قراءة أخرى لقصر الحمراء

منذ 2014-02-18

 

أيُّ شمسٍ هنا وأيُّ ضياءِ *** لم تقاومْ جحافلَ الظلماءِ

 

ولماذا انطوى صباحٌ جميلٌ *** عن روابي غرناطةَ الخضراءِ؟

كيف صارت هذي القلاع رموزاً *** لانكسارٍ وحسرةٍ وانزواءِ؟

هذه قَلْعةٌ وتلكَ حصونٌ *** شامخاتٌ بديعةٌ في البناء

 

كلّ حصنٍ يَتيهُ حتى كأنّا *** نَتراءى كواكبَ الجوزاء

وهناك القاعاتُ، قاعةُ ملكٍ *** ذاتُ حُسْنٍ وقاعةُ السُّفراءِ

كلّها تحتمي بِبُرجِ دمشقٍ *** وهو كالطَّود شامخاً في ارتقاءِ

 

يَعْتلي صَهْوةَ الجبالِ ويَرمي *** نظراً بالغاً عَنانَ السماءِ

ويرى خلْفَه بياضَ ثُلوجٍ *** من رؤوسِ الشوامخ البيضاءَ

من "شُلَيْرٍ" تلك الجبال الرّواسي *** جُلِّلَتْ من جليدها برداءِ

 

ها هنا للنقوش ألْفُ حديثٍ *** عن فنونٍ بديعةٍ، وثراءِ

كلّ نقشٍ منها يتيه جمالاً *** مُعرباً عن مظاهر الخُيَلاءِ

أيُّ معنىً لنَقْشِ آياتِ ربّي *** في جدارٍ ولوحةٍ وكساءِ

 

لا تُفيد النقوشُ قلباً غريقاً *** خاوياً من مشاعر الأتقياءِ

ها هنا الزخرفاتُ فنٌّ يُرينا *** كيف ترقى الفنونُ بالأشياءِ

هذه بِرْكةُ الأسودِ وهذا *** مسرح الرّاقصات دون حياء

 

وهنا مجلس الأمير تراخى *** بين غِلْمانه وبين الإماءِ

ضَجَّ هذا المكانُ من صوتِ عزْفٍ *** ومواويلِ مُطْربٍ وغناءِ

ووراءَ الأسوارِ ليستْ بعيداً *** عن حِماها جحافلُ الأعداءِ

 

كان وجهُ "الصغير" وجهاً صغيراً *** فيه معنى الهزيمةِ النّكراءِ

منذُ أعطى الإفْرَنْجَ عهدَ خضوعٍ *** أصبحوا يرمقونه بازدراءِ

أغضب اللهَ بالمعاصي جِهاراً *** فتهاوى في خندق الأشقياءِ

 

باع ملكاً بقينةٍ وبكأسٍ *** فتخلّى عن قَلْعةِ الحمراءِ

إنّ من يَحتمي بظلّ الأعادي *** كالذي يحتمي بظلّ الحِذاءِ

رحم الله أمّه كم تعالى *** صوتها الحُرّ مُنذراً بالفناء

 

غيرَ أنّ الصغيرَ ظلّ صغيراً *** مُسرفاً في الهوى قليلَ الوفاء

حينما أبصرتْه يبكي أشاحتْ *** ثمّ قالت مقالةَ الحكماءِ

أنت ضيّعتَ بالعَمالةِ مُلْكاً *** شامخاً فابكه بُكاءَ النّساءِ

 

كلّ شيءٍ هنا يُثيرُ اتّعاظاً *** ويُرينا نهايةَ العُملاءِ

ليت شعري مَن يفهم الدرسَ مِنَّا *** في زمانٍ مُضرّجٍ بالدماءِ؟!

حينما تصبح الولايةُ لهْواً *** ترتمي في العواصف الهَوْجاءِ

 

عبد الرحمن بن صالح العشماوي

الشاعر المعروف أستاذ النقد الحديث بجامعة الإمام محمد بن سعود

  • 13
  • 0
  • 3,254

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً