ينابيع الرجاء - النبع التاسع والعشرون: {ولينصرن الله من ينصره}

منذ 2014-03-31

هذا قَسَمٌ من رب العزة جل جلاله، ولذلك كانت اللام ونون التوكيد الثقيلة، وكان القسم من ذي العزة والجلال أن ينصر من ينصره بأن ينصر دينه ويطيع أوامره، ويجتنب نواهيه، ويكون معليا لكلمة الحق والإيمان {وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الروم:6]، والكل اليوم يتساءل: متى نصر الله؟ أما آن لهذا الليل أن ينجلي؟ أما آن للفجر أن ينبلج؟ أما آن للقيد أن ينكسر؟!، لكن لا نسائل نفسنا مخلصين: ما دورنا في انجلاء الظلمة وانبلاج الفجر وتحطيم القيد؟!


هذا قَسَمٌ من رب العزة جل جلاله، ولذلك كانت اللام ونون التوكيد الثقيلة، وكان القسم من ذي العزة والجلال أن ينصر من ينصره بأن ينصر دينه ويطيع أوامره، ويجتنب نواهيه، ويكون معليا لكلمة الحق والإيمان {وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الروم:6]، والكل اليوم يتساءل:

  • متى نصر الله؟
  • أما آن لهذا الليل أن ينجلي؟
  • أما آن للفجر أن ينبلج؟
  • أما آن للقيد أن ينكسر؟!
     
  • لكن لا نسائل نفسنا مخلصين: ما دورنا في انجلاء الظلمة وانبلاج الفجر وتحطيم القيد؟!
    ألا فليعلم كل من خالف أمر ربه وعصاه أنه رجَّح كفة الأعداء على حساب أمته.
    وليعرف من أعرض عن أوامر الله أنه يُثخِن الجراحات في جسد الأمة، وكل جرح بحسب قدر الذنب وانتشاره، فصاحب الكبائر المجاهر بها أكثر إثخانا في جسدنا وإضعافا لنا، وليعلم كذلك كل من يتهاون في نصح غيره تاركا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكرات أنه يطيل زمن التيه والكربات.
    إن كل واحد منا اليوم مدعوٌّ لأن يزن نفسه بميزان العمل والإصلاح ليعرف هل هو خصم لهذه الأمة أم موالٍ لها.


هل والى أعداءها بمعاصيه وباعد نصرها؟!
هل أطال ليلها أم صاغ فجرها؟!
هل شقِيَت به أمته أم سعِدت؟!
مِنْ عِند أنفسكم!


قال الله تعالى في مصاب المسلمين يوم أحد: {أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُل شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 165].
أنى هذا؟ قل هو من عند أنفسكم، أنتم السبب في ما أصابكم.
وقد جاءت صيغة التأكيد عن طريق الإتيان بالضمير في الإجابة: (هو)، وبالإتيان بالظرف وهو (عند)، وبالتعبير بقوله (أنفسكم)، وهذه إشارة واضحة إلى ضرورة مراجعة النفس ومحاسبتها، وما نسميه اليوم بالمراجعة الذاتية أو النقد الذاتي، فقد أراد الله سبحانه أن يعلِّم المسلمين دروس الهزيمة مما يتمكنون به من تجنب أسبابها في المستقبل.

  • فهل تدرون ما هذا الذي كان من عند أنفسهم؟!
    إنها معصية واحدة بمخالفة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر تنظيمي، ومع أنها كانت بتأول، لكنها أحاقت بالمسلمين هزيمة قاسية؛ حتى إن الرسول صلى الله عليه وسلم شُجَّ رأسه، وكُسِرت رباعيته، وسقط في حفرة، حتى أحاط به الصحابة يذودون عنه أذى المشركين، وكل ذلك كان بسبب معصية خمسين رجلا من جيش من المسلمين قوامه سبعمائة صحابي لا ملايين البشر! فما أشد شؤم الذنب وعقوبة المعصية!

    رماة خالفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم والموت يقطف الرؤوس من حولهم، وفي أمرٍ لهم فيه تأويل، ونحن نخالف أمره في اليوم والليلة مرات ومرات، ثم نستغرِب تتابع الهزائم!

    ومن تأمَّل هذه الواقعة عرف خطورة الذنب، ودوره في حلول النكبات وتوالي المصيبات. قال ابن القيم: "ليس في الوجود شر إلا الذنوب وموجباتها، فإذا عوفي من الذنوب عوفي من موجباتها، فليس للعبد إذا بُغِي عليه وأوذي وتسلَّط عليه خصومه شيء أنفع له من التوبة النصوح"[1].

    وليس هناك أشد تدميرا لمستقبل الأمة ولا جلبا لخيبة الأمل ولا تعكير الصفو مثل المعاصي والذنوب.
    ثم ختم الله الآية بقوله: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُل شَيْءٍ قَدِيرٌ}
    قديرٌ على ماذا؟
    قدير على إهلاك أعدائهم، لكن جرت سنته أن يكون ذلك بأيدي المؤمنين، وذلك إن أخذتم بالأسباب المادية الإيمانية، وسايرتم سنن الله الكونية.
     
  • عادة الخلق النسيان: لكن عادة الخلق نسيان ما كان منهم من الخطأ والعصيان، والرجوع إلى اتهام الأقدار وقلة الحظ في ما نزل بهم من المحن والخسران، متناسين أن من درج على الإجرام فلا عجب أن تتخطفه سيوف الانتقام، وقد نبَّه ابن القيم الغافلين، وعرَّف من أصابته نوبة النسيان من العاصين أن الإحصاء شديد والحساب قريب، فقال رحمه الله: "فما سُلِّط على العبد من يؤذيه إلا بذنب يعلمه أو لا يعلمه، وما لا يعلمه العبد من ذنوبه أضعاف ما يعلمه منها، وما ينساه مما عمله أضعاف ما يذكره، فما يحتاج العبد إلى الاستغفار منه مما لا يعلمه أضعاف أضعاف ما يعلمه، فما سلَّط عليه مُؤذٍ إلا بذنب"[2].
    وإن الطمع في النصر دون الأخذ بأسبابه من طاعة الله واجتناب معاصيه لهو طمع السفهاء، وهو شبيه بطمع العقيم في الولد، وطمع الزُرّاع في الثمار دون غرس، وطمع التاجر في ربح التجارة بغير اتجار.. وهم!!


    [1] بدائع الفوائد 2/242
    [2] بدائع الفوائد 2/242 بتصرف.

     

خالد أبو شادي

طبيبٌ صيدليّ ، و صاحبُ صوتٍ شجيٍّ نديّ. و هو صاحب كُتيّباتٍ دعويّةٍ مُتميّزة

  • 8
  • 0
  • 8,183
المقال السابق
النبع الثامن والعشرون: {ادعوني أستجب لكم}
المقال التالي
النبع الثلاثون: {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض}

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً