الإعلام وصناعة الاستبداد
مصانع الكذب وورش التضليل الإعلامي وصناعة العبد وصناعة السيد، وفي هذا السياق يستغلون كل ما يتعلق بمجتمع الفرجة واللامبالاة.
من الأهمية بمكان أن نشير ونحن بصدد فتح صندوق الإعلام الأسود بكل مكنوناته ومكوناته وأدواته، أن نتحدث عن أمور تتعلق بعمليات تتم داخل هذا الصندوق من خلال فلسفة تحددها منظومة الاستبداد وشبكات الفساد، بحيث يقوم صندوق الإعلام في هذا المقام كأهم أدوات التمكين لكل هذه القوى التي اجتمعت مصالحها ومكنت للسلطة وآليات استبدادها التي تمكن بدورها للتحالفات المصلحية والمجتمعية والسياسية، وهي تستند من خلال مثلث من الصناعات يقوم على قاعدة صناعة الصورة، وصناعة الإرهاب وتشويه الاحتجاج، وصناعة التعبئة ومجتمع الفرجة في إطار يستغل التمكين لعقلية القطيع والعوام، وهو في هذا المقام يؤكد على صناعة بيئة قابلة لهذه الأدوار الإعلامية تحقيقا للمصالح الأساسية وحماية تلك التحالفات الظاهرة والكامنة والمخفية.
ويتحكم في ذلك إطار شامل يتعلق بصناعات الاستبداد الثقيلة، وكذلك تكريس مجتمع الفساد في إطار يقوم على صناعة كبرى تتولد عنهما وتتعلق بصناعة مجتمع العبيد، وصناعة السيد والعبيد في إطار إحكام العلاقة التي تسمح بشكل أو بأخر بإدارة العبيد مستخدمة في ذلك كل مصانع الكذب التي يمكن تضطلع بها مساحات الإعلام وأدوات السحرة الجدد وآليات تستخدم في إطار صناعة الصورة وصناعة الرضا الكاذب ومجتمع الإذعان.
ومن هنا فمن الضروري أن نؤكد على أن هذه البيئة التي يحاول أن يصنعها الإعلام والعناصر الفاعلة فيه بما تقدمه من رسالة إعلامية تسيطر على كافة عناصر هذه الرسالة من إرسال واستقبال، ومن محتوى وأدوات، ومن أهداف وغايات، وأكثر المساحات التي يتعاظم تأثيره فيها إنما هي مساحات الإرسال والمحتوى والذي يصنّع به المواقف، ويزيّف فيه الحقائق، ويعتّم فيه على الحقيقة، ويقدم كل ما يمكّن لرضا كاذب أو هندسة الإذعان أو إحكام دخول الناس صندوق الخوف والترويع.
وفي هذا السياق فإن هذا المثلث الجهنمي يملك تأثيره من خلال تفاعل هذه الفواعل الأساسية من رجال السلطة ورجال الأعمال ورجال الإعلام، بحيث يشكل هؤلاء شبكة مصالح وتحالفات يحاولون أن يجعلوا منها قاعدة للسيطرة على مساحات وساحات الإعلام ومفاصلة الأساسية وأدائه ومفرداته وكل التأثيرات التي يرغبون في إرسائها؛ بحيث تحقق المقصود وتصل لتكوين وتأسيس وتمكين علاقة السيد بالعبد في صناعة السيد من جهة (الفرعون الجديد)، والعبد من جهة أخرى ممثلا في الجمهور الذي لا يقبل السيد وخدمته إلا أن يكون هؤلاء جميعا عبيدا مطيعين يدخلون عن بكرة أبيهم بيت الطاعة وتحركهم عناصر الخوف والنفاق والتضليل.
ويستخدم في هذا كل الأدوات التي تتعلق بالبيئة الإعلامية ضمن خريطة تتعلق بالإعلام الحكومي والرسمي، والإعلام غير الحكومي والذي يسيطر عليه رجال الأعمال ويتشكل في أوعية مختلفة من صحف وقنوات تلفزيونية ومحتوى يصطنعه هؤلاء على أعينهم ضمن سياقات تحدد الأدوار وتوزع المهام، فهذا الإعلام يقوم ضمن جوقة حملة المباخر الذين ينافقون السيد ويتفقدون مواقع أقدامه ويتلمسون كل رغباته وأحلامه فيجعلون من ذلك واقعا أخطر ما يكون فبإدارة ما يمكن تسميته بحالة النفاق والتنافس على رضا الفرعون أو نظره إليهم بعين العطف والرعاية.
ويترافق مع هؤلاء أيضا إعلاميون يقومون بدور ماسحي الأحذية الذين يجلسون القرفصاء عند أقدام سيدهم يقومون بكل ما من شأنه تلميع حذائه ينتظرون منه العطايا والهبات، ويكمل هذا النوع في إطار هذه الحالة النفاقية إعلاميون يسارعون في القيام بأدوار حاملي الحقيبة.. وهم الذين يهرعون لكل أمر يتعلق بالفرعون الجديد يتدافعون لحمله في إطار إثبات حالة من الانتماء والولاء لهذا الفرعون والعمل في خدمته وتوطيد أركان سلطانه، وهم في هذا دائما يقومون بدور التابع والذيل الذليل الذي يقوم بهذا الدور بقدر من التفاني حتى يكون في معية الفرعون وجوقة استبداده وشبكات فساده مكتفيا بما يحصل عليه من فتات أو مكاسب.
تأتي بعد ذلك مجموعة أخرى من الإعلاميين يقومون بأدوار مختلفة فها هو إعلامي يقوم بدور المهرج الذي يسخر من كل شيء في سبيل أن ينال رضا سلطانه أو ضحكاته...، ولا شك أن ساحات الإعلام مليئة بهذا النوع من المهرجين الذين يقومون بأدوارهم، يساعدهم في هذا جوقة من المطبلاتية وما يمكن تسميتهم بالزمّارة الذين ينادون على الحشود، ويصحب هؤلاء صناع الأحلام ومسوقي الأوهام في إطار يروج لثورة توقعات تتوافق وصناعة الصورة الذين يحاولون إرسائها في صورة المنقذ والمخلص، ويستخدمون في ذلك أدوات من زخرف القول وكلام الزينة الأجوف ورجع الصدى والقيام بدور التشريفة والجوقة في إطار يجمع ليس الإعلاميين فقط ولكن بعض المثقفين وبعض الفنانين والمخرجين الذين يسهمون في صناعة الصورة زيفا وتضليلا محاولين أن ينالوا قبول الناس عبر غسيل أمخاخهم وتحريك كل مسالك صناعة التعبئة وهندسة الإذعان والرضا الكاذب .
وتأتي مجموعة أخرى من الإعلاميين الذين يقومون بأدوار كلب الحراسة وتأمين شخص الفرعون والقيام بدور الكلاب المحرضة أو الكلاب التي تقوم بالاغتيال المعنوي بالنباح على كل من يقترب من الفرعون بنقد أو مخالفة، ويترافق مع هذا النوع إعلامي جعجاع صاحب كلام فقاعي يقوم بدور المهيج (الديماجوج)، ويمارس بعضهم دور البلطجة الإعلامية ولا بأس بالقيام بدور صناعة الإهانة والمهانة لكل معارضي الفرعون مهما كانت مكانتهم إذ يشكلون بذلك فرقة اغتيال معنوية لكل من يجرؤ على مخالفته أو التهوين من شأنه أو اتخاذ مواقف مضادة لممارساته وسياساته.
وهناك مجموعة أخرى تتعلق بإعلام السلطان يقومون بأدوار متنوعة في خدمة السلطان وتبرير كل ما يتعلق به من سياسات وخطابات ضمن علماء السلطان وبعض الأكاديميين المتحذلقين وهؤلاء المدعين للحكمة الذين يقومون بدور الكهنة؛ خاصة هؤلاء العجائز الذين يزينون للفرعون ويتحركون في خدمته ويقومون بأدوارهم المرسومة.
وتجتمع مع هؤلاء جميعا عناصر إعلامية يتراوح إسهامها بين صناعة الكراهية من كل طريق، وصياغة الاتهامات وفبركة الأخبار، بينما يقوم مجموعة أخرى بصناعة التفاهة في إطار لفت الأنظار وصناعة ما يسمى بصناعة الإلهاء والإشغال وتبديل سلم أولويات الناس بنشر أخبار تافهة تكون موضع اهتمام الناس لتمرير أمور تتعلق بشئون عظيمة وأمور يمكن أن تؤثر على مستقبل البلد السياسي.
كل ذلك يتم ضمن مصانع الكذب وورش التضليل الإعلامي وفي إطار صناعة العبد وصناعة السيد، وفي هذا السياق يستغلون كل ما يتعلق بمجتمع الفرجة واللامبالاة يهمشون فيه دور المواطن ويمكنون فيه لمتوالية العبودية والولاء المطلق وارتباط المصالح وتوزيع الأدوار كل منهم يقوم بدور معلوم يقبلون فيه أدوار السنيد وحتى أدوار الكومبارس، كل همهم أن يمهدوا لاستقبال السيد فرعون الجديد، وفي هذه الجوقة فإنه غير مسموح للعبد أن يترك مجتمع العبيد لأن ذلك مما ينال من سلطان السيد وينال من إخوانه.
ومن هنا فإن البحث في صناعة الخريطة الإعلامية والتي تُضخ في ساحتها ومساحاتها وأوعيتها المختلفة المليارات، وتقوم فيها أطراف داخلية إقليمية وخارجية بأدوار متنوعة ترتبط بخريطة المصالح وشبكة التحالفات تتعلق بملكية وسائل الإعلام، في إطار المثلث الجهنمي الذي أشرنا إليه لتحالف رجال الشرطة ورجال الأعمال ورجال الإعلام، وبإشارة واضحة لزراعة الأذرع الإعلامية في مجال تشيع فيه صناعة الرشوة والإعلانات والارتباط بمؤسسات أمنية وغير ذلك من أمور، يتحدث من داخل الإعلام نفسه من يتحدث، فيكشفون ضمن هذه الخريطة المستور والمخفي من المتنفذين في ساحات الإعلام ومساحاته، وفي إطار يلعب فيه المال السياسي وعصبية المصالح المشتركة وعلاقات الفساد المريبة والاحتيال على القوانين والتشريعات التي تمنع ملكية هذه الوسائل بما لا يزيد عن الـ 10 % وامتلاك أكثر من وسيلة إعلامية وارتباط رجال الأعمال بملكية هذه الوسائل بحيث يكون رجل الإعلام في النهاية إما أن يكون مأجورا لمالك وسيلة الإعلام أو مشاركا فيها، أو مأجورا لصاحب السلطة أو الإثنين معا.
د. سيف عبد الفتاح
- التصنيف: