عيادة المريض

منذ 2014-03-26

حكمها:

قال الصنعاني في سبل السلام: "أما قوله: «إذا مرض فعده»(الحديث «حق المسلم على المسلم ست: إذا لقيته فسلم عليه وإذا دعاك فأجبه وإذا استنصحك فانصح له وإذا عطس فحمد الله فشمته وإذا مرض فعده وإذا مات فاتبعه»صححه الألبانى فى صحيح الجامع [5462]) ففيه دليل على وجوب عيادة المسلم للمسلم وجزم البخاري بوجوبها فقيل يحتمل إنها فرض كفاية، وذهب الجمهور إلى أنها مندوبة، ونقل النووي الإجماع على عدم الوجوب" انتهى.

وإليك بعض النصوص الواردة فيها:

·  عن أبي موسى الأشعري قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أطعموا الجائع وعودوا المريض وفكوا العاني»" (رواه البخاري [5649]، أبو داود [3105]).

وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع، نهانا عن خاتم الذهب ولبس الحرير والديباج والاستبرق وعن القس والميثرة، وأمرنا أن نتبع الجنائز ونعود المريض ونفشي السلام" (رواه البخاري [5650]، ومسلم [2066]).

·  وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس»(رواه البخاري [1240]، ومسلم [2162]).

·  وعنه أيضاً رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل يقول يوم القيامة: «يا ابن آدم مرضت فلم تعدني، قال: "يارب كيف أعودك أنت رب العالمين؟" قال: أما علمت أن عبدي فلاناً مرض فلم تعده، أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟» (رواه مسلم [2569]).
والأحاديث التي وردت في الأمر بها كثيرة نكتفي بما أوردناه.

 

  أما فضلها:


 عن ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزيل في خرقة الجنة حتى يرجع» قيل: "يا رسول الله وما خرقه الجنة؟" قال: «جناها»(رواه مسلم [2586]).
 وعن علي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من مسلم يعود مسلماً غدوة إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح وكان له خريف في الجنة» (رواه الترمذي، وصححه الألباني في صحيح الجامع [5767])، الحزين: هو الثمر المجتبى.

 وعن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من عاد مريضاً لم يزل يخوض الرحمة حتى يجلس فإذا جلس اغتمس فيها» (رواه مالك، أحمد، وصححه الألباني في المشكاة [1581]).

وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في خمس، من فعل واحدة منهن كان ضامناً على الله عزوجل: من عاد مريضاً أو خرج في جنازة أو خرج غازياً في سبيل الله أو دخل على إمام يريد ذلك تعزيزه وتوقيره أو قعد في بيته فسلم وسلم الناس منه (رواه أحمد، والبزار، والطبراني، وابن خزيمة، وابن حبان، وصححه الألباني في الترغيب والترهيب [1268]). 

 وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «خمس من عملهن في يوم كتبه الله من أهل الجنة، من عاد مريضاً وشهد جنازة وصام يوماً راح إلى الجمعة وأعتق رقبته» (رواه ابن حبان في صحيحه، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب [3496]). 

وعن أبي هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من عاد مريضاً نادى مناد من السماء طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلاً» (رواه ابن ماجة، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه [1443]).

 

 الحكمة منه:

  زيارة المريض تعد عامل من عوامل شفائه حيث يروٌح بها عن المريض وفيها تسلية ومواساة له، يستشعر من خلالها المريض منزلته عند الناس، نتيجة اهتمامهم به وانزعاجهم لمرضه، مما يؤدي به إلى التفاؤل وارتفاع معنوياته ومقاومته للمرض وعدم استسلامه له، ويولي العلم الحديث أمر الراحة النفسية للمريض عناية فائقة حيث يعد الأطباء الاستقرار النفسي للمريض بأنه أول مراحل الشفاء، ولا يجدي العلاج مع القنوط واليأس مهما بلغ قوته.

  فضلاً عن أنها تزيد من ارتباط أفراد المجتمع المسلم وتعمق شعور الإحساس بالجسد الواحد فهي تبعث على المحبة وتزيد من الألفة وهي تعبيراً وامتثالاً للرحمة التي يجب أن تكون بين المسلمين.

 فضلاً عن اشتمالها على فوائد للعائد، فهي تذكره بنعم الله عليه، حينما يرى من بلاه الله بالمرض فيستشعر نعمة الصحة ويتذكر ويشكر ربه ومن ثم يبادر بالتوبة إن كان مسيئاً وفيها أيضاً حث على الإكثار من عمل الخيرات وفعل الطاعات.

  وقد اعتل الفضل بن سهل بخراسان ثم برأ فجلس للناس فهنئوه بالعافية وتصرفوا الكلام فلما فرغوا أقبل على الناس فقال: "إن في العلل نعماً ينبغي للعاقل أن يعرفها: تمحيص الذنب والتعرض للثواب والإيقاظ من الغفلة والإذكار بالنعمة في حال الصحة الاستدعاء للتوبة والحض على الصدقة وفي قضاء الله وقدره الخيار".

 

 عيادة النساء الرجال 
  قال الإمام البخاري في صحيحه - باب عيادة النساء الرجال: "وعادت أم الدرداء رجلاً من أهل المسجد من الأنصار: حدثنا قتيبة عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وعك أبو بكر وبلال رضي الله عنهما، قالت فدخلت عليهما قلت: يا أبت كيف تجدك ويا بلال كيف تجدك؟ قالت وكان أبو بكر إذا أخذته الحمى يقول:

كل امرئ مصبح في أهله  *** والموت أدنى من شراك نعله

وكان بلال إذا أقلعت عنه يقول:

وهل تبدون لي شامة وطفيل *** بواد وحولي إذخر وجلـيـل

  وهل أردن يوما مياه مجنـة *** ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة

قالت عائشة فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال: «اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد اللهم وصححها وبارك لنا في مدها وصاعها وانقل حماها فاجعلها بالجحفة» (رواه البخاري [5654]، ومسلم [1376]).

ومما سبق يجوز عيادة المرأة، ولكن إذا آمنت الفتنة، كأن تكون كبيرة في السن مثل أم الدرداء، وتكون العيادة في المسجد، أو أن تكون بحضرة محرم مثلما فعلت السيدة عائشة رضي الله عنها مع بلال رضي الله عنه فكان بحضرة أبيها ومعلوم أن بلال كان خادماً لأبيها وأعتقه، أما إذا لم تأمن الفتنة فلا، لأنها من باب سد الذرائع، فربما عادت رجلاً وأحس منها بالاهتمام فحدث نفسه وتحرك قلبه نحوها وذلك ما يأباه الإسلام.

 

عيادة الرجل المرأة:

تجوز بنفس الشرط السابق فلا خلاف بين الموطنين.
عن أم العلاء رضي الله عنها قالت: عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مريضة فقال: «أبشري يا أم العلاء فإن مرض المسلم يذهب الله به خطاياه كما تذهب النار خبث الفضة» (رواه أبو داود، وصححه الألباني في الترغيب الترهيب [3438]).

 

  عيادة الصبيان:

عن أسامة بن زيد قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأرسلت اليه إحدى بناته تدعوه وتخبره أن صبياً لها أو ابناً لها في الموت. فقال الرسول: «ارجع اليها فأخبرها أن الله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى. فمرها فلتصبر ولتحتسب» فقال للرسول: "إنها قد أقسمت لتأتينها" قال: فقام النبي صلى الله عليه وسلم وقام معه سعد بن عبادة ومعاذ بن جبل وانطلقت معهم. فرفع إليه الصبي ونفسه تقعقع كأنها في شنة ففاضت عيناه فقال له سعد: "ما هذا يا رسول الله؟" قال: «هذه رحمة حبلها الله في قلوب عباده وإنما يرحم الله من عباده الرحماء» (رواه البخاري [5655]، ومسلم واللفظ له [2923]).
ويؤخذ من الحديث جواز عيادة الصبيان مواساة أهله، بدليل مصاحبة سعد ومعاذ وأسامة للنبي صلى الله عليه وسلم.

 

عيادة الكافر: 

 عن أنس رضي الله عنها أن غلاماً ليهود كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فقال: «أسلم»، فأسلم (رواه البخاري [5657]، وأبو داود).

وقال البخاري في باب عيادة المشرك: "قال سعيد بن المسيب عن أبيه: لما حضر أبو طالب جار النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن حجر: قال ابن بطال: إنما تشرع عيادته إذا رجي أن يجيب إلى الدخول في الاسلام، فأما إذا لم يطمع في ذلك فلا". انتهى. والذي يظهر أن ذلك يختلف باختلاف المقاصد فقد يقع بعيادته مصلحة أخرى. قال الماوردي عيادة الذمي جائزة، والقربة موقوفة على نوع حرمة تقترن بها من جوار أو قرابة (فتح الباري في شرح صحيح البخاري، باب عيادة المشرك) انتهى.

ويبدو أن ما ذهب إليه ابن بطال هو الأرجح لأنه صلى الله عليه وسلم دعا الصبي وأسلم ودعا عمه أيضاً، ولم يرد خلاف ذلك، والله أعلم.

 

آداب العيادة:

1-  هي حقاً للمسلم يعرفه أو لا يعرفه:
الأحاديث التي وردت في الأمر للعيادة، عامة، لا تخص القريب عن البعيد ولا من يعرفه على من لا يعرفه، لذلك فحكمها ينسحب على كل مريض.

  تخفيف العيادة:
يستحب ألا يطول العائد مدة العيادة. لئلا يثقل على المريض، إلا إذا رغب المريض في ذلك.

3-  تبدأ العيادة مع ظهور المرض:
هذا هو الظاهر من الأحاديث الواردة فيها، أما الأحاديث التى وردت فى أن العيادة لا تكون إلا بعد ثلاث فكلها ضعيفة.

4-  أوقات العيادة: 
يستحب أن تكون العيادة في أول النهار وفي آخره، للحديث الذي رواه الإمام علي بن أبي طالب في بيان فضل العيادة في الإبكار والعشي والذي سبق ذكره، وكره العلماء العيادة في وسط النهار، وقال الإمام أحمد: "هو ليس وقت عيادة"، ونص الإمام على أن العيادة في رمضان تكون ليلاً، لأنه ربما رأى من المريض ما يضعفه ولأنه أرفق بالعائد.

5-  الدعاء للمريض:
يستحب أن يدعو العائد للمريض بالشفاء والعافية، فعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعود بعض أهله يمسح بيده اليمنى ويقول: «اللهم رب الناس، اذهب البأس، اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك، شفاءً لا يغادر سقماً» (رواه البخاري [5743]، ومسلم [1291]).
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: "عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «اللهم اشف سعداً، اللهم اشف سعداً اللهم اشف سعداً» (البخاري [1296]، ومسلم [1628]).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من عاد مريضاً لم يحضره أجله فقال عنده سبع مرات: اسأل الله العظيم لرب العرش العظيم أن يشفيك، إلا عافه الله من ذلك المرض» (رواه أبو داود، والترمذي، وصححه الألباني في صحيح الجامع [6388]). 

6-  استحباب تسلية المريض: 
عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أعرابي يعوده، وكان إذا دخل على من يعوده قال: «لا بأس، طهور إن شاء الله» (رواه البخاري [3616]، [5656]).
والسنة أن يتكلم العائد مع المريض بما يسليه ويهون عليه مصيبة مرضه، وأن يوصيه بالصبر، وأن يطيب نفسه بالكلمات الطيبة، وأن يذكره بأن المرض يكفر للذنوب إذا صبر المريض من غير سخط.

7-  استحباب ترقية المريض: 
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا محمد اشتكيت؟" قال: «نعم» ، قال: "بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك، من شر كل نفس أو عين حاسد، الله يشفيك، بسم الله أرقيك" [رواه مسلم 2186].

وعن أنس رضي الله عنه أنه قال الثابت رحمه: "ألا أرقيك برقية رسول الله صلى الله عليه وسلم؟" قال: "بلى"، قال: "اللهم رب الناس، مذهب البأس، اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك، شفاءُ لا يغادر سقماً" (رواه البخاري [5742]). 

8-  توجيه المريض إلى ما يصلحه:
 عن أبي عبد الله عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعاً يجده في جسده. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ضع يدك على الذي تألم من جسدك وقل: بسم الله ثلاثاً، وقل سبع مرات: أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر» خا (رواه مسلم 2202).

 وعن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما: أنهما شهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: من قال: "لا إله إلا الله والله أكبر صدقه ربه" فقال: "لا إله إلا أنا وأنا أكبر" وإذا قال: "لا إله إلا الله وحده" قال: يقول الله "لا إله إلا أنا وحدي" وإذا قال: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له" قال الله: "لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي" وإذا قال: "لا إله إلا الله له الملك وله الحمد"، قال الله: لا إله إلا أنا لي الملك ولي الحمد، وإذا قال: "لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله"، قال: "لا إله إلا أنا ولا حول ولا قوة إلا بي" وكان يقول من قالها في مرضه ثم مات لم تطعمه (النار رواه الترمذي، وصححه الألباني في صحيح الترمذى [2727]).

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

محمد سلامة الغنيمي

باحث بالأزهر الشريف

  • 0
  • 0
  • 19,020

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً