الحياة بين الانتصارات والانكسارات
نجاح.. مكسب.. فرح.. قلق.. خوف.. حزن.. إحباط.. إحساس بالفشل.. استياء.. تختلف المشاعر التي نتعرض لها، وتختلف ردود أفعالنا تجاهها. ربما نكون جزء من الألم الذي نتعرض له، وربما نكون الضحية بلا ذنب.
نجاحٌ.. مكسبٌ.. فرحٌ.. قلقٌ.. خوفٌ.. حُزنٌ.. إحباطٌ.. إحساسٌ بالفشل.. استياء..
تختلف المشاعر التي نتعرَّض لها، وتختلف ردود أفعالنا تجاهها، ربما نكون جزءٌ من الألم الذي نتعرَّض له، وربما نكون الضحية بلا ذنب، قد نجد من يستمع إلينا ويُرشِدنا إلى برِّ الأمان، يُذكِّرنا في حين غفلةٍ أن أمر المؤمن كله خير، وأن رحمة الله وسعت كل شيء، وقد نجد الأبواب مؤصدة ونبقى أسرى لمشاعرنا حينًا من الزمن.
قد تمرُّ عليك لحظات تكون فيها يائسًا إلى أبعد الحدود، ولكن يبقى هناك شعورًا غريبًا بداخلك يقف بجانبك، وهو الذي يجعلك تستمر وتُكابِد مصاعب الحياة.. نعم عندما تُقفَل جميع الأبواب في وجهك، يظل هذا الباب مفتوحًا أمامك، وأنت تُمنِّي النفس وتبني الآمال أن يكون لهذا الباب الوحيد دورًا في تغيّر حياتك وإبعاد اليأس عنك.
نعم، إنه باب (الأمل) فالحياة كلها تدور لحظاتها سريعة وتتفاوت بين اليأس أحيانًا وبين الأمل أحيانًا أخرى، فهل اليأس هو الحل الوحيد لك وللمشاكل كلها؟
بالطبع لا، فجميعنا لدينا أمل أن تتحسَّن الظروف ويتغيَّر الحال.
(الأمل)؛ تلك القوة الدافعة التي تشرح الصدر للعمل، وتخلق دواعي الكفاح من أجل الواجب، وتبعث النشاط في الروح والبدن، وتدفع الكسول إلى الجد، والمجد إلى المداومة، كما تدفع المُخفِق إلى تكرار المحاولة حتى ينجح، وتُحفِّز الناجح إلى مضاعفة الجهد ليزداد نجاحه.
(الأمل) الذي نتحدَّث عنه هنا ضد اليأس والقنوط، إنه يحمِل معنى البِشر وحُسن الظن بالله تعالى، بينما اليأس مِعوَل الهدم الذي يُحطِّم في النفس بواعث العمل، ويُوهِن في الجسد دواعي القوة. ولهذا قال ابن مسعود رضي الله عنه: "الهلاك في اثنتين: القنوط والعُجب"، القنوط هو اليأس، والعُجب هو الإعجاب بالنفس والغرور بما قدَّمته.
قال الإمام الغزالي: "إنما جمع بينهما: لأن السعادة لا تُنال إلا بالسعي والطلب، والجد والتشمير، والقانط لا يسعى ولا يطلب، لأن ما يُطلبه مستحيلٌ في نظره".
وقمّة الأمل والتفاؤل في اتصال القلب بالرب جل وتعالى؛ فالصلاة تفاؤل، والذكر تفاؤل؛ لأنه يربط الفاني بالحي الباقي، ولأنه يمنح المرء قدرات واستعدادات وطاقات نفسية لا يملكها أولئك المحبوسون في قفص المادة.
إن المؤمن في كل أحواله صاحب أملٌ كبير في روح الله وفرجه ومعيته ونصره؛ لأنه لا يقف عند الأسباب الظاهرة فحسب، بل يتعدَّاها موقنًا أن لها خالقًا ومسببًا وهو الذي بيده ملكوت كل شيء، {وَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ}[1] فيمتلئ قلبه توكلًا ورجاءً وأملًا. وهذا ما يفتقده غير المؤمنين؛ لذلك تراهم ينتحِرون ويُصابون بالعُقد والأمراض النفسية الكثيرة، نسأل الله العافية.
ولذلك كان الصالحون يتقرَّبون إلى الله عز وجل بقوة رجائهم، فهذا ذو النون المصري كان يقول في دعائه: "اللهم إليك تقصد رغبتي، وإياك أسأل حاجتي، ومنك أرجو نجاح طلبتي، وبيدك مفاتيح مسألتي، لا أسأل الخير إلا منك، ولا أرجو غيرك، ولا أيأس من رَوحك بعد معرفتي بفضلك".
قضية اليأس والأمل ليست مجرّد قصة تتصل بالحالة النفسية للإنسان عبر نتائجها الإيجابية والسلبية، بل تتصل بالنفس عبر كلام الله تعالى والخط العقائدي، فأن تكون الإنسان الذي يعيش الأمل في عقله وقلبه يساوي أن تكون مؤمنًا قويًا في إيمانك، أما أن تكون الإنسان اليائس يساوي أن تكون المرء الفاتر ضعيف الإيمان.
ونحن قد نعيش في مجتمع سلبي، ونُحاط بأخبارٍ سيئة ابتداءً من صحيفة الصباح وحتى أحداث المساء بشكلٍ عام، قد تكون ثقافتنا ليست مشحونة دائمًا بجو إيجابي، وكل يوم نقوم بخيار ما لنملأ عقولنا إما بأفكارٍ إيجابيةٍ أو بأفكارٍ سلبية، وللهروب من مجرى الأفكار السلبية، فأنت تحتاج لأن تفسح مجالًا لعادة التفكير بإيجابية، فالإسهاب في الأفكار السلبية هو سلوك مكتسب، وما تم اكتسابه يمكن للمرء أن يتخلَّص منه، لأن التفكير السلبي يُشبه القطار الذي تزداد سرعته كلما تحرَّك مسافةً أبعد.
إنك تُبرهِن عن النجاح أو الفشل طبقًا لنوعية وطريقة تفكيرك الاعتيادي، أيهما أقوى في حياتك: أفكار النجاح، أم أفكار الفشل؟
إن كان تفكيرك سلبيًا في مُعظم الأوقات، فلن يكفي التفكير الإيجابي بين الحين والآخر لاجتذاب النجاح، ولكن إن فكَّرت باستقامة وإيجابية فستعثر على ضالتك وستبلغ غايتك، حتى ولو شعرت أنك محاط بظلمة كثيفة..
أنت الوحيد المسئول عن نفسك، ولا سبيل إلى جعل مستقبلك أفضل من حاضرك -بإذن الله تعالى- إلا بشيئين:
الأول: تخيل صورة ذهنية للمستقبل أفضل من صورة الحاضر.
الثاني: بذل الجهد واتخاذ الخطوات العملية التي تستطيع أن تحيل بها تلك الصورة الذهنية المتخيلة إلى واقع متحقق.
فمن الخطأ الجسيم أن ننسى ما يجب أن يكرسه المرء من وقتٍ وجهدٍ وتركيزٍ ومواصلةٍ لتحقيق صورته الذهنية، بل ينبغي في نفس الوقت تخصيص الجهد والوقت والمثابرة والمواصلة حتى نجعل الوسائل المتاحة لدينا ناجعة وذات فاعلية وتأثير في تحويل الصورة الذهنية إلى واقع حي.
فعلى الإنسان المؤمن إذا أحاطت به المشاكل أن يدرسها على أساس الواقع، وأن يدرس الثغرات التي يمكن أن ينفذ منها، والآفاق التي يتطلَّع إليها، وأن لا يحبس نفسه في سجنٍ ضيق من التشاؤم ومن اليأس، بل يفتح لنفسه كل أبواب الرجاء وكل أبواب الأمل.
وقد حدَّثنا الله تعالى في بعض آياته أن التقوى التي يعيشها الإنسان في عقله وفي قلبه وفي حياته تمنحه المخرج حيث لا مخرج، ويكتشف الحل حيث لا حل، ويحصل على الرزق من حيث لا يحتسب {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق من الآيتين:2-3].
ومن يتوكل على الله وهو يسعى لحل مشكلته، ومن يتوكل على الله وهو يعي طبيعة الواقع، ومن يتوكل على الله وهو يخطط للمستقبل، {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق من الآية:3]... فإذا أراد الله شيئًا بلغه: {إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق من الآية:3] أي قد جعل الله للمشاكل قدرًا محدودًا، ولحلولها قدرًا محدودًا، وفتح للإنسان أكثر من أُفقٍ جديد، في عقولنا وفي قلوبنا ومشاعرنا.
فأن نكون مؤمنين يعني أن لا يزحف اليأس إلى حياتنا، وأن نبقى مُحدِّقين في الشمس عندما تميل إلى الغروب وينتشر الظلام، ونُحدِّق بالنجوم وهي تُشير إلينا أن الظلام ليس خالدًا، وأن هناك إشراقة الفجر التي تنطلق من كل نقاط الضوء..
فإذا كنت تشعر بالظلام ففكَّر بنقاط الضوء التي تجدها منتشرة في الحياة حتى تلتقي بالفجر، وفي قلبك أكثر من أمل، وفي قلبك أكثر من انفتاح على الشروق، وأقولها للشباب، عندما ينطلقون في دراساتهم وفي مشاعرهم وفي عواطفهم، وأقولها للثائرين وللمجاهدين الذين يواجهون التحديات، "ليس هناك ظلام مُطلَق!"..
علينا أن نُنتِج النور من عقولنا، وأن نُنتِج النور من قلوبنا، وأن نُنتِج النور من جهدنا، لنلتقي بالنور الذي يفتحه الله تعالى لنا من خلال إشراقة شمسه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1]- [البقرة من الآية:117].
- التصنيف:
- المصدر: