عندما يعتبر العرب حماس "منظمة إرهابية"
لقد قضت محكمة مصرية اليوم بحكم هو الأول من نوعه في جميع الدول العربية باعتبار حركة حماس "منظمة إرهابية" وهو أمر لا تجده إلا في الكيان الصهيوني حتى أن دولاً أوروبية عديدة داعمة للاحتلال تتعامل بشكل عادي مع حركة حماس بينما أصبحت القاهرة ـ قلب الأمة العربية ـ ترى أنها "إرهابية"! إنها صدمة بالغة الصعوبة على الشعب الفلسطيني المحتل.
حركة حماس:
فرضت حركة حماس الفلسطينية نفسها على الواقع السياسي العربي منذ فترة طويلة وأصبحت رقمًا هامًا وصعبًا في المعادلة واكتسبت شعبية كبيرة في مختلف الدول العربية التي رأت فيها الأمل الحقيقي هي وبقية فصائل المقاومة لإزاحة الاحتلال الغاشم عن أرض فلسطين المحتلة وذلك بعد أن دخلت منظمة التحرير الفلسطين في متاهات "الحلول السلمية" ومفاوضات الموائد المستديرة والتي انتهت إلى القبول بالفتات من أرض فلسطين.
وفي ظل الوضع المتردي في الأراضي المحتلة ظهرت حركة حماس وأخواتها في المقاومة الذين رفعوا شعار الجهاد ضد الاحتلال ورفض الحلول الاستسلامية وتمكنوا من تكبيد الاحتلال خسائر كبيرة أجبرته في النهاية على الانسحاب من جانب واحد من غزة بعد أن فشل في السيطرة عليها من شدة المقاومة.
وعانت حماس وقياداتها الأمرين حيث تمت ملاحقتهم من قبل قوات الاحتلال في الداخل ومن قبل مخابراتها في الخارج ولم تقبل سوى عدد قليل من الدول العربية بوجود عناصر حماس على أراضيها بسبب الخطر الذي يلاحقهم في كل مكان يذهبون إليه.
ونالت حركة حماس ثقة الشعب الفلسطيني واكتسحت أول انتخابات في الأراضي المحتلة وشكلت أول حكومة قبل أن تدب الخلافات بينها وبين حركة فتح بسبب تآمر جبهة دحلان الذي تم فصله فيما بعد من حركة فتح بعد التأكد من تعامله المشبوه مع قوات الاحتلال. وظلت حماس تحكم غزة طوال السنوات القليلة الماضية رغم الحصار والقصف الصهيوني المستمر وعانت أشد المعاناة من عدم دعمها بشكل كافي من محيطها العربي وخصوصًا من مصر مبارك وعندما جاء أول رئيس منتخب ينتمي إلى التيار الإسلامي في مصر استبشرت الحركة خيرًا وبدأت انفراجة واضحة في قضية الحصار إلا ان إطاحة الجيش بالرئيس مرسي عادت للوضع في غزة لأسوأ مما كان في عهد مبارك بعد أن نالها من السهام الإعلامية ما نال التيار الإسلامي كله في حالة من السعار العلماني ضد جميع أبناء الحركة الإسلامية بمختلف توجهاتهم.
لقد قضت محكمة مصرية اليوم بحكم هو الأول من نوعه في جميع الدول العربية باعتبار حركة حماس "منظمة إرهابية" وهو أمر لا تجده إلا في الكيان الصهيوني حتى أن دولاً أوروبية عديدة داعمة للاحتلال تتعامل بشكل عادي مع حركة حماس بينما أصبحت القاهرة ـ قلب الأمة العربية ـ ترى أنها "إرهابية"! إنها صدمة بالغة الصعوبة على الشعب الفلسطيني المحتل، وهو ما سيترتب عليه نتائج شديدة القتامة مثل عدم التواصل مع حكومة غزة وترك أكثر من مليون فلسطيني يموتون هناك تحت الحصار، وخروج القاهرة من دائرة الوساطة بين حماس وفتح وفقدان أكبر دولة عربية دورها المحور في أكبر قضية تشغل بال المواطن العربي والمسلم.
إن القضية الفلسطينية ظلت دومًا رهينة لمساومات من عدة أنظمة عربية تجد فيها محور جذب لزيادة شعبيتها وهو ما فاقم من الأزمة ولكن اعتبار منظمة مقاومة تعد أكبر خنجر في جنب الاحتلال منظمة "إرهابية" مع وجود علاقات دبلوماسية كاملة بين القاهرة والكيان الصهيوني يعد حالة استثنائية في الصراع ومنعطفًا شديد الخطورة ينذر بعواقب وخيمة.
لم يكن أحد يتصور تحت أي ظرف أن يصل التعامل مع أهم قضية عربية إلى هذا المنحى الذي يخضع لاعتبارات الخلاف السياسي الداخلي والصراع على السلطة مع ما يمثله ذلك من تداعيات سلبية.
العجيب أننا لم نسمع تعليقًا من اصحاب الشعارات الباهتة من الناصريين والقوميين الذين صدعوا رؤوسنا طوال 50 عاما بأحلام القومية العربية وهو ما يؤكد مرة أخرى على حالة السقوط المدوي للنظريات العلمانية في العالم العربي بمختلف مشاربها من يمين ويسار وما يسيطر عليها من أهواء ورغبات جامحة للصعود ولو على حساب "مبادئها وقيمها الأساسية".
خالد مصطفى
- التصنيف: