الاختلاط في المستشفيات صورهُ وحكمهُ

منذ 2014-04-08

موضوع الاختلاط قد التبس على بعض العاملين في الطب، أحببت أن أبسط جانب الحجة والبرهان، ليتقرر الحكم بجلاء، ويزولَ ما ورد عليه من لبس.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد.


فالاختلاط المحرم في المستشفيات بين الرجال والنساء له صور كثيرة؛ ومنها:

الاختلاط في اجتماعات الأقسام الطبية، وفي المحاضرات والندوات.
• اجتماع الطبيب بالممرضات، أو أن يكون لكل طبيب ممرضةٌ في عيادته.
• أن يكون للطبيب سكرتيرة من النساء.
• اختلاط الرجال بالنساء في الأعمال الإدارية.

 

و من صور الاختلاط أيضًا:
• تمريض النساء للرجال، وتمريض الرجال للنساء.
• و تطبيبُ الرجال للنساء، وتطبيب النساء للرجال.

 

و من صور الاختلاط:
•الاختلاط في أقسام العمليات بين الأطباء والفنيين والممرضين، وبين الطبيبات والممرضات، في غرف العمليات، وغرفة الراحة.
• وكل ما تقدم من صور الاختلاط محرم لا يجوز.

و لعل من أهم أسباب وجود الاختلاط في المستشفيات التقليد والغفلة؛ ولذلك لما قام بعض الأخيار ببعض المراكز الطبية الخاصة، نقلوا صورة الاختلاط إلى مراكزهم، ولم نجد تميزًا.

 

ونظرًا لأن موضوع الاختلاط قد التبس على بعض العاملين في الطب، أحببت أن أبسط جانب الحجة والبرهان، ليتقرر الحكم بجلاء، ويزولَ ما ورد عليه من لبس:
الدليل الأول: قوله تعالى:  {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وقلوبهن} [الأحزاب:53].
الدليل الثاني: حديث عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : «إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ قَالَ الْحَمْوُ الْمَوْتُ» (متفق عليه). و ما يحصل في المستشفيات من اختلاط مخالف صراحة لتحذير النبي صلى الله عليه وسلم.
الدليل الثالث على حرمة الاختلاط: حديث أُسَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ "أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَهُوَ خَارِجٌ مِنَ الْمَسْجِدِ فَاخْتَلَطَ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنِّسَاءِ: «اسْتَأْخِرْنَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ عَلَيْكُنَّ بِحَافَّاتِ الطَّرِيقِ» فَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تَلْتَصِقُ بِالْجِدَارِ حَتَّى إِنَّ ثَوْبَهَا لَيَتَعَلَّقُ بِالْجِدَارِ مِنْ لُصُوقِهَا بِهِ" (أخرجه أبو داود وغيره وإسناده حسن بمجموع طرقه كما قال الألباني في الصحيحة).
الدليل الرابع: حديث عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ فَإِذَا خَرَجَتِ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ» (أخرجه الترمذي بسند صحيح).
الدليل الخامس: حديث ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ تَرَكْنَا هَذَا الْبَابَ لِلنِّسَاءِ». قَالَ نَافِعٌ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ ابْنُ عُمَرَ حَتَّى مَاتَ. (أخرجه أبو داود بسند صحيح).
الدليل السادس على تحريم الاختلاط: حديثُ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَت: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَلَّمَ قَامَ النِّسَاءُ حِينَ يَقْضِي تَسْلِيمَهُ وَمَكَثَ يَسِيرًا قَبْلَ أَنْ يَقُومَ" قَالَ ابْنُ شِهَابٍ (وهو الزهري) فَأُرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مُكْثَهُ لِكَيْ يَنْفُذَ النِّسَاءُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُنَّ مَنِ انْصَرَفَ مِنَ الْقَوْمِ. (أخرجه البخاري).
وفي رواية له تعليقًا بصيغة الجزم أنها قَالَتْ: "كَانَ يُسَلِّمُ فَيَنْصَرِفُ النِّسَاءُ فَيَدْخُلْنَ بُيُوتَهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَنْصَرِفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
وروايةُ النَّسائي وسندُها جيد: "إنَّ النِّسَاءَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنَّ إِذَا سَلَّمْنَ مِنَ الصَّلَاةِ قُمْنَ وَثَبَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ صَلَّى مِنَ الرِّجَالِ مَا شَاءَ اللَّهُ فَإِذَا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ الرِّجَالُ".


فالنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن دخول الرجال على النساء.
وفي المسجد لا يجوز للمرأة أن تؤم الرجال، ولا تؤذنَ لهم، ولا تقيم.
وجعل النبي صلى الله عليه وسلم صفوف الرجال في الأمام، وصفوف النساء في الخلف، ونظم الخروج من المسجد؛ يخرج النساء أولاً بعد السلام مباشرة قبل قيام الإمام، وما كان الناس يقومون حتى يقوم النبي صلى الله عليه وسلم، بل كان النساء ينصرفن فيدخلن بيوتهن من قبل أن ينصرف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولما حصل الاختلاط مرة في الطريق نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، وبين كيف يكون الحال إذا تقابل رجال ونساء في الطريق: أن النساء يكون لهن حافات الطريق، وخصص عليه الصلاة والسلام بابًا للنساء في المسجد.


و لاحظ أن هذا كان في الإتيان إلى المساجد، وفي زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والصحابة، والنساء في غاية الحشمة والحجاب.
فهذه أدلة ظاهرة على حرمة الاختلاط لمن تجرد في ابتغاء الحق، أما أصحاب الأهواء فلا يقنعهم شيء.


ومن أدلة حرمة الاختلاط: الآثار السلبية المترتبة عليه، فقد شاهدت تبادل الضحكات بين الأطباء والطبيبات؛ وبين الأطباء وطالبات الامتياز، وغير ذلك مما يدل على أن الحواجز قد كسرت بينهم.
ومن الآثار السلبية للاختلاط: ضعفُ الحجاب والوقوعُ في التبرج من بعض النساء؛ فإن المرأة ضعيفة، يستشرفها الشيطان إذا خرجت بين الرجال كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فأول الأمر نقاب، ثم المكياج لما خرج من النقاب، ثم اللثام،  ثم كشف الوجه، ثم كشف الناصية، ثم كشف الرأس كاملاً.


والتدرج يحصل كذلك في نوع اللباس: من اللون الأسود إلى الألوان الزاهية الجميلة ولبس البنطال، حتى الرداء الطبي الأبيض يحرص بعضهن أن يلبسنه أقصر مما هو على الرجال.
ويتزامن غالبًا ضعف الحجاب من بعضهن مع بداية الاختلاط أثناء الدراسة في كلية الطب، وأول خطوة في الاختلاط هي أن يتولى تدريس طالبات الطب رجل داخل القاعة.
وأصعب شيء تفعله طالبة الطب في السنة الرابعة هو طي عباءتها في الحقيبة عند دخولها في أول يوم للكلية المختلِطة والمستشفى التعليمي، وهو أخطر قرار تتخذه طالبة الطب في سلم التسامح في الحجاب.
وحدثني عدد من الاستشاريين عن كثرة وجود العلاقات العاطفية، والتي تبدأ بأعلى درجاتها في سنة الامتياز، ونهاياتِها المشؤومة داخل المستشفيات وخارجها.


ومن الآثار السلبية للاختلاط: سلسلة طويلة من التحرش بالطبيبات، والعاملات، والمريضات كما أخبرني بذلك عدد من الاستشاريين، والإداريين في مستشفيات مختلفة، و سمعت منهم قصصًا يشيب لها الرأس ويتفطر لها قلب المؤمن.
و ذكروا أن التحرشَ والاعتداء يكون غالبًا بأحد طريقين: طريقِ الابتزاز ويحصل مع العاملات في الميدان الطبي، والثاني: الاستغفال، ويحصل مع المرضى، أما التوافق والعلاقاتُ العاطفية فله حديث آخر.


 والمجتمعات الغربية، تئن بسبب كثرة حمل السفاح، وكثرة الإجهاض، والأرقام والدراسات لمعدل الاغتصاب والتحرش في الغرب لا تنقطع الصحف والمجلات عن ذكرها، كل ذلك بسبب الاختلاط.
وفي أحد التقارير السنوية لعدد الجريمة في الولايات المتحدة الأمريكية: أن عدد حالات الاغتصاب المبلغ عنها (180) مائة وثمانون حالةٍ يوميًا، علمًا بأن الحالات المبلغ عنها أقل من (10%) من الواقع الفعلي، فالعدد الفعلي إذن على أقل تقدير (1800) ألفٌ وثمانُمائة، حتى بلغ عندهم عدد المراكز الطبية لعلاج آثار الاغتصاب أكثر من (700) سبعِمِائةِ مركز لعلاج ضحايا الاغتصاب.
وجاء في التقرير أن (ألفين وسبعَمائةٍ وأربعون) مراهقة يوميًا يحملن من السفاح.


أما الوقوع في الزنا بالتراضي، فهذا لا يذكره الغرب في هذه الدراسات؛ لأنه لا يعتبر جريمة عندهم، ولكن بدأ التحذير منه لأنه أعظمُ أسباب انتشار مرض الإيدز.
ونظراً لهذا كله بدأ الاتجاه في بعض المدارس، والجامعات إلى فصل الرجال عن النساء تمامًا.
وأقول: لو لم يكن في منع الاختلاط إلا الآثارُ السلبية لكان كافيًا في منعه.

 

ويُرَّد على بعض العامة بشأن الاختلاط شبهتان:
الشبهة الأولى: أن الطواف بالبيت مختلط.
والجواب عن هذه الشبهة: أن الاختلاطَ الواقعَ اليوم في الطوافِ غيرُ جائز.
والطواف بالبيت لم يكن مختلطًا زمنَ النبي صلى الله عليه وسلم، فالنساء يطفن وحدهن دون الرجال، كما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: "كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات، فإذا حاذوا بنا أسدلت إحدانا جلبابها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه". (أخرجه أحمد وأبو داود وسنده حسن). وهذا ظاهر في أن النساءَ في مناسك الحج كنَّ على هيئةِ الجماعة بعيدات عن الرجال.


وقد حصل شيء من الاختلاط بعد النبي صلى الله عليه وسلم فأنكره الخليفة، قال ابن حجر: "روى الفاكهي من طريق زائدة عن إبراهيم النخعي قال: نهى عمر أن يطوف الرجال مع النساء، قال: فرأى رجلاً معهن فضربه بالدَرَّة".
و سُئل عطاءُ ابنُ أبي رباح ـالتابعيُ الثقةـ عن اختلاطِ نساءِ النبي صلى الله عليه وسلم بالرجال في الطواف فقال: "لَمْ يَكُنَّ يُخَالِطْنَ كَانَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَطُوفُ حَجْرَةً مِنَ الرِّجَالِ لَا تُخَالِطُهُمْ" (أخرجه البخاري [1618]). وهل أصرح من هذا الجواب، ومعنى حجرة: أي معتزلة في ناحية.
أما الواقع فالواجب إصلاحه بما أمدنا الله جل وعلا من وسائل وإمكانات.
والشبهة الثانية التي تروجُ على بعضِ العامة في جوازِ الاختلاط: مداواةُ النساء للجرحى من الرجال في الجهاد في سبيل الله زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
والجواب عن هذه الشبهة يسير جدًاً: فإن المداواة هنا للضرورة، أما الرجال فالجيش بأمس الحاجة إليهم في قتال الكفار.
قال ابنُ حجر في الفتحِ تعليقًا على حديث مداواة الجرحى: "وفيه جوازُ معالجةِ المرأةِ الأجنبيةِ الرجلَ الأجنبيَ للضرورة. قال ابن بطال: ويختص ذلك بذوات المحارم، ثم بالمُتجالات منهن (وهن كبيرات السن اللواتي لا يحتجبن كالشابات) لأن موضعَ الجرحِ لا يُلتَذُّ بلُمسه، بل يَقشعر منه الجلد، فإن دعت الضرورة لغير المتجالات فليكن بغير مباشرة، ولا مس" (اهـ كلامُ ابنِ بطال نقلاً عن الفتح).
فانظر إلى فهمِ العلماء وقيودِهم...

 

و هل نحنُ إلى هذه الدرجةِ من السذاجةِ حتى نستدلَّ بِمُداواةِ الجرحى للضرورة، على جواز الاختلاط في الاجتماعات والندوات، والسكرتارية، وفي كل ميادين التطبيب والتمريض بلا ضرورة أو حاجة ملحة.

 

والسؤال هنا كيف يتم تصحيح حال المستشفيات من واقع الاختلاط ؟
يتمنى كثير من الأطباءُ الأخيار، والطبيباتُ الخيرات، وغيرُهم: منعَ الاختلاطِ في المستشفيات، لكنهم يشعرون بصعوبة التغيير.


وأطرح هنا حلاً للمتفائلين، وهو أن يكون التصحيح على مرحلتين:
المرحلة الأولى على المدى القريب، والمرحلة الثانية تكون على المدى البعيد.
أما المدى البعيد فهو ما نادى به سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله، و من قبله سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله، وهو إيجادُ مستشفى خاصٍ بالنساء، وآخرُ بالرجال، ويبدأ ذلك من دراسة الطب: كليةٍ خاصةٍ للنساء، وأخرى للرجال، ومستشفى تعليمي للنساء، وآخرُ للرجال.


أما الحل الذي يكون على المدى القريب فيكون بأمور:
أولاً: وجودُ القناعةِ الشرعيةِ بحرمةِ الاختلاط بالأدلةِ الشرعيةِ كما سبق ذكره، وتكرارُ الوعي فيه بين العاملين في الميدانِ الطبي وغيرِهم.


ثانيًا: أن يقومَ ببيانِ ذلك للأطباءِ و طلابِ الطب الأطباءُ أنفسُهم، فلا بد أن يسمعَ طالبُ الطبِ من أستاذِه الصالح: أن الاختلاط محرمٌ شرعًا، وأن هذا الواقعَ لابدَ من إصلاحِه، و أن الجميع يتحمل واجب تغييره، و أنه لابد أن يتحقق إن شاء الله في يوم من الأيام.
وبيان ذلك من أساتذة الطب لطلابهم هو أفضل طريق لتخلص طلابِ الطب من عقدةِ الانهزامية في طرح القضايا الشرعية نظريًا أو عمليًا كموضوع منع الاختلاط، وحفظ العورات.
وبعضُ الأطباء الصالحين لا يريد أن ينتقد فيسكت، أو يبرر واقع الاختلاط، أو يقول بأن التغيير مستحيل فينشر التثبيط وهو لا يشعر، والصواب أن لا يذكر ذلك حتى لو كانت هذه قناعته الشخصية، لأن الله قد يفتح على غيره من معرفة طرق الإصلاح ما لا يعلم.

 

ثالثًا: التدرج في منع الاختلاط.
نتدرج مع الناس، ومع الأطباء، فإنهم بحاجة لأن يتدرجوا مع أنفسهم في منع الاختلاط، لطول ما نشأوا عليه، فيضع الأخيار تخطيطًا متدرجًا حتى يتم قبوله من الكثير.
فهناك أمور يسهل منع الاختلاط فيها في المراحل الأولى؛ ومنها الدروس النظرية التي يقدمها أساتذة الطب لطالبات الطب، فهذه يجب أن تكون من وراء الهاتف أو الشبكة.
واجتماعات الأقسام اليومية أو الدورية، أو المحاضرات الطبية، ما المانع أيضًا أن تكون من وراء حجاب كما أمر الله تعالى، فيكون للنساء غرفة، وأخرى للرجال، ويكون النقاش من خلال الهاتف.


ومن الأمور اليسيرة في قسم العمليات: أن تخصص غرف للمريضات، وأخرى للرجال، فالتي تكون للنساء لا يدخلها إلا النساء من الطبيبات والممرضات، وما دعت إليه الضرورة من الرجال.
وهكذا فهناك أمور يسهل منع الاختلاط فيها، وأخرى يسهل تقليل الاختلاط فيها، فإذا كان عدد الرجال الذين يتولون تدريس الطالبات الدروس العملية مثلاً خمسة، وأمكن تقليلهم إلى ثلاثة فهذا نجاح وخطوة إلى الأمام.

ومن التدرج: إلزام الطبيبات، والفنيات، والممرضات؛ المسلمات وغير المسلمات لباسًا ساترًا و موحدًا في لونه وصفته، وأن يكون التزامها بذلك في تقويمها الإداري أوالدراسي إن كانت طالبة.
وهذا كله كما بينت على سبيل التدرج، وليس هو الأمر المنشود، فالأصل ألا تخالط المرأةُ الرجال.


رابعًا: الانتفاع بالتعاميم الإدارية الصادرة من وزارة الصحة، والكليات الطبية، وهي كثيرة ولله الحمد، وعلى رأسها تعميم رئيس مجلس الوزراء وفقه الله باعتماد منع الاختلاط بين النساء والرجال في الإدارات الحكومية، أو غيرها من المؤسسات العامة، أو الخاصة أو الشركات، أو المهن، ونحوها ومحاسبةُ المخالف كرامةً للأمة وإبعادًا لها عن أسباب الفتن والشرور، كما جاء في نص التعميم.


خامسًا: الانتفاع بفتاوى أهل العلم ونشرها بين طلاب الطب، والعاملين في المستشفيات، وأنقل هنا فتويان:

الأولى للإمام محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله وجاء فيها:"... وذلك أن الرجال والنساء الذين يرتادون المستشفيات للعلاج ينبغي أن يكون لكل منهم قسم خاص من المستشفى؛ فقسم الرجال لا يقربه النساء بحال، ومثله قسم النساء؛ حتى تؤمن المفسدة، وتسير مستشفيات البلاد على وضع سليم من كل شبهة، موافقًا لبيئة البلاد ودينها وطبائع أهلها، وهذا لا يكلف شيئًا، ولا يوجب التزامات مالية أكثر مما كان، فإن الإدارة واحدة، والتكاليف واحدة، مع أن ذلك متعين شرعًا مهما كلف". (انتهى كلام الإمام محمد بن إبراهيم رحمه الله [13/221]).


والفتوى الثانية، فتوى الإمام عبدالعزيز بن باز رحمه الله، وهذا نص السؤال: "ما رأي سماحتكم في تطبيب المرأة للرجل في مجال طب الأسنان، هل يجوز؟ علمًا بأنه يتوافر أطباء من الرجال في نفس المجال، ونفس البلد.
فأجاب الشيخ عبدالعزيز بن باز: "لقد سعينا كثيرًا مع المسؤولين لكي يكون طب الرجال للرجال، وطب النساء للنساء، وأن تكون الطبيبات للنساء، والأطباء للرجال في الأسنان وغيرها، وهذا هو الحق؛ لأن المرأة عورة وفتنة إلا من رحم الله، فالواجب أن تكون الطبيبات مختصات للنساء، والأطباء مختصين للرجال إلا عند الضرورة القصوى إذا وجد مرض في الرجال ليس له طبيب رجل، فهذا لا بأس به، والله يقول: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّ‌مَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِ‌رْ‌تُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام:119] وإلا فالواجب أن يكون الأطباء للرجال، والطبيبات للنساء، وأن يكون قسم الأطباء على حدة، وقسم الطبيبات على حدة،  أو أن يكون مستشفى خاصًا للرجال، ومستشفى خاصًا للنساء حتى يبتعد الجميع عن الفتنة والاختلاط الضار، هذا هو الواجب على الجميع". انتهت فتوى الإمام عبدالعزيز بن باز رحمه الله.

يوسف بن عبد الله الأحمد

المحاضر بجامعة الإمام / كلية الشريعة بالرياض / قسم الفقه

  • 10
  • 5
  • 35,986

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً