أيام من حياة زينب الغزالي

منذ 2014-03-19

محنة تحوّلت إلى منحة؛ عندما أراد الله لزينب الغزالي رحمها الله أن تغيّر مسيرة حياتها، وتتوجه إلى الله بكليّتها؛ وتدعو إليه على بصيرة لمدة ثلاثة وخمسين عاماً، فقد تعرضت لحادث حريق في منزلها، كادت تفقد حياتها بسببه، ونذرت -إن عافاها الله من الحروق- أن تعمل لدينه، وتسعى لما فيه خير المرأة المسلمة، وتترك الاتحاد النسائي، وتتوجه إلى الدعوة الإسلامية، وأكرمها الله بالشفاء، وبدأت مرحلة جديدة في مسيرتها الدعويّة.

محنة تحوّلت إلى منحة؛ عندما أراد الله لزينب الغزالي رحمها الله أن تغيّر مسيرة حياتها، وتتوجه إلى الله بكليّتها؛ وتدعو إليه على بصيرة لمدة ثلاثة وخمسين عاماً، فقد تعرضت لحادث حريق في منزلها، كادت تفقد حياتها بسببه، ونذرت -إن عافاها الله من الحروق- أن تعمل لدينه، وتسعى لما فيه خير المرأة المسلمة، وتترك الاتحاد النسائي، وتتوجه إلى الدعوة الإسلامية، وأكرمها الله بالشفاء، وبدأت مرحلة جديدة في مسيرتها الدعويّة.

إن من يتعمق بدراسة مراحل حياة الداعية زينب الغزالي، يدرك أنه أمام امرأة عظيمة، عمَر الإيمانُ قلبها، فقرّرت أن تسير في طريق الحق، دون الالتفات لزينة الحياة الدنيا، وبهرجها الخادع، رائدها الإخلاص، وأمنيتها أن تفوز برضا الله تعالى، وتطمع أن تحظى في الآخرة بجنّته.

كما أنه لايمكن لهذه الشخصية العظيمة أن تتشكل لولا عوامل تضافرت مجتمعة، فجعلتها نسيج وحدها؛ فهي بنت أسرة كريمة، اجتمع لها أصل عريق يمتد إلى الخليفة عمربن الخطاب رضي الله عنه، من جهة أبيها، وإلى الحسن بن علي رضي الله عنهما من جهة أمها.

وكان أبوها من علماء الأزهر، وأولاها من العناية وحسن التربية والتشجيع ما أسهم في تكوّن شخصيتها، فقد كانت تتمتع بشخصية متميزة، تتطلع دائماً لمعالي الأمور.

بعد قراءتي لكتابها (أيام من حياتي) كانت تتملكني الحيرة، ويأخذني العجب العجاب، وعشت صراعاً عنيفاً مع نفسي أقارن بين نظرتي لقصص أغرب من الخيال، عن سجون رئيس كانت جماهير الأمة العربية تتوهم أنه سيكون رائد الوحدة العربية، التي ستكون نواة الوحدة الإسلامية، وبين نبرة الصدق التي ألمسها في كل كلمة من كلمات الداعية الممتحنة زينب الغزالي في كتابها.

كانت أمنيتي أن أجتمع بمن يعرفها عن قرب لأستوثق من كثير مما جاء في الكتاب، ويشاء الله أن ألتقي زينب ذاتها، خلال عملي في مكتب رابطة العالم الإسلامي في باكستان في الثمانينيات من القرن الماضي، وكنت لا أزال أحسّ أنني بحاجة إلى التعرّف أكثر على هذه المرأة العظيمة، التي صبرت على محنة السجن، وذاقت ويلاته، وحاول السجّانون المساس بشرفها.

كانت زينب الغزالي قد جاءت للاطلاع على أحوال المهاجرين الأفغان، ومساعدتهم بما تستطيع، و طلب مني الشيخ عبد الله عزام رحمه الله مرافقته للقائها. كان لقاء مباركاً، ضم ثلاثة من قادة الجهاد الأفغاني ضدّ الاتحاد السوفييتي آنذاك، وتكلّمت زينب الغزالي بموضوعات مهمة ومختصرة، وأوصتهم بالاتحاد، ووحدة الصف، ونقلت إليهم أخبار تعاطف جماهير المسلمين معهم، ومع قضيتهم العادلة، ثم سلمت كل واحد منهم ظرفاً فيه تبرعات من الأخوات المسلمات في الدول العربية.

وفي تلك الزيارة لباكستان، قابلتْ زينب الغزالي الرئيس الباكستاني آنذاك ضياء الحق، وكان مقرراً للمقابلة حوالي عشرين دقيقة، ولدى الرئيس مواعيد مسبقة وبرنامج محدد، ولعله لأول مرة ينسف كل المواعيد، ويؤجلها، ليسمع حديثاً عجباً من زينب الغزالي عن معاناة المسلمين في بعض الدول العربية، وما تتعرض له المرأة المسلمة من السجن والتعذيب، مما يندى له الجبين، وضياء الحق يصغي إليها ويبكي، ويستمر اللقاء ساعتين ونصف.

تذكرت هذه الحادثة لما أصرّت أمريكا على التخلّص من ضياء الحق، مع التضحية بسفيرها؛ لأن المرحلة تطلّبت من هو أسوأ منه؛ فطواغيت الأرض الكبار، لا يرحبّون بمن يخدمهم على مضض، وكأنه يأكل الميتة، ولم يعد للمتأولين سوق لديهم، ولا يقبلون مَن يأكل الخنزير مضطراً، بل يريدون من يأكله متلذّذاً، ومعبّراً بكل حواسه عن ذلك السرور!!

مما يؤسف له أنني علمت أن ما نُشر في كتاب (أيام من حياتي) كان جزءًا من الحقيقة، ولم يكن الحقيقيةَ كاملةً؛ لأن الحقيقة كانت أسوأ وأعنف، وأدمى لقلب المؤمن، مما ذُكر في الكتاب.

كُرِّمت زينب الغزالي من الاتحاد الإسلامي الأوروبي، وكُرِّمت من نقابة أطباء الإسكندرية، وهي تكرم لأنها رائدة في هذا المجال، وصاحبة تاريخ طويل وعريض في الدفاع عن الإسلام، وزارت كثيراً من الدول العربية والأجنبية.

كم نحن مقصرون بحق دعاتنا، وعظمائنا!! أليس من المحزن أن تعيش هذا العمر الطويل الحافل، في الدعوة، وخدمة الإسلام ثم لا تأخذ حقها من التكريم؟! نعم هي تطمع بما عند الله من الثواب، لكن هذا لا يعفينا من أداء واجبنا نحوها.

وأتمنى أن نرى قريباً دوراً لتحفيظ القرآن الكريم تحمل اسمها، وكذلك مؤسسات ثقافية، ومراكز دعوية نسائية.

كثير من الدروس والعبر نتعلمها من مسيرة حافلة بالعطاء لداعية عاشت (88) عاماً، أمضت أكثرها في الدعوة إلى الله سبحانه، وصبرت على المحن التي تعرّضت لها، ولعل من أشدها بعد حادثة السجن، أن يجبروا زوجها على طلاقها، ويحضروا لها وثيقة الطلاق إلى السجن!

رحم الله الداعية المجاهدة زينب الغزالي، وغفر لها، وأسكنها الفردوس الأعلى، إنه وليّ ذلك والقادر عليه سبحانه، والحمد لله رب العالمين.

 

محمد الشواف
 

المصدر: مفكرة الإسلام
  • 1
  • 0
  • 6,148

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً