وقفات منهجية تربوية - (13) الوقفة العاشرة: البعد عن حب التصدر والشهرة

منذ 2014-04-14

وحب الظهور -كما يقال- من قواصم الظهور، وقد كانوا من أبعد الناس عن ذلك؛ فهذا الصّديق رضي الله عنه يؤثر على نفسه، وهو يعرف أنه أحق الناس بذلك؛ لأن مراده وغايته أن يصلح أمر الأمة، وهذا عمر رضي الله عنه يُعارض أشد المعارضة، ويأبى أن يتولى غير أبي بكر لعلم عمر أن لا يتقدم أحد على أبي بكر في حياته، ولهذا قال الصّديق رضي الله عنه: "والله ما سألتُ الإمارة في دعاء سرٍ ولا علانية، ولا تاقت لها نفسي، ولكن من باب الرحمة بهذه الأمة".

من منهج الصحابة ومن أثر تربية النبي صلى الله عليه وسلم البُعد عن حب التصدر والشهرة، ويكفيك أن سيدهم بعد نبيهم صلى الله عليه وسلم الصديق رضي الله عنه كان من أبعد الناس عن حب التصدر والظهور؛ بل كان قصده الأسمى وغايته العظمى في السقيفة أن تجتمع كلمة المسلمين وأن يوحد صفهم، ولما رأى أن الكلمة قد قاربت على الاجتماع في السقيفة اعتذر عن الإمارة، ووكل إلى أهل الحل والعقد أن يختاروا عمر أو أبا عبيدة رضي الله عنهما.

وحب الظهور -كما يقال- من قواصم الظهور، وقد كانوا من أبعد الناس عن ذلك؛ فهذا الصّديق رضي الله عنه يؤثر على نفسه، وهو يعرف أنه أحق الناس بذلك؛ لأن مراده وغايته أن يصلح أمر الأمة، وهذا عمر رضي الله عنه يُعارض أشد المعارضة، ويأبى أن يتولى غير أبي بكر لعلم عمر أن لا يتقدم أحد على أبي بكر في حياته، ولهذا قال الصّديق رضي الله عنه: "والله ما سألتُ الإمارة في دعاء سرٍ ولا علانية، ولا تاقت لها نفسي، ولكن من باب الرحمة بهذه الأمة".

وهذا يدلنا على الخلل الواضح فيمن أراد التصدر والشهرة حتى يُقال: هذا فلان، وقال فلان، وجاء فلان... نعم هناك أحوال تستدعي من الإنسان أن يُظهر نفسه فيها إذا علم أن هذا الأمر لا يتم إلا بوجوده، فيتقدم. لهذا قال بعض العلماء: مدح الشخص لنفسه تارة يكون مذمومًا، وتارة قد يكون محمودًا. قال تعالى: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم:32]، وقال صلى الله عليه وسلم: «لا تزكوا أنفسكم الله أعلم بأهل البر منكم» (رواه مسلم).

وكان السلف الصالح على هذا المنهج، فقد كان الإمام أحمد يوصي تلاميذه فيقول: "إياكَ والشهرة، فإني قد بُليتُ بها". وشعبة يقول: "لم أرَ أحدًا أبعد وأبغض للشهرة من أيوب السختياني وكنت أماشيه فكان يخالف الطريق حتى لا يعرفه أحد". فحب الظهور من قواسم الظهور، وحب تزكية النفس ينافي عبادة المتقين.

فشاهد القول: أن طالب العلم ينبغي أن يعلم أن حب تزكية النفس وحب الظهور يخالف منهج الصحابة الذي رباهم عليه النبي صلى الله عليه وسلم.

وإن من الآفات في مجتمع الصحوة الحرص على التصدر؛ فترى أن بعض الناس إذا صدره الناس وأثنوا عليه ربما تغلبه نفسه، وربما تقحمه نفسه في أمور فيها هلاكه بأن يقول بلا علم؛ لأنه إذا صدره الناس يصعب عليه أن يقول: لا أدري، وهذا لا شك من الجهالة، والنبي صلى الله عليه وسلم قد حذر من حب التصدر بحديث كان بعض السلف يقول عنه: "أشدُ ما وجدتُ من السنة هذا الحديث". وهو الحديث الذي أخرجه مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أول من تُسعر بهم النار ثلاثة: رجل قرأ القرآن وأقرأه، فأُتي به فعرَّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها، قال: يا رب قرأت القرآن، وأقرأته فيك، قال: كذبت» . وانظر إلى الخطاب ما قال: أخطأت؛ لأن الخطأ يقابل الصواب، وإنما قال: كذبت لأن الكذب يخالف الصدق «وإنما قرأت ليُقال قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى أُلقي في النار» فالإنسان لا بد أن يحرص ويتفطن لهذا الأمر.

 

ملخص من كتاب: وقفات منهجية تربوية دعوية من سير الصحابة.

  • 7
  • 0
  • 11,694
المقال السابق
(12) الوقفة التاسعة: حرص الصحابة رضي الله عنهم على وحدة الصف وجمع الكلمة
المقال التالي
(14) الوقفة الحادية عشرة: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً