التكافل والتكامل
فالله خلق الخلق بتدبيره، فكان من لطيف ما دبر، وبديع ما قدر أن خلقهم محتاجين، وفَطَرَهم عاجزين.. فالإنسان مطبوع على الافتقار إلى جنسه، وإنما خص الله تعالى الإنسان بكثرة الحاجة، وظهور العجز، ليمنعه ذل الحاجة، ومهانة العجز من طغيان الغنى.
إن الله عقد بيننا أخوة الإيمان، وجعل بعضنا لبعض كالبنيان، وشرع لنا التشاور والتناصر، والتكافل، فقد عدد سبحانه في كتابه الكريم أوصاف المؤمنين ونعتهم بنعوت كريمة.. وصفهم بأنهم إخوة متراحمون متحابون، وأن بعضهم أولياء بعض، متحلون بالمودة، وقلوبهم مؤلفة.. وهذه هي التعاليم الحكيمة، والإرشادات القويمة والنصائح العظيمة، التي أرشد بها الرسول صلى الله عليه وسلم أمته.
فالله خلق الخلق بتدبيره، فكان من لطيف ما دبر، وبديع ما قدر أن خلقهم محتاجين، وفَطَرَهم عاجزين.. فالإنسان مطبوع على الافتقار إلى جنسه، وإنما خص الله تعالى الإنسان بكثرة الحاجة، وظهور العجز، ليمنعه ذل الحاجة، ومهانة العجز من طغيان الغنى، فائتلاف البشر بالاختلاف والتباين، واتفاقهم بالمساعدة والتعاون.. إذ الألفة تجمع الشمل، وتمنع الذل، والمؤاخاة بالمودة هي من أسباب الألفة، لأنها تكسب بصادق الميل إخلاصا ومصافاة.
إن الاجتماع الإنساني ضرورة؛ فالإنسان مدني بالطبع، أي لا بد له من الاجتماع، وهو عمران العالم الذي تتكون منه المجتمعات، فالناس متطلعون إلى الدنيا وأسبابها، وهذا الاجتماع إذا حصل فلا بد من وازع يدفع بعضهم عن بعض، لما في طباعهم من العدوان والظلم، ولا بد من شيء آخر يدفع هذا العدوان، وهو النظام والدولة والمجتمع، وإن من حكمة الله في خلقه انتظام معاشهم، وتيسير مصالحهم، وأن يتم بقاؤهم، لأن المجتمع لا يتم وجوده وبقاؤه إلا بتعاون أبنائه على مصالحهم، ما يتطلب من القيادات والمنظمات الدعوية والفكرية والسياسية والثقافية أن تخَلِّص المجتمع من التصادم وتجمع الكلمة، فالمجتمع هو الأصل في توجيه الخطاب من حيث العموم، أو الصلاحيات والمسؤوليات والأولويات.
فإن قادة المجتمع والمنظمات والجمعيات المدنية تنقل المجتمع إلى حالة جديدة من الفاعلية الحضارية والاجتماعية، وإن معيار نجاح عمل الحكومات والمؤسسات والجماعات والأفراد مقترن بمقدار نجاحها في التأثير في المجتمع ومساعدته على النهوض والتغيير.
والمجتمع الحضاري هو من يتعاون وتتكافل فيه الدولة ومنظماتها المدنية، بحيث يظهر للوجود المجتمع الذي ينتقل من موقع المستهلك القائم على إبداعات الآخرين إلى موقع الإنتاج والمشاركة الإيجابية، كما أن من ملامح المجتمع الحضاري أنه يعمل على وحدة المجتمع وتآلفه، ونبذ الخلافات ليكون كالجسد الواحد؛ آماله وآلامه واحدة.. والتجربة التاريخية الحضارية الإنسانية للأمة الغنية التي ساهمت فيها جميع الأجناس والألوان والأقوام جاءت مشتركا إنسانيا، بعيدا عن العنصرية والجنسية والقومية والتعصب، فكانت تجربة غنية لكل النماذج البشرية.
فيصل يوسف العلي
- التصنيف: