ضوابط استعمال الشَّجَاعَة
فشجاعة علي، والزبير، وخالد، وأبي دجانة، والبراء بن مالك، وأبي طلحة، وغيرهم من شجعان الصحابة إنَّما صارت من فضائلهم؛ لاستعانتهم بها على الجهاد في سبيل الله، فإنَّهم بذلك استحقوا ما حمد الله به المجاهدين.
1- الاستعانة بها في طاعة الله، ومن ذلك الجهاد في سبيل الله:
فيجب استعمال الشَّجَاعَة فيما يقربِّ إلى الله سبحانه وتعالى، من مقارعة الأعداء، والإقدام في ساحات الوغى في الجهاد في سبيل الله. قال ابن تيمية: "ومما ينبغي أن يعلم أن الشَّجَاعَة، إنَّما فضيلتها في الدين لأجل الجهاد في سبيل الله، وإلا فالشَّجَاعَة إذا لم يستعن بها صاحبها على الجهاد في سبيل الله كانت إمَّا وبالًا عليه إن استعان بها صاحبها على طاعة الشيطان، وإمَّا غير نافعة له إن استعملها فيما لا يقربه إلى الله تعالى، فشجاعة علي، والزبير، وخالد، وأبي دجانة، والبراء بن مالك، وأبي طلحة، وغيرهم من شجعان الصحابة إنَّما صارت من فضائلهم؛ لاستعانتهم بها على الجهاد في سبيل الله، فإنَّهم بذلك استحقوا ما حمد الله به المجاهدين، وإذا كان كذلك فمعلومٌ أنَّ الجهاد منه ما يكون بالقتال باليد، ومنه ما يكون بالحجة والبيان والدعوة، قال الله تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا . فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا} [الفرقان: 51- 52]، فأمره الله سبحانه وتعالى أن يجاهد الكفار بالقرآن جهادًا كبيرًا، وهذه السورة مكيَّة نزلت بمكة قبل أن يهاجر النَّبي، وقبل أن يؤمر بالقتال، ولم يؤذن له، وإنَّما كان هذا الجهاد بالعلم والقلب، والبيان والدعوة لا بالقتال، وأما القتال فيحتاج إلى التدبير، والرأي، ويحتاج إلى شجاعة القلب، وإلى القتال باليد، وهو إلى الرأي والشَّجَاعَة في القلب، في الرأس المطاع، أحوج منه إلى قوة البدن" (منهاج السُّنَّة النَّبويَّة: 8/63).
2- أن تكون في موضعها:
فـيُقْدِمُ الشجاع في موضع الإقدام، ويثبت في موضع الثبات، ويحجم في موضع الإحجام. وقال ابن القيم: "ولما كانت الشَّجَاعَة خلقًا كريمًا من أخلاق النفس ترتب عليها أربعة أمور: وهي مظهرها وثمرتها، الإقدام في موضع الإقدام، والإحجام في موضع الإحجام، والثبات في موضع الثبات، والزوال في موضع الزوال. وضد ذلك مخلٌّ بالشَّجَاعَة، وهو إمَّا جبن، وإمَّا تهور، وأما خفة وطيش" (الفروسية: ص 504).
3- أن تقترن بالرأي الصحيح:
قال ابن القيم: "وإذا اجتمع في الرجل الرَّأي والشَّجَاعَة، فهو الذي يصلح لتدبير الجيوش وسياسة أمر الحرب. والنَّاس ثلاثة، رجل، ونصف رجل، ولا شيء، فالرَّجل من اجتمع له أصالة الرأي والشَّجَاعَة، فهذا الرجل الكامل، كما قال أحمد بن الحسين المتنبي:
الرأي قبل شجاعة الشجعان *** هو أول وهي المحل الثاني
فإذا هما اجتمعا لنفس مرة *** بلغت من العلياء كل مكان
ونصف الرجل، وهو من انفرد بأحد الوصفين دون الآخر، والذي هو لا شيء، من عري من الوصفين جميعًا" (الفروسية: 505).
وقال أيضًا: "وصحة الرأي لقاح الشَّجَاعَة، فإذا اجتمعا كان النصر والظفر، وإن قعدا فالخذلان والخيبة، وإن وجد الرأي بلا شجاعة فالجبن والعجز، وإن حصلت الشَّجَاعَة بلا رأي فالتَّهور والعطب، والصبر لقاح البصيرة، فإذا اجتمعا فالخير في اجتماعهما، قال الحسن: إذا شئت أن ترى بصيرًا لا صبر له رأيته، وإذا شئت أن ترى صابرًا لا بصيرة له رأيته، فإذا رأيت صابرًا بصيرًا فذاك" (الفوائد لابن القيم: ص 200).
- التصنيف: