغربي بما فيها التدخل بعملية عسكرية، فقد ظن الأسد ومن حوله أنه لا حساب لما يفعله، وأنه ناجٍ من كل تلك الجرائم، فقرر أن يذهب إلى أبعد مدى في تلك الحرب الغير متكافئة، متجاهلا نواميس الكون وحقائق التاريخ، فما من ظالم إلا وله نهاية، وما من متجبر إلا وله قاصمة ظهر، وكم من متغطرس قصمت ظهره (قشة) فلم يعد له ذكر في العالمين إلا بالشر والسوء.
فتح استخدام نظام بشار الأسد للأسلحة الكيماوية مؤخرا الباب على مصراعيه لكافة الاحتمالات الممكنة للتدخل الغربي بما فيها التدخل بعملية عسكرية، فقد ظن الأسد ومن حوله أنه لا حساب لما يفعله، وأنه ناجٍ من كل تلك الجرائم، فقرر أن يذهب إلى أبعد مدى في تلك الحرب الغير متكافئة، متجاهلا نواميس الكون وحقائق التاريخ، فما من ظالم إلا وله نهاية، وما من متجبر إلا وله قاصمة ظهر، وكم من متغطرس قصمت ظهره (قشة) فلم يعد له ذكر في العالمين إلا بالشر والسوء.
جاء استخدام الكيماوي مؤخرا ليعطي للولايات المتحدة المبرر للتدخل العسكري المباشر في سوريا، متى قررت ذلك، سواء قَبِل بذلك مجلس الأمن الدولي أو رفض، وسواء قبِلت الدول العظمى الحليفة لنظام الأسد أم لا، فلا قيمة الآن للفيتو الروسي والصيني. ومن العجيب أن يقوم نظام الأسد باستخدام الكيماوي بشكل فج في الغوطة بريف دمشق، بعد نحو شهر من نشر خطاب رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة مارتن ديمبسي موجه للسيناتور (كارل ليفن) رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأمريكي، تضمنت خمس خيارات للتعامل مع الأزمة السورية، وهي كما يلي:
1. تدريب وتقديم المشورة ومساعدة المعارضة المسلحة، حيث يتم نشر عدة مستشارين أمريكيين، لتدريب الثوار السوريين في مهام مثل التخطيط التكتيكي واستخدام أسلحة، مشيرا إلى أن نشر عدة آلاف من المستشارين قد يكلف 500 مليون دولار سنويا، مع مساحة خلفية آمنة مثل تركيا والأردن.
2. تنفيذ ضربة عسكرية محددة، تستهدف أهداف النظام (عالية القيمة) مع القنابل والصواريخ والذخائر المدفعية، مشيرا إلى أن هذا الخيار يتطلب عدة مئات من الطائرات، وتوظف المطلقة للصواريخ السفن البحرية، وأعرب عن اعتقادة بأن هذا الخيار يضعف النظام من خلال تدمير جيشه وتستنزفه أخلاقيا ذلك عن طريق زيادة فرار عناصره، متوقعا أن تواجه القوات الأميركية هجمات انتقامية، كما أن الهجمات الأمريكية يمكن أن تقتل المدنيين.
3. إنشاء منطقة حظر جوي فوق سوريا، لمنع النظام من استخدام طائراته لمهاجمة الثوار ونقل الأسلحة، وهو ما يتطلب قوات برية كبيرة لحماية القواعد الجوية وتكاليف أكثر من 1 مليار دولار شهريا.
4. إنشاء المناطق العازلة وذلك للمساعدة في حماية المناطق التي يسيطر عليها الثوار، وهو ما يتطلب على الأرجح قوات برية في سوريا، وحدد ديمبسي منطقة الحدود بين سوريا وتركيا كمكان مرجح لإقامة المنطقة العازلة، ولكنه أبدى خشيته من أن تتحول تلك المناطق العازلة قواعد لمن وصفهم بـ(المتطرفين)، مشيرا إلى أن تكلفة هذا الخيار ستكون عدة مليارات في الشهر.
5. التحكم في الأسلحة الكيميائية، بمعنى العمل على حرمان النظام ومن وصفهم بـ(الإرهابيين) من أسلحة الدمار الشامل، من خلال قصف المخزونات الكيميائية لنظام الأسد، ثم الدفع بالقوات البرية لتأمين (المواقع الحرجة)، وهو الخيار الذي يكلف أكثر من مليار في الشهر.
ليس من بين خيارات ديمبسي الخمسة السابقة هذه، توجيه ضربة قاضية لنظام الأسد، وهو ما يكشف عن أهداف التدخل المرتقب، بغض النظر عن استخدام الأسد للأسلحة الكيماوية، فهذه ليست المرة الأولى التي يستخدم فيها الأسلحة الكيماوية، فقد سبق وأن استخدمها دون أن يتحرك ذلك الضمير. ولكن على الرغم من ذلك، فإن كل التقديرات والتصريحات المتواترة الآن والأحداث المتسارعة، تشير إلى أن الولايات المتحدة عازمة بشكل شبه مؤكد على القيام بعملية عسكرية في سوريا، فثمة تراجع مريب في الموقف الروسي وبدء سحب أسطولها البحري المتواجد في ميناء طرطوس السوري على البحر المتوسط، وتسريبات من الصحافة الصهيونية –مثلما حدث قبيل ضرب العراق عام 2003- عن توجيه ضربة عسكرية وشيكة لسوريا، واجتماع قادة 10 جيوش عربية وغربية في الأردن قبل يومين، وتصريحات وزير الخارجية الأمريكي، كل ذلك يصب في أن الضربة وشيكة لا محالة.
لكن ما هي أهداف هذا التدخل العسكري الوشيك؟!
من السذاجة أن يظن البعض أن هذا التدخل العسكري الوشيك إنما هو رد فعل على استخدام الأسلحة الكيماوية، أو لسقوط أكثر من ألف شهيد بسبب استخدام السلاح الكيماوي، فقد سقط أكثر من 100 ألف شهيد على أقل التقديرات منذ مارس 2011 حتى الآن، ولم يتحرك العالم الغربي لنصرة الشعب السوري أو لإزاحة النظام الأسدي، كما ارتكب النظام مجازر فادحة لا تقل في جرمها واختراقها للقيم الإنسانية والقوانين الدولية عن مجزرة الغوطة شيئا. إن التطور الجديد على الأرض الذي تخشاه الولايات المتحدة وحلفائها، وما كانت ترغبه ولا تتمناه، هو الظهور القوي للجماعات الجهادية، مثل جبهة النصرة وغيرها، هذه الجماعات التي بدأت تحقق نفوذ كبير في الأراضي السورية، وتسيطر على الكثير من المناطق المحررة، ومن بينها مناطق قريبة من منطقة الجولان المحتلة، بل إنها قد وصلت بالفعل إلى حدود الجولان في بعض المناطق قبل أن تستردها قوات الأسد مرة أخرى.
إن وجود الجماعات الجهادية في سوريا هو أمر شديد الخطورة بالنسبة للولايات المتحدة، لأنها تخشى أن تصبح سوريا قاعدة تتمركز فيها الجماعات الجهادية، وهي بقربها من العراق ودول الخليج الأخري من خلال العراق أو الأردن قادرة على توجيه ضربات قوية للمصالح الأمريكية في المنطقة وخاصة المصالح النفطية أي أنها قادرة على استهداف (عصب الولايات المتحدة)، كما أن تمركز الجماعات الجهادية في سوريا يمثل خطورة بالغة على أمن الكيان الصهيوني، والولايات المتحدة ملتزمة التزاما كاملا بأمن الكيان الصهيوني، ومستعدة للقيام بأي شيء لحفظ أمن ذلك الكيان الغاصب.
في الوقت ذاته فإن الولايات المتحدة تدرك أن النظام الأسدي ساقط لا محالة، وأنها إن لم تتدخل وتشارك في عملية إسقاطه فلن يكون لها سيطرة على مجريات الأمور في سوريا ما بعد الأسد، خاصة في ظل وجود تلك الجماعات الجهادية التي تصنفها الولايات المتحدة على أنها (جماعات إرهابية)، وبالتالي فهي تريد أن يكون لها مساهمة معروفة في إسقاط ذلك النظام، حتى تستطيع أن تمكن من تريد من إدارة سوريا بعد الأسد، حتى لا يشب عن الطوق ولا يخرج على رأي ورغبة الإدارة الأمريكية. ويتضح من ذلك ملامح العملية العسكرية المزمع تنفيذها في سوريا، وهي:
1. توجيه ضربة عسكرية محدودة لنظام بشار الأسد، ضربة قوية لكنها غير قاضية، تسرع من عملية إسقاطه ولكن ليس بالشكل المطلوب، ضربة تشل أركان النظام عن استخدام الأسلحة الكيماوية مرة أخرى، وتستهدف الأهداف العالية القيمة كما ذكر الجنرال مارتن ديمبسي في خطابه، ربما تشمل المطارات العسكرية وقواعد الصواريخ المهمة، كما قد تشمل العملية إدخال بعض القوات للسيطرة على مخازن الأسلحة الكيماوية، وكانت تقارير سابقة قد تحدثت عن تدريب عناصر أردنية لهذا الغرض.
2. توجيه ضربات قوية وموجعة للتيارات الجهادية المتواجدة في سوريا، بهدف إضعاف هذه التيارات، والتقليل من سيطرتها على المشهد الثوري، وسيطرتها على الكثير من المناطق المحررة، وذلك من خلال استهداف بعض قياداتها وتجمعاتها في المناطق المحررة الخاضعة تحت سيطرتها، واستهداف مخازن السلاح التابعة لها، وذلك كله من خلال عملائها المتواجدين على الأرض، وذلك مثلما قصفت الولايات المتحدة جماعة (أنصار الإسلام) في كردستان العراق، التي كانت تتهمها بالإرهاب والانضمام لتنظيم القاعدة، قبيل الغزو الأمريكي للعراق مباشرة.
من خلال ذلك، يمكن للولايات المتحدة تحقيق أهدافها في سوريا، فتوجيه ضربة قوية لنظام الأسد، ستجعل الكثير من أركان نظامه يفرون ويتركونه، خاصة بعد أن أعلنت روسيا أن جيشها لن يقاتل عن أحد، وأن زمن الدفاع عن الآخرين والحرب لأجلهم قد ولى، كما أن رد الفعل الإيراني لن يكون أبدا على مستوى عنترية التصريحات الإيرانية خلال العامين الماضيين، وكذلك حزب الله في لبنان، كما سينشق الكثير من القيادات الميدانية والضباط والجنود، وبذلك يكون لها دور في إسقاط النظام الأسدي، تستغله فيما بعد.
ولا شك أن إضعاف النظام الأسدي، دون القضاء عليه، يعني إطالة أمد المعركة، حتى ينتهي النظام الأسدي بعد تخلي معظم قواته عنه، في المقابل ستكون الجماعات الجهادية والوطنية الخالصة قد ضعفت أيضا وتأثرت بالضربات الأمريكية التي وجهت لها، ولا يبقى إلا بعض القوى الغير قادرة على حسم الصراع، فيأتي الساسة الذين تربطهم بالولايات المتحدة والغرب، علاقات مشبوهة بطريقة أو بأخرى، فتنصبهم الولايات المتحدة بشكل خفي حكاما لسوريا، يكونون يدها التي تحكم بها سوريا عن بعد.
- التصنيف: