مانديلا والخلل في منهج التفكير

منذ 2013-12-15

مانديلا في الجنة!


مانديلا في الجنة!

هكذا طلع علينا بعض أصحاب الأقلام في وسائل الإعلام التقليدية والحديثة -مواقع التواصل الاجتماعي والجوال-.

ابتداءً: أعوذ بالله من الخذلان وسوء المُنقلب.

فحتى لو كان نلسون مانديلا مُسلِماً ظاهره الصلاح؛ فإن من ثوابت أهل السنة والجماعة أنهم لا يشهدون لِمُعَيَّن بجنةٍ أو نار إلا من ورد الخبر عنه من المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.

فكيف والرجل لم يَثْبُتْ أن دخل في الإسلام كما قال فضيلة المشرف العام على موقع المسلم الشيخ الدكتور ناصر بن سليمان العمر، بل إن أحداً لم يزعم ذلك بمن فيهم المهووسون بشخصية مانديلا من قبل؟!

هنا تغدو القضية أكثر جلاءً؛ فلو كان مُسلِماً لجاز لنا أن ندعو له الله تعالى أن يرحمه ولرجونا له أن يدخله ربنا تبارك وتعالى جنته بواسع رحمته وعظيم فضله، بدليل قول المولى سبحانه: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً} [النساء:48].

وأما من مات على ملةٍ غير الإسلام فلا ريب في دخوله تحت قول الحق جل وعلا: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:85].

إن انتشار هذا التّألِّي على الله سبحانه وتعالى عند موت مانديلا وأمثاله؛ يؤكد تفشي الجهل في أوساط كثير من المسلمين بإحدى قطعيات الإسلام المُجْمَعِ عليها لدى السلف والخلف إجماعاً لم يَشذ عنه عالِمٌ مُعتبَر على مدى القرون الخمسة عشر الماضية، منذ أن أكمل الله لنا ديننا وأتمَّ علينا نعمته ورضي لنا الإسلام ديناً.

وهو الوجه المقابل لتألِّي من يتطاول في الاتجاه المضاد فيقطع بدخول النار، لأناس مسلمين لم يبدر منهم ناقض من نواقض الإسلام، فكِلا الأمرين مرفوضٌ شرعاً ويُخْشى على مقترفه من سوء العاقبة، إن لم يتب إلى مولاه قبل الغرغرة أو طلوع الشمس من مغربها توبةً نصوحاً بشروطها المعروفة.

هو إذاً؛ خللٌ في منهج التفكير الذي لم يُبْنَ على المحجة البيضاء التي ترك نبينا المصطفى أمته عليها: «لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلا هَالِكٌ» (صحّحه الألباني).

وهذا الخلل المؤلم ناجِمٌ عن تقصير كثير من أهل العلم والدعوة في بيان الحق للأمة، نتيجة اضطراب لديهم في فقهِ الأولويات، أو لتوهُّمِهم أن قضيةً عقدية صريحة كهذا مستقرةٌ عند العامة فلا تحتاج إلى تذكير وتنبيه بين مدة وأخرى!

وفي موازاة ذلك، ينبغي لنا التحذير من بعض ردود الأفعال غير المنضبطة في مواجهة الجهلة الذين حكموا لمانديلا بالجنة بأهوائهم أو ترحموا عليه بسذاجة، ويتجلى ذلك في الذين شتموا مانديلا وانتقصوا من مزاياه النضالية في قيادة شعبه نحو الحرية والكرامة والتحرُّر من قرون من الطغيان الغربي العنصري الاستعلائي.

وللرجل مواقف في مناصرة بعض قضايانا الكبرى كالقضية الفلسطينية في حدود معقولة من دولة غير مسلمة.

فالله عز وجل يأمرنا بالعدل والإنصاف حتى مع الكافر، ونبينا صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم وهو الأسوة الحسنة، لما أمر أصحابه في مكة بالهجرة إلى الحبشة وصف ملكها بالعدل: "لا يُظْلَمُ عنده أحد"، ولم يكن النجاشي يومئذٍ قد أسلم!

وفي حَدِيث عَلّي رضي الله عنه أنه لما أُتِي بسبايا طَيء بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقفت جَارِيَة فِي السَّبي فَقَالَت: يَا مُحَمَّد إِنِّي رَأَيْت أَن تُخلي عني وَلَا تُشمِت بِي أَحيَاء الْعَرَب فَإِنِّي بنت سيد قومِي وَإِن أبي كَانَ يحمي الذمار ويفك العاني ويُشبِع الجائع وَيُطْعِم الطَّعَام ويُفشِي السَّلَام وَلم يرد طَالب حَاجَة قطّ، أَنا ابْنة حَاتِم الطَّائِي. فَقَالَ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم «يَا جَارِيَة هَذِه صفة الْمُؤمنِينَ حَقًا لَو كَانَ أَبوك مُسلماً لترحمنا عَلَيْهِ، خلوا عَنْهَا فَإِن أَبَاهَا كَانَ يحب مَكَارِم الْأَخْلَاق وَإِن الله يحب مَكَارِم الْأَخْلَاق» فَقَامَ أَبُو بردة بن نيار رضي الله عنه فَقَالَ: يَا رَسُول الله، الله يحب مَكَارِم الْأَخْلَاق؟ فَقَالَ «وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَا يدْخل الْجنَّة إِلَّا حسن الْأَخْلَاق» (أخرجه التِّرْمِذِيّ الْحَكِيم فِي نَوَادِر الْأُصُول بِإِسْنَاد فِيهِ ضعف).

(وفي صحيح البخاري الحديث رقم [3139]): حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي أُسَارَى بَدْرٍ: «لَوْ كَانَ المُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا، ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلاَءِ النَّتْنَى لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ».

فقد حَفِظَ له سيد ولد آدم موقفه الشجاع لأنه كان أحد الستة الذين سعوا في نقض الصحيفة التي علقتها قريش على الكعبة في مقاطعة بني هاشم، ولأنه أجار الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عندما رفضت قريش دخوله عليه الصلاة والسلام إلى مكة بعدما ردّه أهل الطائف، مع أن المُطعم مات على الشرك!

فالله الله في العدل مع كل أحد، والله الله في قول الحق والشهادة بالحق دائماً عن أي شخص.


مهند الخليل


 

  • 0
  • 0
  • 1,549

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً