من معاني الصبر

منذ 2014-02-22

 

معنى الصبر لغةً واصطلاحًا:



معنى الصبر لغةً:

الصَّبْـرُ نقيض الجَزَع، صَبَرَ يَصْبِرُ صَبْـرًا فهو صابِرٌ وصَبَّار وصَبِيرٌ وصَبُور والأُنثى صَبُور أَيضًا بغير هاء وجمعه صُبُـرٌ. وأَصل الصَّبْر الحَبْس وكل من حَبَس شيئًا فقد صَبَرَه، والصبر: حبس النفس عن الجزع (الصحاح للجوهري: ص [706]، لسان العرب لابن منظور [4/437]).



معنى الصبر اصطلاحًا:

الصبر هو حبس النفس عن محارم الله، وحبسها على فرائضه، وحبسها عن التسخط والشكاية لأقداره (رسالة ابن القيم إلى أحد إخوانه: ص [18]).

 

وقيل هو: ترك الشكوى من ألم البلوى لغير الله لا إلى الله (التعريفات للجرجاني: ص [131]).

 

وقيل الصبر: حبس النفس على ما يقتضيه العقل والشرع، أو عما يقتضيان حبسها عنه (مفردات ألفاظ القرآن الكريم للراغب الأصفهاني [474]، وقريب منه  تعريف ابن القيم الصبر بأنه: ثبات القلب على الأحكام القدرية والشرعية (الروح: ص [241]).




الفرق بين الصبر، والتصبر، والاصطبار، والمصابرة، والاحتمال:

الفرق بين هذه الأسماء بحسب حال العبد في نفسه وحاله مع غيره:

 

- فإن حبس نفسه ومنعها عن إجابة داعي ما لا يحسن؛ إن كان خلقًا له وملكة سمي صبرًا.

 

- وإن كان بتكلف وتمرن وتجرع لمرارته سمي تصبرًا.

 

كما يدل عليه هذا البناء لغةً، فإنه موضوع للتكلف كالتحلم والتشجع والتكرم والتحمل ونحوها، وإذا تكلفه العبد واستدعاه صار سجية له.

 

كما في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ومن يتصبر يصبره الله» (رواه البخاري [1469] من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه)، وكذلك العبد يتكلف التعفف حتى يصير التعفف له سجية، كذلك سائر الأخلاق.

 

وأما الاصطبار فهو أبلغ من التصبر:

 

فإنه افتعال للصبر بمنزلة الاكتساب، فالتصبر مبدأ الاصطبار، كما أنَّ التكسب مقدمة الاكتساب، فلا يزال التصبر يتكرر حتى يصير اصطبارًا.

 

وأما المصابرة فهي مقاومة الخصم في ميدان الصبر:

 

فإنها مفاعلة تستدعي وقوعها بين اثنين كالمشاتمة والمضاربة، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 200] فأمرهم بالصبر، وهو حال الصابر في نفسه، والمصابرة وهي حالة في الصبر مع خصمه والمرابطة، وهي الثبات واللزوم والإقامة على الصبر والمصابرة، فقد يصبر العبد ولا يصابر، وقد يصابر ولا يرابط، وقد يصبر ويصابر ويرابط من غير تعبد بالتقوى، فأخبر سبحانه أن ملاك ذلك كله التقوى، وأن الفلاح موقوف عليها فقال: {وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}؛ فالمرابطة كما أنها لزوم الثغر الذي يخاف هجوم العدو منه في الظاهر؛ فهي لزوم ثغر القلب؛ لئلا يدخل منه الهوى والشيطان فيزيله عن مملكته  (عدة الصابرين لابن القيم:  ص [41]).




الفرق بين الاحتمال والصبر:
 

أنَّ الاحتمال للشيء يفيد كظم الغيظ فيه، والصبر على الشدة يفيد حبس النفس عن المقابلة عليه بالقول والفعل، والصبر عن الشيء يفيد حبس النفس عن فعله، وصبرت على خطوب الدهر، أي: حبست النفس عن الجزع عندها، ولا يستعمل الاحتمال في ذلك؛ لأنك لا تغتاظ  (الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري: ص [22]).




لماذا سمي الصبر صبرًا؟

حكى أبو بكر بن الأنباري عن بعض العلماء أنه قال: إنما سمي الصبر صبرًا؛ لأن تمرره في القلب وإزعاجه للنفس كتمرر الصبر (الصبر: هو الدواء المر المعروف. انظر: (النهاية في غريب الحديث لابن الأثير [4/317]). في الفم، (ذم الهوى لابن الجوزي: ص [58]).




أولًا: في القرآن الكريم:

الصبر من أكثر الأخلاق التي اعتنى بها دين الإسلام؛ لذا تكرر ذكره في القرآن في مواضع كثيرة.

 

قال أبو عبد الله أحمد بن حنبل: ذكر الله سبحانه الصبر في القرآن في تسعين موضعًا (عدة الصابرين) لابن القيم: ص [113]).

 

وقد سيق الصبر في القرآن في عدة أنواع ذكرها ابن القيم في كتابه (عدة الصابرين) ونحن نذكر بعضها:

 

- أحدها: الأمر به، كقوله: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ} [النحل من الآية: 127] وقال: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} [الطور من الآية: 48].

 

- الثاني: النهي عما يضاده، كقوله تعالى: {وَلا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ} [الأحقاف من الآية: 35] وقوله:  {وَلا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ} [القلم من الآية: 48].

 

- الثالث: تعليق الفلاح به، كقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران:200]، فعلق الفلاح بمجموع هذه الأمور.

 

- الرابع: الإخبار عن مضاعفة أجر الصابرين على غيره، كقوله: {أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا} [القصص من الآية: 54] وقوله: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر من الآية: 10].

 

- الخامس: تعليق الإمامة في الدين، به وباليقين، قال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:24] (عدة الصابرين لابن القيم: ص [114]).




ثانيًا: في السنة النبوية:
 

- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن ناسًا من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، حتى نفد ما عنده، فقال: «ما يكون عندي من خير فلن أدخره عنكم، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء خيرًا وأوسع من الصبر» (رواه البخاري [1469]).

 

قوله صلى الله عليه وسلم: «ومن يتصبر»: أي يطلب توفيق الصبر من الله؛ لأنه قال تعالى: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ} [النحل من الآية: 127]. أي يأمر نفسه بالصبر ويتكلف في التحمل عن مشاقه، وهو تعميم بعد تخصيص؛ لأن الصبر يشتمل على صبر الطاعة والمعصية والبلية، أو من يتصبر عن السؤال والتطلع إلى ما في أيدي الناس بأن يتجرع مرارة ذلك ولا يشكو حاله لغير ربه «يصبِّره الله»: بالتشديد أي: يسهل عليه الصبر، فتكون الجمل مؤكدات. ويؤيد إرادة معنى العموم قوله: «وما أعطي أحد من عطاء»: أي معطى أو شيئًا، «أوسع»: أي أشرح للصدر، «من الصبر»: وذلك لأن مقام الصبر أعلى المقامات؛ لأنه جامع لمكارم الصفات والحالات ((عون المعبود شرح سنن أبي داود) لشمس الحق العظيم أبادي [5/59]).

 

- وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنَّ الصبر عند الصدمة الأولى، فعن أنس رضي الله عنه قال: مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر، فقال: «اتقي الله واصبري». قالت: إليك عني؛ فإنك لم تصب بمصيبتي، ولم تعرفه، فقيل لها: إنه النبي صلى الله عليه وسلم، فأتت باب النبي صلى الله عليه وسلم فلم تجد عنده بوَّابين -البواب: اللازم للباب، وحرفته البوابة. انظر: (لسان العرب لابن منظور [1/223])، فقالت: لم أعرفك، فقال: «إنما الصبر عند الصدمة الأولى» (رواه البخاري [1283]).

 

قال ابن القيم: فإنَّ مفاجئات المصيبة بغتة لها روعة تزعزع القلب، وتزعجه بصدمها، فإن صبر الصدمة الأولى انكسر حدها، وضعفت قوتها، فهان عليه استدامة الصبر، وأيضًا فإنَّ المصيبة ترد على القلب وهو غير موطن لها فتزعجه، وهى الصدمة الأولى، وأما إذا وردت عليه بعد ذلك توطَّن لها، وعلم أنَّه لا بد له منها فيصير صبره شبيه الاضطرار، وهذه المرأة لما علمت أنَّ جزعها لا يجدي عليها شيئًا؛ جاءت تعتذر إلى النبي كأنها تقول له قد صبرت، فأخبرها أنَّ الصبر إنما هو عند الصدمة الأُولى (عدة الصابرين: ص [121]).

 

- وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه قال لعطاء: ألا أُريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلى، قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: إني أصرع وإني أتكشف، فادع الله لي. قال: «إن شئت صبرت؛ ولك الجنة. وإن شئت دعوت الله أن يعافيك». قالت: أصبر. قالت: فإني أتكشف فادع الله أن لا أتكشف، فدعا لها (رواه البخاري [5652]، ومسلم [2576]).

 

- وبيَّن صلى الله عليه وسلم أنَّ من صبر على فقد عينيه عوضه الله الجنة، فعن أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ الله عز وجل قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه، فصبر عوضته منهما الجنة- يريد عينيه-» (رواه البخاري [5653]).

 

قال ابن بطال: في هذا الحديث حجة في أنَّ الصبر على البلاء ثوابه الجنة، ونعمة البصر على العبد، وإن كانت من أجلِّ نعم الله تعالى فعوض الله عليها الجنة أفضل من نعمتها في الدنيا؛ لنفاد مدة الالتذاذ بالبصر في الدنيا، وبقاء مدة الالتذاذ به في الجنة (شرح صحيح البخاري [9/377]).

 

- وعن صهيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عجبًا لأمر المؤمن إنَّ أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سرَّاء -السراء: الرخاء. انظر: (لسان العرب لابن منظور [4/361]). شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرَّاء -الضراء: نقيض السراء. انظر: (لسان العرب لابن منظور [4/483]). صبر فكان خيرًا له» (رواه مسلم [2999]).

 

قوله: «عجبًا لأمر المؤمن إنَّ أمره كله له خير». أي: أن الرسول عليه الصلاة والسلام أظهر العجب على وجه الاستحسان لأمر المؤمن، أي: لشأنه، فإنَّ شأنه كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن.

 

ثم فصل الرسول عليه الصلاة والسلام هذا الأمر الخير فقال: «إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له».

 

هذه حال المؤمن وكل إنسان، فإنه في قضاء الله وقدره بين أمرين: إما سراء وإما ضراء، والناس في هذه الإصابة ينقسمون إلى قسمين: مؤمن وغير مؤمن، فالمؤمن على كل حال ما قدر الله له فهو خير له، إن أصابته الضراء صبر على أقدار الله، وانتظر الفرج من الله، واحتسب الأجر على الله فكان خيرًا له، فنال بهذا أجر الصابرين.

 

وإن أصابته سراء من نعمة دينية كالعلم والعمل الصالح، ونعمة دنيوية كالمال والبنين والأهل شكر الله، وذلك بالقيام بطاعة الله عز وجل.

 

فيشكر الله فيكون خيرًا له، ويكون عليه نعمتان: نعمة الدين ونعمة الدنيا، نعمة الدنيا بالسراء، ونعمة الدين بالشكر هذه حال المؤمن.

 

وأما الكافر فهو على شرٍّ -والعياذ بالله- إن أصابته الضراء لم يصبر بل يضجر، ودعا بالويل والثبور، وسبَّ الدهر، وسبَّ الزمن.

 

والحديث فيه الحث على الصبر على الضراء، وأن ذلك من خصال المؤمنين، فإذا رأيت نفسك عند إصابة الضراء صابرًا محتسبًا، تنتظر الفرج من الله سبحانه وتعالى، وتحتسب الأجر على الله فذلك عنوان الإيمان، وإن رأيت بالعكس فلُمْ نفسك، وعدِّل مسيرك، وتُبْ إلى الله (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين [1/197-199] -بتصريف-).

 

المصدر: الدرر السنية
  • 39
  • 16
  • 191,234

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً