حال الأمة

منذ 2014-01-01

إن كل مسلم غيور على دينه ووطنه، يمتعض حزناً ويعتصر ألماً لما آلت إليه الأمور في مصر خاصة والعالم الإسلامي عامةً؛ لا سيما الآونة الأخيرة، بما لم يكن أكثر الناس تشاؤماً توقعاً له، صارت الدول الإسلامية أفقر دول العالم، جيوشها هاوية خاوية من مظاهر القوة في أغلبها، وأما التي تتسم بشيء من القوة والمنعة فقد انشغلت بأمور ليست من صميم عملها، لا تسمع عن شعوبٍ تُباد ولا طائفة يُنكَّل بها إلا وهم مسلمون


إن كل مسلم غيور على دينه ووطنه، يمتعض حزناً ويعتصر ألماً لما آلت إليه الأمور في مصر خاصة والعالم الإسلامي عامةً؛ لا سيما الآونة الأخيرة، بما لم يكن أكثر الناس تشاؤماً توقعاً له، صارت الدول الإسلامية أفقر دول العالم، جيوشها هاوية خاوية من مظاهر القوة في أغلبها، وأما التي تتسم بشيء من القوة والمنعة فقد انشغلت بأمور ليست من صميم عملها، لا تسمع عن شعوبٍ تُباد ولا طائفة يُنكَّل بها إلا وهم مسلمون، يُهان المسلمون في الغرب لمجرد كونهم مسلمون وتُقيَّد حريتهم الدينية ويُستهزأ بنبيهم عليه الصلاة والسلام، بل ويُطَّهدون على أرضهم وفي وطنهم ويُسامُون بأنبز الألقاب. كل ذلك وأكثر هو حال المسلمون، الذين وسمهم الله بالخيرية المطلقة: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آلِ عمران من الآية:110].

وإن كُنَّا بصدد استبيان هذه النكسة الحضارية لخير أُمَّة، من قيادة البشرية فيما يربوا على عشرة قرون وريادة الأمم في شتى المجالات، فإنما هو بعدها عن دستورها وسِرِّ حياتها ومجدها، قال تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ . وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} [الزخرف:36-37]. متى ابتعدت الأمة -في أفرادها أو مجموعها- عن كتاب ربها، قيَّد الله لها شيطاناً -إنسياً أو جنياً- يُغويها ويفتنها، يُحبِّب إليها الانحراف والضلال، ويُبغِض إليها النور والإيمان، يُبرِّر لها الفسوق والعصيان، قال تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ . يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [المائدة:15-16].

ولعلنا نتسأل عن سبب ذلك ولسنا بصدد تحليل سياسي، وإنما نذكر السبب الذي أخبرنا الله به بأعمال الناس من الذنوب والمعاصي، حيث ظهر ذلك في كثير من الآيات، نذكر منها قوله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} [الروم من الآية:41]. فالآية بحالها الراهن لا تستحق التمكين، فقد تعجّلت الأُمَّة الأمر قبل أوانه؛ فلم يتجه المصلِحون إلى إصلاح الناس بالحكمة والموعظة الحسنة، بل سارعوا إلى الخروج على الحُكَّام، ونازعوهم ما نهاهم رسولهم عن منازعتهم إيَّاه، حتى ولو كانوا من الجائرين، فتحققت فيهم القاعدة: "من تعجَّل شيئاً قبل أوانه عُوقِبَ بحرمانه".لذلك علينا أن نتبع السبيل الذي ضمنه الله تعالى لنا وحثَّنا عليه وبشَّر القائمين به، بنبذ التفريق والتشيُّع والتحزُّب والبَدء بالنفس ومن تعول، فالتغيير لا يأتي من أعلى إلى أسفل بل بما قرَّره الله تعالى حيث يقول: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد من الآية:11].

إذا كُنَّا نبتغي الخير والصلاح لأُمَّتنا فلينزع كل واحد مِنَّا الشرَّ من داخله، ولنبث الخير في نفوسنا؛ حينئذ يأتي التغيير.فلنتعاون على البِرِّ والتقوى، ولننبذ الإثم والعدوان، ولا نتعدى ما نهانا الله ورسوله عنه، ولنأمر بالمعروف وننهى عن المنكر بالضوابط الشرعية، التي فصَّلها لنا شرعنا الحنيف.

هلمَّ نبدأ بالتغيير من ذواتنا؛ تعالوا نبث الخير في أبنائنا الذين طالما تركناهم رهن رفقاء السوء، وأمام الشاشات التي تبث التحلُّل الأخلاقي، وتنشر العقوق والعصيان.
ألم يحن الوقت أن نأخذ بأيديهم إلى كتاب الله؛ لنعوِّض بهم ما فاتنا، ولنُصلِح بهم ما تلفناه؟! لعل الله أن يُصلِح بهم البلاد والعباد وأن يجعلهم زخراً لنا.وأخيراً؛ لم أقصد بالفقرة السابقة جلد الذات، ولا إلا زيادة الأسى والحزن؛ ولكن الإصلاح لا يكون إلا بالاعتراف بالأخطاء، لتلافيها والوصول إلى الحق،

والله يغفر لنا ولكم، فهو الغفور الرحيم
 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

محمد سلامة الغنيمي

باحث بالأزهر الشريف

  • 4
  • 0
  • 7,418

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً