مقارنة بين عهدين
منذ 2014-02-11
رغم أن عدد المسلمين في القارة يبلغ حوالي خمسمائة مليون نسمة, أي بنسبة تزيد عن 60% من جملة القارة و حوالي 40% من جملة المسلمين في العالم, ويتركز المسلمون في الشمال بنسبة 83%، وفي الشرق بنسبة 50% تقريبا, وفي الغرب بنسبة 63% تقريبا, وفي الجنوب بنسبة 11% تقريبا, وفي الوسط بنسبة تتعدى 16%, إلا أن ذلك لم يضمن لهم الحياة الكريمة في بلادهم, بل لم يكفل لهم حق المواطنة أو المشاركة السياسية فيها, بل تعداه للعنف والقتل والتهجير.
لا يبدو أن العداء الذي يكنه الغرب للإسلام والمسلمين له حد أو ضابط, كما لا يبدو أن تبعات هذا الحقد المكنون في نفوسهم سينتهي أو يتوقف في المدى المنظور أو القريب, فأينما وجهت نظرك في دول العالم اليوم ترى مشاهد العنف الممنهج ضد المسلمين على شاشات الفضائيات, ولا يكاد يمر يوم إلا وأخبار اضطهاد المسلمين تتصدر الصحف والمجلات والإذاعات, ولا يدري المهتم بشؤون المسلمين عن أي مأساة يتحدث أو بأي اضطهاد وتنكيل يبدأ.
إن أي مطلع على عهد القوة العسكرية الغربية, التي ظهرت ملامحها منذ التآمر على الخلافة العثمانية لإضعافها ومن ثم إسقاطها وحتى الآن, لا يستطيع إلا أن يصفها بعهد اضطهاد المسلمين والتنكيل بهم, رغم الشعارات الكاذبة التي قدموا على أساسها حضارتهم المزعومة للعالم, وعلى رأسها الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.
ففي آخر الأخبار الواردة من إفريقيا الوسطى قتل ما لا يقل عن 13 شخصا بالعاصمة بانغي خلال اليومين الماضيين، ضمن سلسلة من أعمال العنف العدائية التي تشنها الميلشيات "المسيحية" ضد المسلمين, وكان من بين الذين تم اغتيالهم عضو البرلمان "جان - إيمانويل نجاروا" بعد يوم من إلقائه خطابا ندد فيه بأعمال العنف الطائفية في أفريقيا الوسطى، مؤكدا معارضته للهجمات التي يتعرض لها المسلمون في البلاد على يد الميلشيات "المسيحية " بحسب "بي بي سي".
كما حذر بيتر بوكارت مدير وحدة الطوارئ في منظمة هيومان رايتس ووتش المعنية بحقوق الإنسان في تصريحات لـ"بي بي سي" من أن العنف الطائفي المتصاعد في جمهورية إفريقيا الوسطى قد يؤدي إلى فرار جميع المسلمين منها خلال أيام أو أسابيع قليلة.
ولم يقتصر اضطهاد المسلمين في القارة الإفريقية على إفريقيا الوسطى, بل شمل معظم بلدانها ودولها, ففي نيجيريا لا يزال القمع والاضطهاد ضد المسلمين متواصلا رغم كونهم يشكلون الأغلبية في تلك الدولة, ولا يختلف وضع المسلمين في باقي دول القارة عن كل من إفريقيا الوسطى ونيجيريا.
ورغم أن عدد المسلمين في القارة يبلغ حوالي خمسمائة مليون نسمة, أي بنسبة تزيد عن 60% من جملة القارة و حوالي 40% من جملة المسلمين في العالم, ويتركز المسلمون في الشمال بنسبة 83%, وفي الشرق بنسبة 50% تقريبا, وفي الغرب بنسبة 63% تقريبا, وفي الجنوب بنسبة 11% تقريبا, وفي الوسط بنسبة تتعدى 16% تقريبا حسب إحصائية قامت بها باحثة من جامعة إم درمان عام 2010, إلا أن ذلك لم يضمن لهم الحياة الكريمة في بلادهم, بل لم يكفل لهم حق المواطنة أو المشاركة السياسية فيها, ولم يقتصر الأمر على إقصائهم من العملية السياسية برمتها, بل تعداه للعنف والقتل والتهجير.
وفي القارة الأوربية والأمريكية يتعرض المسلمون في العصر الحديث لأسوأ موجة تمييز عنصري في بلاد طالما تبجحت بالحرية التي يتمتع بها قاطنوها أيا كانت جنسياتهم أو دياناتهم, فلما ازاداد عدد المسلمين فيها وانتشر بشكل كبير أظهرت عدوانيتها وعنصريتها المقيتة.
وفي آسيا لا يخفى على أحد ما يتعرض له المسلمون من اضطهاد, ففي بورما يتعرض مسلمو الروهنجيا لأسوأ عملية إبادة جماعية على يد البوذيين وبصمت وتواطئ غربي فاضح, وفي بنغلادش لم تتوقف حملة الحكومة على العلماء والرموز, وكان آخرهم إعدام الشيخ عبد القادر ملا, ناهيك عن أعمال العنف التي يتعرض لها مسلمو الإيغور في تركستان الشرقية "إقليم شينغيانغ" بالصين, وكذلك في روسيا وتايلاند، وغيرها.
وحتى الدول العربية لم تسلم من موجة العنف الممنهج ضد المسلمين, والتي يقوم بها بالوكالة أتباع الغرب في المنطقة, مما يثير في النفس التساؤل الذي يراود كل مسلم, بل يراود كل إنسان ما تزال فيه مسحة من الإنسانية: لماذا كل هذا العنف والقتل بحق المسلمين؟؟ وهل هو جزاء المعاملة الحسنة التي لقيها اليهود والنصارى من المسلمين في عهد قوتهم وعزهم الطويل!!
إن حقائق التاريخ تثبت أن اليهود والنصارى نعموا في عهد الدولة الإسلامية الممتدة لأكثر من ألف عام من القوة والعزة في أمان واطمئنان وسلام, ونالوا من الحقوق المدنية والدينية والاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية ما لم يكونوا يحلموا به, وكل ذلك نتيجة التزام المسلمين بأوامر دينهم وتعاليمه.
ففي العهد النبوي كانت الوثيقة النبوية في المدينة المنورة من أبرز معالم التسامح الإسلامي مع غير المسلمين وخاصة "أهل الكتاب", كما أن أوامر القرآن الكريم والسنة النبوية تؤكد على وجوب احترام حقوقهم, بل وتحذر كل من يعتدي عليهم وتدعوا لإقامة العدل فيهم, قال تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8], وقال صلى الله عليه وسلم : «» (صحيح البخاري برقم/2995).
وفي عهد الخلافة الراشدة نال أهل الكتاب جميع حقوقهم, ولم يظلم واحد منهم في دينار أو درهم فضلا عن أن يظلم في دمه ونفسه وعرضه, وقد اشتهر أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى شيخا من أهل الذمة يسأل الناس, فأخذ بيده وأرسل لخازن بيت المال: انظر هذا وضربائه فوالله ما أنصفناه أن أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم، فوضع عنه الجزية وعن أمثاله وأحسن إليه. الخراج لأبي يوسف 151.
ولم يتغير حال أهل الكتاب في عهد الدولة الأموية والعباسية, بل زاد تكريمهم والعناية بهم, على عكس ما كانوا يتعرضون له من ظلم وطغيان في عهد الدولة الرومانية.
ومع بداية الفتح الإسلامي العثماني للقسطنطينية لقيت الكنيسة تسامحا إسلاميا منقطع النظير, فقد أمر السلطان محمد الفاتح بإجراء انتخابات لاختيار بطريرك جديد, فاختاروا "جورجيوس سكولاريوس" فمنحه السلطان الفاتح الحق بإدارة شؤون النصارى روحيا ومذهبيا, بل تجاوزت صلاحياته الحدود لتصل إلى مساواته تماما مع منصب الوزير العثماني.
ولقد توارث سلاطين بني عثمان إعطاء هذه الصلاحيات للروم الأرثوذكس في الدولة العثمانية, وكانت لهم الاستقلالية الكاملة بإدارة مدارسهم, وحرية مخاطبة الديوان السلطاني متى أرادوا وبأي شأن أو موضوع, إلى أن أصبحت البطريركية دولة داخل الدولة، بل نالوا من السلطة والنفوذ ما لم ينالوه في أعظم عهود بيزنطة النصرانية قوة.
وبعد كل هذا التسامح الإسلامي مع أهل الكتاب يتلقى المسلمون اليوم على يد الغرب أسوأ الجزاء, فشتان بين التسامح الإسلامي النابع من دين الله الحق, وبين التنكيل الغربي النابع من حقد وحسد لا مبرر له.
د. عامر الهوشان
- التصنيف: