محاربة الحجاب في بلاد الإسلام!!
أن تقوم الدول الغربية -كفرنسا وغيرها- بمحاربة الحجاب ومحاصرته والتضييق على المحجبات في شتى أمور الحياة اليومية قد يكون أمرًا مفهومًا، أما أن تجد العداء الصريح لهذه الشعيرة الدينية والفريضة المعلومة من الدين بالضرورة في دولة عربية إسلامية عريقة في التزام شعبها بالدين الحنيف، وأن تتحول ظاهرة التضييق على المحجبات من طور الخفاء إلى العلن ومن مرحلة التلميح إلى التصريح، فهو ما لا يمكن تقبله أو تفهمه بأي شكل من الأشكال.
أن تقوم الدول الغربية -كفرنسا وغيرها- بمحاربة الحجاب ومحاصرته والتضييق على المحجبات في شتى أمور الحياة اليومية قد يكون أمرًا مفهومًا، نظرًا لعداء الغرب للإسلام، ومخاوفهم من السرعة المذهلة لانتشاره في دولهم، ناهيك عن سرعة استجابة النساء بشكل خاص لتقبل الحجاب والالتزام به عمليًا فور الدخول في الدين الجديد، مما يعتبره الغرب تغييرًا أيديولوجيًا في العلمانية الإلحادية التي يقوم على أساسها بناؤهم الفكري. أما أن تجد العداء الصريح لهذه الشعيرة الدينية والفريضة المعلومة من الدين بالضرورة في دولة عربية إسلامية عريقة في التزام شعبها بالدين الحنيف، وأن تتحول ظاهرة التضييق على المحجبات من طور الخفاء إلى العلن ومن مرحلة التلميح إلى التصريح، فهو ما لا يمكن تقبله أو تفهمه بأي شكل من الأشكال.
لقد تمت علمنة حياة المسلمين في الدول الإسلامية بطريقة تدريجية، فكانت البداية بمحاولة الغرب فرض علمانيته على الدول الإسلامية في فترة احتلاله واستعماره لها بالقوة، وحين فشل هذا الأسلوب لجأ المحتل إلى أسلوب الغزو الفكري والثقافي، من خلال تسليم مقاليد الحكم لشخصيات ترعرعت في كنفه وتلقت ثقافتها من معينه وتشبعت بأفكاره وقيمه، ناهيك عن وسائل الإعلام التي كانت وما زالت تدس السم بالعسل، حتى وصلت -في أيامنا هذه- إلى مرحلة دس السم الزعاف دون أي عسل أو تحلية. ورغم وجود الكثير من التناقضات الواضحة بين شعارات الغرب التي تدعو للحرية الفردية -وعلى رأسها حرية المعتقد واللباس- وبين مسألة التضييق على المحجبات -رغم دخول الحجاب ضمن مفهوم اللباس الحر-، وعلى الرغم من الآثار الاجتماعية الكارثية لحرية لباس المرأة، ومن أهمها إفساد أخلاق الشباب والفتيات، وجلب الأمراض والعاهات، إلا أن بعض البلاد الإسلامية ما تزال تتبع الغرب وتقلده في هذا الجانب!!
فها هو وزير الشؤون الدينية الجزائري (أبوعبد الله غلام الله) يرد في تصريحات له الأحد الماضي على شكاوى بشأن رفض بعض الإدارات توظيف النساء المحجبات قائلا : "الحجاب الحقيقي هو حجاب الأخلاق، ولكل وظيفة لباسها، وعلى النساء احترام ذلك". وهو رد غريب وعجيب من ناحية المصدر والمضمون، أما المصدر فالغرابة تنبع من كون قائل هذا الكلام وزيرًا للشؤون الدينية، والمفترض أن هذا المنصب موجود للدفاع عن القضايا الإسلامية وفي مقدمتها فريضة الحجاب، ولخدمة المسلمين من خلال تأمين حق مساواة المسلمة المحجبة بغيرها في الحصول على العمل المناسب. وأما غرابة المضمون فيتمثل في الفصل المتعمد بين الجوهر والمضمون في الفرائض الإسلامية بشكل عام و ليس في الحجاب فحسب، فلا شك أن التزام المسلمة بالحجاب عامل من عوامل الحفاظ على أخلاقها وأخلاق المجتمع، وإذا وجد في المجتمع بعض المسلمات اللواتي فسدت أخلاقهن رغم التزامهن بالحجاب مما يعتبر استثناء، فهذا لا يعني الفصل بين هذه الفريضة وأثرها في الحفاظ على العفة والأخلاق، ناهيك عن كون الحجاب فريضة إسلامية بغض النظر عن أي اعتبار آخر. وإذا كان لكل وظيفة لباسها، كما يقول الوزير فأين هي وظائف الدولة المخصصة للمحجبات مثلا؟! أم إن جميع الوظائف الحكومية أضحت حكرًا على النساء غير المحجبات في الدول الإسلامية؟!
لقد كان من الطبيعي ظهور كثير من الاعتراضات على هذا التصريح، فقد نددت (حركة مجتمع السلم) أكبر حزب إسلامي بالجزائر في بيان لها بتصريحات وزير الشؤون الدينية، وعبرت عن أسفها لصدور مثل هذه الردود من مسؤول في الدولة الجزائرية الذي نص دستورها في المادة الثانية أن الإسلام دين الدولة، كما كرس المساواة بين الجزائريين والجزائريات دون تميز، كما أكد البيان على أن منع الجزائريات من التوظيف في بعض الإدارات والمؤسسات الجزائرية بسبب لباسهن هو خرق للدستور وقمع للحريات و تمييز بين النساء الجزائريات.
كما وصف حزب الصحوة الحرة السلفي في بيان له هذا التصريحات بـ "بالمحاربة للحجاب الذي فرضه الله على المؤمنات، داعين الوزير إلى التوبة والاعتذار عن كلامه المخزي" حسب قولهم، كما أشار الحزب في بيانه إلى أن هذا التصريح دعوة صريحة للعري والتبرج والسفور فحسبنا الله ونعم الوكيل، وسبحان الله كيف يحارب الحجاب في بلاد الحجاب وبلاد الإسلام؟! إن أزمة الإزدواجية في تطبيق الدستور والقانون في الدول الإسلامية أضحت ظاهرة تستحق الدراسة والتأمل، فلطالما تبجح العلمانيون بضرورة تطبيق الدستور والالتزام بالقوانين إذا كان الأمر يتعلق بحقوق غير المسلمين أو المسلمات، فإذا ما تعلق الأمر بحقوق المسلمين بدأت المراوغة والخروج عن نصوص تلك الدساتير والقوانين؟! ومن المعلوم أنه لا يوجد أي نص دستوري أو قانوني يمنع المحجبات من التوظيف ، كما أن قانون العمل الجزائري لم يشترط السفور لعمل المرأة، ومع ذلك فإن شكاوى النساء والفتيات اللواتي يؤكدن رفض توظيفهن في إدارات وشركات محلية وأجنبية بسبب ارتدائهن الحجاب يتكرر باستمرار في وسائل الإعلام المحلية. فأين هي مصداقية تلك القوانين؟؟ وأين هي المساواة في تطبيق القانون على جميع الجزائريين؟؟
عامر الهوشان
- التصنيف:
- المصدر: