ندرة الموارد الاقتصادية في العالم الإسلامي
يُشيْع الاقتصاد الوضعي في الدول النامية إشكالية خاصة بنضوب الموارد وعدم كفايتها للحاجات الإنسانية وعجز الطبيعة -بزعمهم- عن إدرارها بخيراتها؛ وهو ما يحجب عنها الخير الوفير، ولكن تأتي الإحصائيات تكذِّب هذا الإدعاء.
تمهيد:
يُشيْع الاقتصاد الوضعي في الدول النامية إشكالية خاصة بنضوب الموارد وعدم كفايتها للحاجات الإنسانية وعجز الطبيعة -بزعمهم- عن إدرارها بخيراتها؛ وهو ما يحجب عنها الخير الوفير، ولكن تأتي الإحصائيات تكذِّب هذا الإدعاء.
"كانت حصيلة القرون الثلاثة الماضية من هيمنة الغرب بحريته الاقتصادية كارثة على مستوى الكون بأسره؛ ففي عام 1992م نلاحظ أن 80% من الخيرات الطبيعية في العالم جرى استهلاكها من طرف 20% من سكان العالم. ونتيجة هذا التوزيع الجائر يموت سنوياً من الجوع 25 مليوناً من البشر؛ والسبب هو أنموذج التنمية المفروض من الغرب"
[1].
"فقد أعلن صندوق الأمم المتحدة أن البون الشاسع بين البلدان الأكثر غنى والبلدان الأكثر فقراً قد تضاعف خلال 30 سنة؛ ففي فرنسا -مثلاً- عام 1992م يتصرف 6% من الشعب في 50% من الثروات، وفي الولايات المتحدة يمسك 5% بحوالي 90% من الثروات الوطنية"
[2].
وهناك عدة إحصائيات توضح خطأ القول بنضوب الموارد الطبيعية، منها ما يلي
[3]:
1- تبلغ مساحة الأرض اليابسة في العالم 13.2 بليون هكتار، نصفها غير قابل للزراعة، وأكثر من ربعها مراعٍ، وأقل من ربعها الباقي أراضٍ قابلة للزراعة؛ غير أن مساحة الأراضي المزروعة فعلاً أقل من نصف مساحة الأراضي القابلة للزراعة (43.5%) فقط، وما زال القسم الأكبر ينتظر المبادرة الإنسانية لاستغلاله وزراعته.
2- يحتاج سكان العالم نحو 90 مليون طن من البروتين سنوياً حسب تقديرات العلماء، وحين يبلغ العجز العالمي نحو 21 مليون طن سنوياً، فإن العلماء يؤكدون على أن في العالم ما يفوق حاجاته السنوية بكثير، وهو متوفر في الطبيعة على هيئة مراعٍ أو مصادر إنتاج أخرى، ويشيرون إلى وجود كميات ضخمة من البروتين، ولكن الدول التي تملكه تستخدمه في تغذية الماشية والحيوانات الأليفة وترفض طرحه في الأسواق.
ونلاحظ من خلال هذه الإحصائيات وجود طاقات هائلة لم تُستثمَر، أو أريد لها ذلك حتى تظل هناك قوى قائدة تستطيع أن تأخذ في فلكها كل أتباعها من الدول النامية لترتمي عند أقدامها وتفتح السوق لمنتجاتها وبضائعها وتعيش عالة عليها وتنفذ معها أنماطاً ثقافيةً، واجتماعية تصل بالدول النامية إلى حالة الوهن الحضاري الذي حذر منه الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: «
توشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها
». قالوا: أَوَ من قلة نحن يا رسول الله؟ قال: «
بل إنكم كثير؛ ولكنكم غثاء كغثاء السيل، وَلَيَنْزعن الله من قلوب عدوكم المهابة، وليقذفن الوهن في قلوبكم
». قالوا: وما الوهن؟ قال: «
» (أخرجه أبو داود في الملاحم).
وعاشت الأمم الإسلامية حالة الوهن الحضاري عالة على الأمم، وسوقاً استهلاكيهاً لمنتجاتهم، وعجزاً عن الإنتاج وتحقيق الاكتفاء الذاتي، وترك العمل؛ وهم متعبَّدون به يثابون عليه في الآخرة.
أولاً: تعريف الموارد الاقتصادية:
تحتاج التنمية إلى مزيد من الإمكانيات المتنوعة، ويتوقف مقدار ما تنتجه الأمة من أية بضاعة على ما لديها من الموارد الطبيعية، وعلى المؤهلات المتوفرة لاستغلال هذه الموارد.
وتعرَّف الموارد الاقتصادية بأنها: "تلك العناصر النافعة للإنسان الموجودة في محيطه؛ أي: العناصر التي لها القدرة على إشباع حاجات الإنسان بصورة مباشرة أو غير مباشرة ويتوقف إنتاج الأمة -غالباً- على مقدار الموارد المتوفرة لديها" (د. محمود محمد بابلي، الاقتصاد في ضوء الشريعة الإسلامية، دار الكتاب اللبناني، طبعة أولى، بيروت، 1975م، ص: [169]).
وتستلزم التنمية موارد وطاقاتٍ تعبَّأ لإقامة الاستثمارات التي من خلالها تتحقق عملية التنمية ولا جدال في تنوع تلك الموارد إلى موارد مالية وموارد أو طاقات إنسانية.
وعلى ذلك فإن الثروة الطبيعية التي توجد في محيط الإنسان تشمل الأراضي الزراعية، والصالحة للزراعة والرعي، والغابات، والثروة المائية، والثروة المعدنية.
ولا يصح أن ننظر إلى الثروة الطبيعية كشيء ثابت لا يتغير؛ إذ الواقع أنها في تغير مستمر تبعاً لقدرة الإنسان على استغلالها؛ سواء بالتبديد أو الترشيد. وهذا التحكم يجري في صورة تفاعل الإنسان مع الطبيعة وكيفية استخدامه لمواردها في إشباع حاجاته.
وعملية إشباع الحاجات من حيث أثرُها على المتاح للمجتمع من الموارد الإنتاجية، يمكن النظر إليها من خلال إشباع الحاجات؛ أي: استخدام قدر من عناصر الإنتاج، ويعكس ذلك الطبيعة المبددة للحاجات بالنسبة للمتاح للمجتمع من موارد الإنتاج، ومن الناحية الأخرى يؤدي إشباع الحاجات من خلال إنماء طاقات المجتمع إلى إنماء المتاح له من موارد الإنتاج ويعكس هذا الطبيعة المجدِّدة للحاجات بالنسبة للمتاح له من موارد الإنتاج والاستفادة من هذه الطاقات من خلال المجهود البشري بشقيه: العقلي والعضلي.
وبناءً على ذلك؛ فإن الموارد الطبيعية التي توصف بأنها مبدَّدة يجب أن يكون استخدامها في أضيق نطاق دون إسراف. أما بالنسبة لإنماء طاقة المجتمع وهو يتمثل في الطبيعة المجددة، فلا بد من إنماء هذه الطاقات؛ بحيث تكون في أوسع نطاق ممكن، ويعني ذلك أن الاعتماد على نصف الموارد وترك النصف الثاني المتمثل في الموارد الإنسانية معطلاً يقلل من الجهد والفعالية في إشباع الحاجات الإنسانية ويمثل بتراً لذراع هام من ذراعَي التنمية.
ومبادئ الرشد الاقتصادي تقتضي أن يكون التركيز على الموارد الوفيرة الممثَّلة في الطاقات الإنسانية والجهد البشري عن الموارد النادرة المتمثِّلة في الموارد الطبيعية والمادية، وهو ما تم بنجاح في التجربة الإنمائية العالمية في اليابان والصين؛ حيث ضآلة الموارد الطبيعية.
وقد دلت التجارب على أن المجتمع المتخلف لا يتحرك في طريق الإنماء والتقدم إلا إذا توفر له العقل المحرك؛ أي العقل الإنمائي الجديد؛ ولذلك يحوَّل البحث الإنمائي والتخطيط الإنمائي في العالم الثالث من التركيز على الموارد الطبيعية إلى التركيز على الموارد الإنسانية (د. حسن مصعب، المقاربة المستقبلية للإنماء العربي، دار العلم للملايين، بيروت 1979م، ص: [34]).
ثانياً: الموارد ذات الطبيعة المبدَّدة في العالم الإسلامي
تجري دراسة الموارد بالنسبة للعالم الإسلامي انطلاقاً من وقوعه في قارة التخلف الاقتصادي، ومعاناته من نتائج التخلف الاقتصادي.
1- الأراضي الزراعية:
وهي من أهم الثروات الطبيعية التي لا يكاد الإنسان يستطيع بدونها أن يمارس أي لون من ألوان العمل ولا يتصور بدونها قيام أي نشاط إنتاجي.
والإنتاج الزراعي يمثل أهم مصادر حاجات الإنسان الأساسية. يقول سبحانه وتعالى: {
وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ
} [الرعد:4].
ولقد نبَّه الإسلام منذ البداية إلى تعمير الأرض وإحياء الموات منها، مقرراً أن «
من أحيا أرضاً ميتة، فهي له
» (أخرجه الترمذي)؛ كما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه من بعده بإقطاع الأرض للناس لإصلاحها واستغلالها، والعمل فيها بالزراعة وغيرها. يقول الإمام أبو يوسف في كتابه الخراج: "ولا أرى أن يترك الإمام أرضاً لا ملك لأحد ولا عمارة حتى يُقطِعَها؛ فإن ذلك أعمر للبلاد وأكثر للخراج"، وبهذا تزيد الأرض المستصلحة وتكثر التربة الزراعية الخصبة وينمو هذا العنصر الهام من عناصر الإنتاج (د. سعيد أبو الفتوح، الحرية الاقتصادية في الإسلام وأثرها في التنمية، دار الوفاء للطبع والنشر، الطبعة الأولى، القاهرة، 1988م، ص: [335]).
ومما يؤسَف له، وجود مساحات شاسعة في الأرض الإسلامية غير مستغلَّة؛ حيث يمتد العالم الإسلامي على مساحة واسعة وتتوفَّر فيه الأراضي القابلة للزراعة، إلا أنه تسود فيه ظاهرة تتمثل في انخفاض نسبة استخدام الأراضي للزراعة في كثير من دوله، قد تنخفض إلى 1,0٪ كما في الأردن، وإن ارتفعت فهي 0.5٪ في مصر و 3.2٪ في تركيا... إلخ (البنك الدولي تقريرعن التنمية في العالم سنة 2000م ، جدول: [8]، ص: [244]).
نقاط هامة ينبغي الإشارة إليها في معرض الموارد الزراعية للعالم الإسلامي منها:
- "المنطقة العربية الإسلامية متهمة بأنها يغلب عليها الطابع الصحراوي؛ لهذا السبب يجب أن نشير إلى إمكانياتها من حيث الأراضي القابلة للزراعة؛ حيث تقدَّر بحوالي 14.5% من مجموع المساحة الكلية البالغة 1367 مليون هكتار، أو ما يعادل 198مليون هكتار، تمثل النسبة المزروعة منها 27 % فقط؛ أي حوالي 54 مليون هكتار، وذلك بمتوسط ربع هكتار لكل فرد" (جامعة الدول العربية وآخرون، التقرير الاقتصادي العربي الموحد 1998م، تحرير صندوق النقد العربي، أبو ظبي، ص: [80]).
- العالم الإسلامي بمناخه وبموارده من المياه والأراضي القابلة للزراعة مهيَّأ لإنتاج كل أنواع المحاصيل الزراعية، وفي إمكان المنطقة العربية الإسلامية ككل أن تحقق الاكتفاء الذاتي في ما يتعلق بمتطلباتها الغذائية.
- الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى تمثل ثروة هائلة من الأراضي الزراعية بالنسبة للعالم الإسلامي؛ حيث إن المساحة المزروعة في هذه الجمهوريات تبلغ 117مليون فدان. ولبيان أهمية هذا، فإننا نشير إلى أن عدد سكان هذه الجمهوريات حوالي 60 مليون نسمة وإذا قارنَّا ذلك بحالة مصر؛ حيث عدد السكان متساوٍ تقريباً، بينما المساحة المزروعة في مصر لا تتجاوز ثمانية ملايين فدان. هذه المقارنة تُظهِر أهمية هذه المنطقة الإسلامية في مجال الزراعة (د. رفعت العوضي، عالم إسلامي بلا فقر، كتاب الأمة، عدد: [79]، قطر، 2001م، ص: [38]).
- كفاءة نظم الري المستخدمة في الدول الإسلامية العربية تتسم بالتبديد لموارد المياه أكثر من الترشيد والكفاءة؛ حيث يستخدم حوالي 11.2 ألف م3 في ري الهكتار بينما تقدَّر كمية المياه اللازمة للزراعة بنحو 7.8 ألف م3 (جامعة الدول العربية وآخرون، التقرير الاقتصادي العربي الموحد، 1998م، ص: [65]).
- "المعدلات المسجلة في الولايات المتحدة وأوروبا لإنتاجية المحاصيل الزراعية -وبالتحديد الحبوب- تقدر بحوالي 5.1 طن للهكتار؛ وذلك مقارنة بالدول الإسلامية العربية؛ حيث وصل إلى 2.3 طن للهكتار عن الفترة ما بين عامي (1994-1996)م نفسها" (عبد القادر الطرابلسي، أضواء على مشكلـة الغذاء بالمنطقة العربية الإسلامية، كتاب الأمة، قطر، عدد: [68]، 1999م، ص: [101]).
يعكس ذلك محدودية استخدام المدخلات وعوامل الإنتاج الزراعية من البذور عالية الإنتاج والأسمدة والمبيدات الحشرية والآلات الزراعية ذات التقنية العالية.
2- الموارد المائية
تتنوع مصادر المياه في العالم الإسلامي بين أنهار، ومياه جوفية، وأمطار. وتجمع أحواض الأنهار أكثر من دولة وتجعلها في إطار منظومة تكاملية واحدة، مثل نهر النيل، ويجمع بين مصر والسودان. وحوض نهري دجلة والفرات، ويجمع تركيا والعراق وسوريا.
والمياه ضرورة من ضرورات الحياة قال تعالى: {
وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ
} [الأنبياء من الآية:30].
وباعتبار المياه ضرورة فإنها "تغطي زهاء 71% من سطح الكوكب ويقدر حجمها بنحو 1.41 مليار م3، توجد 98% منها في المحيطات العالمية وفي البحار الداخلية"
[4]، وتمثِّل مياه البحار المالحة المصدر الرئيس للمياه العذبة من خلال ما يعبَّر عنه بالدورة الهيدرولوجية أي دوران المياه من الغلاف الجوي إلى مجمعات المياه والبحار ثم عودته للغلاف الجوي.
وتنقسم المياه العذبة إلى: موارد طبيعية تشمل مياه الأنهار والخزانات من مياه الأمطار والمياه الجوفية التي يحصل عليها الإنسان من خلال الآبار والعيون.
وموارد صناعية من خلال معالجة الإنسان للمياه المستعمَلة في مجال الصرف الصحي وإعادة استخدامها إلى جانب تحلية مياه البحر.
وتتهم المنطقة الإسلامية بقصور الموارد المائية فيها، والإحصائيات تخالف هذا الزعم؛ حيث إن الموارد المائية المتجددة (الطبيعية) في المنطقة العربية الإسلامية تبلغ 245 مليار م3 في السنة (جامعة الدول العربية وآخرون، التقرير الاقتصادي العربي الموحد، أبو ظبي، 1996م، ص: [154]).
هذه الإحصائية تبرز أهميتها على صعيد استعمال المياه؛ حيث "يبلغ إجمالي الكميات المستخدمة منها لكافة الأغراض سنوياً حوالي 66% فقط، تستهلك الزراعة حوالي 91% من تلك الكميات، يليها الاستخدامات المنزلية 5 %، ثم الصناعة بنسبة 4%" (جامعة الدول العربية وآخرون، التقرير الاقتصادي العربي الموحد، أبو ظبي، 1996م، ص: [29]).
"وبناءً على ذلك فإن هذه الموارد المائية الطبيعية في المنطقة العربية الإسلامية كافية لجميع الأغراض، وذلك فضلاً عن الموارد المائية الصناعية التي تميزت بها دول الخليج، من تحلية لمياه البحر عن طريق التقطير لمواجهة النقص الناجم عن نقص الموارد المائية الطبيعية، هذه المياه التي بلغت 8 مليار م3 في سنة" (جامعة الدول العربية وآخرون، التقرير الاقتصادي العربي الموحد، 1995م ص: [81]).
3- باطن الأرض:
إن الحديث عمَّا في باطن الأرض هو في حقيقته حديث عن المعادن والطاقة في العالم الإسلامي؛ اكتُشفَت أو لم تُكتشَف، استُغلَّت أو لم تُستغَل.
أما بالنسبة للإنتاج في العالم الإسلامي، فلا يمكن الزعم بأن كل الأرض في الدول الإسلامية قد مُسحت مسحاً معدنياً شاملاً؛ حيث يرتبط ذلك بالإمكانيات الحديثة والاتفاقيات التي تُعقَد ليجري المسح للتعرف على المعادن المخبوءة في باطن الأرض؛ حيث يعتمد العالم الإسلامي على الدول المتقدمة تكنولوجياً في عمليات الكشف، التي قد تكون ضد صالح الدول الإسلامية، وعلى سبيل المثال بالنسبة للنفط في دول شرق آسيا؛ فإن شركة الكونسورتيوم التي تضم عدة شركات غربية تملك حصة كاملة في 12 منطقة تنقيب في كازاخستان، تشكل 10% دعت حكومة كازاخستان هذا التجمع لمسحها (مجلة السياسة الدولية، مركز الأهرام للطبع والنشر، 31/1/1998م).
وبناءً على ذلك فإن 90% لم يتم مسحها بعد، وهناك تنافس من شركات أخرى للتنقيب فيها، ومما هو جدير بالإشارة أن إنتاج هذه الدولة يقدر ب 25 مليون طن من البترول (د. رفعت العوضي، عالم إسلامي بدون فقر، مرجع سابق، ص: [141]).
ويتضح مما تقدَّم وجود كمية أكبر لو جرى المسح بصورة كاملة. إن هذا المثال ينطبق على دول كثيرة من العالم الإسلامي.
وفي معرض إنتاج الطاقة في العالم الإسلامي ينبغي ملاحظة النقاط التالية:
1- يُنتِج العالم الإسلامي خامات كثيرة: أهمها النحاس، والبترول، والقصدير، والمنغنيز، والرصاص، والحديد، والكروم.
2- تتميز كل دولة بمنتَج معيَّن: فمثلاً دول الخليج تنتج البترول، وإندونيسيا وماليزيا تنتجان البوكسيت، وتركيا لها أهميتها في إنتاج الفحم، تليها باكستان، وإيران والمغرب لهما أهميتهما في إنتاج الفوسفات تليهما تونس ثم الأردن (د. رفعت العوضي، عالم إسلامي بدون فقر، مرجع سابق، ص: [155]).
وتبرز أهمية التكامل بين الدول الإسلامية من خلال هذا التباين في إنتاج المعادن، والتخصصية التي أنعم الله بها على العالم الإسلامي.
وتشارك الدول الإسلامية بالنصيب الأكبر في إنتاج البترول؛ ولكن بالنسبة للطلب العالمي للبترول الذي يوضح مدى فاعلية المنتج في التصنيع، نجد الدول الإسلامية لا تستهلك من بترولها إلا قليلاً؛ حيث يرتبط معدَّل الاستهلاك (زيادة ونقصاً) بمدى التقدم الصناعي والاقتصادي.
ثالثاً: الموارد المتجددة في العالم الإسلامي
إن المجهود البشري له أثره الكبير على الفعالية الاقتصادية؛ لأنه بمقدار ما يكون هذا المجهود موجِّهاً ومنظماً ومزوداً بالكفاية: من النوعية والتأهيل والاختصاص يكون الإنتاج أجود ويعطي النتائج المرجوة منه.
والمجهود البشري يعبَّر عنه بالعمل الذي يبذله الإنسان بجسمه أو بعقله في سبيل إنشاء منفعة أو إشباع حاجاته الأساسية والتكميلية والمجهود البشري بشقَّيه: العقلي والعضلي، له مقومات نتتبعها في ما يلي:
1- الصحة:
شهدت السنوات الأخيرة من القرن العشرين تحسناً ملحوظاً في الواقع الصحي في مختلف دول العالم الإسلامي؛ وذلك في خدمات التحصين ضد الأمراض المعدية، وتطعيم الأطفال، وهو ما كان له الأثر الأكبر في انخفاض نسبة الوفيات بين الأطفال. ومع ذلك فإن هناك نسبة كبيرة من السكان يعانون من سوء التغذية؛ ففي المنطقة الإسلامية العربية بصفة عامة فإن 30% من السكان يعانون من سوء التغذية، وحوالي 60% من الأطفال يحصلون على أقل من المعدل العالمي المعترف به من البروتين، والمنطقة العربية تستورد 50% من حاجاتها الغذائية (http//www.un.org/arabic).
ويمثل الحرمان من الرعاية الصحية الجيدة أولَ مراحل الحكم على البشر بالفقر، ويمثل المرض إحدى تجليات الفقر، ورافداً من روافده؛ فإن التمتع بصحة جيدة يساوي القدرة على العمل، ولهذه القدرة أهمية خاصة بالنسبة للفقراء الذين عادة ما يعملون في أنشطة مرهقة جسدياً، وبما أن الكسب يمثل عماد العيش للغالبية العظمى من الفقراء، فإن المرض يؤدي إلى تفاقم الفقر نتيجة الحرمان من الكسب. وفي السعودية فإن هناك أكثر من 200 مليون ريال تحترق سنوياً بمدينة الرياض وحدها في شراء واستهلاك ما يقارب من 170 ألف علبة من السجائر المختلفة (http//www.saudi-online.com).
تُرى ماذا لو جرى استغلال هذا المبلغ في صندوق خاص لمعونة فقراء الدول الإسلامية في الصومال وإريتريا؟
أيضاً الأسرة المصرية تنفق 5 % من دخلها على السجائر وتنفق 2% من الدخل على الصحة (د. إسماعيل سلام، تقرير عن الصحة في مصر، مجلس الشورى المصري، القاهرة، 2000م، تقرير غير منشور، ص: [43]).
ومن ثَمَّ فهناك خطورة تعيشها الأقطار الإسلامية النامية والواقع الصحي فيها له أسوأ المردود على الاقتصاد؛ حيث إن زيادة الأمراض تتناسب طردياً مع البطالة والفقر، ومن ثَمَّ فإن الخسارة الكبيرة المتمثلة فى الطاقات البشرية التي هي عماد التنمية في كل دولة، وإن أي تجاهل لهذا العامل (الصحة) يمثل هدراً لقوى بشرية تحتاج إليها أي دولة؛ سواء كانت صاعدة أو هابطة؛ فهي وسيلتها للتنمية وغايتها، وأي إنفاق في اتجاه تحسين الصحة له مردوده الناجع على التنمية.
2- التعليم:
إن العلم الذي نحن بصدده، هو الخاص باكتساب المعرفة والخبرات التي تؤهل الفرد ليكون عنصراً مفيداً منتجاً في مجتمعه، وهو الذي يعجز بدونه عن أداء رسالته الإنسانية على وجه مرضٍ وهذا العلم ليس وقفاً على صفوة من أفراد المجتمع، وإنما يجب أن يكون هناك قاعدة عريضة من المتعلمين تشمل نسبة هامة من السكان، وتتدرج من محو الأمية إلى تربية جيل من العلماء الباحثين.
ولكن الواقع العلمي والتعليمي في الأقمار الإسلامية مؤسف؛ إذ إن 30% من أطفال العرب لا يلتحقون بالمدرسة من الأصل (د. محي الدين صابر: الأمية مشكلات وحلول، بدون ناشر، 1998م، القاهرة، ص: [30]).
ومن ثَمَّ فإنهم ينضمون إلى الأميين الكبار، وهو ما يشكل عقبة خطيرة في وجه عمليات التنمية والتحديث من أجل اللحاق بركب العالم المتقدم.
وفي إحصائية للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) فإن نسبة الأمية في العالم الإسلامي تفوق 46% من مجموع السكان الكلي؛ وهو ما يعني أنَّ نصف عدد سكان العالم الإسلامي لا يعرفون القراءة والكتابة (د. عبد العزيز التويجري، الأمية في العالم الإسلامي، مؤتمر الأمية في العالم الإسلامي، المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة الإيسيسكو، القاهرة 2001م).
وتوفير وإتاحة التعليم الأَوَّلي من العوامل التي لا غنى عنها من أجل دعم الشعب وتمكينه وزيادة قدراته. ويرتبط التعليم بالتنمية البشرية؛ إذ يحدث التعليم الحَراك الاجتماعي ويجعل هؤلاء المتعلمين وحدَهم القادرين على دفع عجلة التنمية، وأن غير المتعلمين يمثلون عبئاً ثقيلاً يبطِّئ معدلات النمو.
إن الفجوة تزيد في الاتساع من حيث مفاهيم الأمية التي تعني في أقطار العالم الإسلامي: الأمية الأبجدية. والأمية في اليابان تعني عدم الإلمام بقواعد التعامل مع الكمبيوتر.
وأصبحت العملية التعليمية في كثير من الدول الإسلامية، كـ: "الكَلِّ على مولاه أينما يوجه لا يأتي بخير". ومن التناقضات العجيبة أن يحدث هذا في العالم الإسلامي الذي أرسى الإسلام فيه قيمة العلم والتعلم، واستمرار طلبه كعنصر أساسي في الارتقاء بمستوى العمل البشري؛ فقد كان أول ما أمر به الوحي رسولَنا الأميَّ هو: {
اقْرأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ
} [العلق:1]؛ فالقراءة أساس العلم، وهي السبيل للمعرفة، كما أكد الله سبحانه وتعالى على تميز الذين يعلمون: {
يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ
} [المجادلة من الآية:11].
وينعكس ترسيخ هذه القيم والمبادئ الإسلامية المتمثلة في طلب العلم والتعلم وجعله فريضة له بها أجر في الوصول لمحددات الكفاية الإنتاجية للعنصر البشري إلى طاقتها القصوى، فهذه القيم تضع جذوراً عميقة في وجدان المسلم المقْدِم على القيام بمختلف الأعمال الاقتصادية؛ إذ تضيف إليه بُعداً آخر: هو البُعد الأخروي؛ فلا يجوز للفرد القعود عن أداء دوره في النهضة بالمجتمع، ولا يملك التقاعس عن القيام بواجبه في العملية التنموية.
وينبغي أن نشير إلى التكنولوجيا في الأقطار الإسلامية، فهي تكنولوجيا مستوردة وليست إبداعات محلية، بل إن هذا الاستيراد لا يراعي بيئة مستقبل التقنية فيجري استيراد آلات عالية التقنية بالدرجة التي تُلْغَى فيها وظائف الأفراد ويجري ذلك في دولة تمثل البطالة فيها أهم مشكلاتها الاقتصادية.
ولصناعة تكنولوجيا محلية وطنية لا بد أن تزيد الأقطار الإسلامية من الإنفاق على البحث العلمي، وهذا الإنفاق قد يكون أكبر من طاقة دولة فيمكن تجميع ميزانية أكبر للبحوث العلمية ومراكز البحث، وتوفير الأدوات اللازمة لإعداد الباحث ويجري ذلك من خلال تكامل اقتصادي يجمع إمكانيات العالم الإسلامي نحو انطلاقة تكنولوجية صحيحة، وخاصة أنها تمتلك عدداً كبيراً من الباحثين والعلماء، وتجربة باكستان في الطاقة الذرية خير شاهد على ذلك؛ وبناءً على ذلك تكون الأقطار الإسلامية قد بدأت بداية تكنولوجية صحيحة تمكِّنها من أن تتعامل دولياً في هذا المجال انطلاقاً من موقف الند، وليس من موقف التابع.
الخلاصة:
تعاني الدول الإسلامية من تخلف اقتصادي واسع المدى يتمثل في عدم استخدام الموارد المبدَّدة (الطبيعية)، والموارد المجددة (البشرية) أو قلة استخدامها، مع ما يترتب على ذلك من فقر وركود وتقهقر، وحتى الدول الغنية بالموارد المبدَّدة تبقى حالتها متخلفة على العموم؛ إذ إنها تفقد العنصر الآخر من الموارد المجددة الممثَّلة في العنصر البشري، تطويره وترقيته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع:
[1]- (رجاء جارودي، كيف شارك الإسلام في الحضارة الإنسانية، ضمن أعمال ندوة الثقافة العربية... الواقع وأفاق المستقبل التي نظمتها جامعة قطر عام 1993م، ترجمة محمد عبد القادر، قطر، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، قطر، ص: [532]).
[2]- (
رجاء جارودي، كيف شارك الإسلام في الحضارة الإنسانية، ضمن أعمال ندوة الثقافة العربية... الواقع وأفاق المستقبل التي نظمتها جامعة قطر عام 1993م، ترجمة محمد عبد القادر، قطر، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، قطر
، ص: [533]).
[3]- (جورج قرم، التنمية المفقودة، دراسة في الأزمة الحضارية والتنموية العربية، دار الطليعة، بيروت، 1996م، ص: [80]).
[4]- (معهد الموارد العالمية، موارد العالم 1992-1993م، ترجمة الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، مركز الأهرام للترجمة والنشر، القاهرة، ص: [196]).
مصطفى محمود عبد السلام
- التصنيف: