مناجاة يا الله ليس لنا رب سواك
قد تضيق الحياة بامرىء في لحظة من لحظات عمره، فيضيق صدره وينعقد لسانه عن الشكوى، وتظلم أمامه الدنيا بأسرها، فعندما يضيق به الحال وينتابه اليأس فلا يجد سوى الخلوة مع ربه، فيبدأ حديثه معه ومناجاته له سبحانه بسرد أمنياته، وهو يعلم أن له ربا كريمًا سميعًا مجيبًا..
الكثير منا يتمنى ويحلم ويعيش معاناته التي شاء الله له أن يبتليه بها، على أمل تحقيق أحلامه وتغير أوضاعه كلها، لكن ليس كل ما يشتهيه المرء يدركه، فربما تتحقق بعضها وتتأخر الأخرى لحكمة يعلمها الله سبحانه، بالطبع ليس كل ما يتمناه الإنسان يستطيع الحصول عليه كله، ولكن قد يتحقق جزء منه والجزء الآخر يظل يحلم بتحقيقه.
فقد تجد من يرزق بالمال الكثير لكنه يفقد شيئًا من الصحة ولا يستطيع الاستمتاع بذلك المال، وقد تجد البعض غنيًا معافى ولكنه يفتقد نعمة الإنجاب فيظل في رحلة حياته يعيش على أمل تحقيق تلك الأمنية، وقد تجد من يتوفر له كل وسائل الحياة السعيدة ولكنه يرزق بأولاد غير بارين به.
وقد تضيق الحياة بامرىء في لحظة من لحظات عمره، فيضيق صدره وينعقد لسانه عن الشكوى، وتظلم أمامه الدنيا بأسرها، فعندما يضيق به الحال وينتابه اليأس فلا يجد سوى الخلوة مع ربه، فيبدأ حديثه معه ومناجاته له سبحانه بسرد أمنياته، وهو يعلم أن له ربا كريمًا سميعًا مجيبًا..
لذلك سرت مع ذلك الركب، ركب اللاجئين إليه سبحانه المتبتلين له عز وجل السائلين إياه، لأتمنى الخير وأحلم، وطرقت علي كل باب، فأتمنى وأمنيتي معلقة بمشيئتك يا ربي، أتمني أن نور الصبح يسطح محملا بنسمة خير تملأ قلوب الناس، فيرحل الشر تاركًا مكانه لجميع أنواع الخير والهدى، وأن يملأ الحب قلوب الناس فيحب الإنسان أهله في بيته، ويحب الجيران ويحب الأصحاب حبًا صافيًا خاليًا من المصالح.
أتمني أن أرى الفرحة في عيون كل والد وكل أم في نظرتها لأبنائها، فتجد فيهم حصاد وتعب السنين، فتشعر أنها أدت الرسالة فيهم على أكمل وجه وجمعت ثمارها..، أتمني أن يرحل حب الذات والحقد والحسد والغيرة من قلوب الناس، فأجد بدلا منها مقتضى الحديث الشريف: « » (صحيح البخاري:13)، فطرقت كل الأبواب!
أتمني أن يزيد الرزق لكل الناس، ويزيد أكثر للمحتاج والفقير، وكذلك للمنفق في سبيل الله ويزيد لعزيز قوم ذل، ومحب العطاء ومتفقد الأرامل والأيتام، وأتمنى أن يرحل الظلم، ظلم الراعي لرعيته، وظلم المسئول لمن تحته، وظلم القوي للضعيف، وظلم الزوج لزوجته، والوالدين لأبنائهم، وعدم تحقيق العدل بين أولادهم، وظلم الأخ لأخواته وإخوانه منازعًا على الأموال، وظلم الإنسان لنفسه عندما يوقعها فيما لا يرضي الله..
أتمني جرعة ماء نظيفة من الشوائب رائقة من العكر والملوثات، ونسمة هواء صافية لا فيها دخان مصانع ولا عوادم سيارات تنظف صدور الناس، وما تعاني من أزمات، وأن تسطع الشمس فوق كل البلاد وتزيد من دفئها وضوءها وخيرها، فيرحل الظلام بكل ما سببه من آلام..
أتمني أن أجد الضعفاء أقوياء والمرضى معافين، والمكافحين ناجحين ومتقدمين، أتمنى أن يملأ قلبي التسامح فأعفو عن من ظلمني، بل أقابل السيئة بالحسنة، أتمني أن أمسح دمعة من حولي، وأكثر من مساعدة من يناديني، وأجد القوة في بدني لتحقيق آمال غيري..
أتمني نزول المطر على الأرض الجدباء والصحاري، فأجد اللون الأخضر وفرحة الناس والفلاحين بذلك، وعموم التقدم والرخاء والازدهار..، أتمني نجاح أبنائي وتفوقهم وأجد فيهم حسن الخلق، وأجد فيهم شهامة الرجال ونصرة المظلوم، وأجد زيادة خطوات أقدامهم في المساجد لإقامة الصلاة على أكمل وجه، أجد فيهم لسانًا ذاكرًا وحافظًا لكتاب الله وقلبًا خاشعًا وعينًا، دامعة من خشية الله وقدمًا مسارعة في الخيرات، أتمنى أن يتحقق أمل كل شاب أو فتاة، فأجد توفيق الله سبحانه له، وحب الله تعالى له وإعانته ومناصرته، أتمنى طلوع الفجر فأجد قطرات الندى على أوراق الشجر والورود، ويوم جديد يكون مليئا بخيره ونوره وبركته وهداه على الخلق أجمعين.
أتمني أن أسمع نداء الآذان فيسكت لساني في ذلك الحين إلا على ترديده، وبعدها أعيش راجية من ربي شفاعته صلى الله عليه وسلم والشرب من حوضه..
دعوتك ربي أن تضفي علينا من بركاتك، وتملأ الكون بنعمة عبادتك على أكمل وجه، ونعمة حبك لنا ورضاك على عبادك، ولا تأخذنا ربنا بذنوبنا، ولا تقصيرنا ولا غفوتنا ولا غفلتنا، فليس لنا منقذ سواك فانتشلنا مما نحن فيه، وحقق أمانينا وأنزل غيثك علينا وعلى أبنائنا وأكرمنا بحسن العمل الذي به نلقاك، ونظف قلوبنا من كل شرك وسوء ونفاق ونور عيوننا للحق.
اللهم أنت اللطيف أنزل علينا لطفك فإننا في حاجة إلى مساندتك لنا، فالأقدام أصابها الهشاشة فنحن في حاجة لمن يقويها، والعين أصابها الضعف، والبدن أصابه الوهن، فأنت سبحانك القوي ونحن الضعفاء والفقراء إليك، فإلى من نعود ونرجو، اللهم ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس فإلى من تكلنا؟ اللهم اهد قلوب عبادك هداية نلقاك بها، اللهم زادت زلاتنا فسترتنا وسترت عيوبنا فأنت الرءوف، فباعد بيننا وبين الشيطان كما باعدت بين المشرق والمغرب، ونقنا من خطايانا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، واغسلنا من خطايانا بالثلج والماء والبرد، اللهم هذا رجاؤنا وهذا دعاؤنا فإنك قريب مجيب الدعاء.. فليس لنا رب سواك.
أميمة الجابر
- التصنيف:
- المصدر: