جواسيس إيران في الخليج

منذ 2014-04-20

استغلت المؤسسات الأهلية الحقوقية في دول الخليج آليات تواصلها مع المؤسسات الغربية لتنفيذ الطموحات الإيرانية والغايات المذهبية، وعلى سبيل المثال لا الحصر فقد ساهمت هذه المنظمات بالإطاحة بنظام صدام حسين.

تعتبر إيران ومن قبلها الإمبراطورية الفارسية أن منطقة الخليج العربي هي امتداد طبيعي لحدودها، لكن بعد بزوغ فجر الإسلام تبدد هذا الوهم لدى الفرس منذ أن بدأت جيوش المسلمين تغزو بلادهم وتحتل مدنهم وقراهم وتلحق الهزائم بجيوشهم، وفي العصر الحديث وخصوصا بعد نجاح الثورة الشيعية في سبعينيات القرن الماضي بدأت إيران تعيد نبش الماضي وتبحث عن مبررات للثأر من المنطقة العربية تحت دواعي عقدية استغلت خلالها أطياف من الجماعات التي تتبعها مذهبيا في منطقة الخليج لتجندها لصالحها، ولخدمة أهدافها. ولو عُدنا للتاريخ لوجدنا أن إيران في عام 1927 طالبت عصبة الأمم (الأمم المتحدة حاليا) باستعادة البحرين التي اعتبرتها مدينة إيرانية، وعقب انتهاء الحرب العالمية الثانية هاجمت الصحافة الإيرانية بريطانية وطالبتها بالسيادة على البحرين، وفي سبتمبر من عام 1945 قالت جريدة (نيروز إيران) إن بلادها طالبت الولايات المتحدة بوقف استخراج النفط من البحرين نظرا لحقوق إيران فيه، ووضعت المدارس الحكومية الإيرانية مناهج تعليمية للطلبة تبين بأن البحرين جزء من إيران، رفضت إيران اتفاقية التعاون الاقتصادي الموقعة بين السعودية والبحرين عام 1958، واعتبرت إقامة جسر يربط بين المملكة والبحرين بمنزلة إجراء تتخذه السعودية لإحباط أي محاولة تقوم بها إيران لضم البحرين.

المحاولات الإيرانية السابقة جميعها لم تستطع أن تغير الواقع على الأرض لذلك لجأت إيران إلى أسلوب دبلوماسي خبيث لاحتلال البحرين، تمثل في إيجاد كتل معارضة للنظام الحاكم تقوم بتوتير استقرار البلاد، واستغلت هذه المعارضة ما وصف بـ(الربيع العربي) لتزيد من قوة انطلاقتها لاستغلال التعاطف الدولي والزخم الإعلامي وبدأت بتنظيم مظاهرات حاشدة تحمل شعارات حول اضطهاد الشيعة في البحرين وقلة فرص العمل لهم وتعذيبهم في السجون وغيرها من الشعارات العاطفية، ويقول فريدريك ويري الباحث في معهد كارنيجي الأمريكي إن العشرات قتلوا في البحرين بفعل الصدام بين المعارضة الشيعية والحكومة، حيث سعت جمعية الوفاق إلى تجميع المؤسسات الشيعية والجماعات اليسارية الأخرى في التحالف الذي يقود المواجهة مع النظام. وتتهم النيابة البحرينية بعض النشطاء المتورطين في العنف بتلقي التمويل والدعم من إيران وتلقي تدريبات من الحرس الثوري والباسيج على استخدام الأسلحة والمواد المتفجرة، وهذا الأمر يشير إلى أن ما يجري في البحرين عمل استخباري هدفه احتلال البحرين بواسطة أهلها. ونشر موقع (أخبار بلدنا) الأردني معلومات مفادها أن شخصيات سياسية بحرينية التقت قبل فترة وجيزة في أحد فنادق العاصمة البريطانية لندن مع ضباط كبار من جهاز استخبارات مهم في إقليم الشرق الأوسط، يرجح أنه جهاز المخابرات الإيراني، وتلقت أموال ضخمة جدا، في مسعى اعتبرته المصادر لتجديد ما تسميه المعارضة البحرينية الثورة في الشارع.

ولا تعمل إيران وحدها لإنجاح هذا المخطط فهي تستغل الحكومة العراقية والنظام السوري في ذلك، حيث قالت صحيفة (وول ستريت جورنال): "إن أحمد الجلبي الدبلوماسي العراقي المعروف الذي ضلل أميركا بمعلومات خاطئة عن أسلحة الدمار الشامل العراقية، وهو ما أدى لإسقاط الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، يتحرك في قضية أخرى في بلد عربي آخر وحليف لأميركا وهو البحرين".

وأضافت الصحيفة: "أن الجلبي ساعد في قيادة وفد إلى واشنطن في أكتوبر الأول الماضي لمناقشة قمع السلطات البحرينية للمعارضة مع مسؤولين في وزارة الخارجية والدفاع والكونغرس، وقال الناطق باسم الخارجية الأميركية إنهم لم يكونوا يعرفون روابط الوفد بالجلبي". ونقلت الصحيفة عن مساعدة للجلبي: "بأنه ساهم في تنظيم مؤتمرات في بغداد وبيروت وحاول إرسال سفن مساعدات إلى البحرين". وأكدت الصحيفة: "أن الجلبي نظم ببغداد في شهر أبريل الماضي مؤتمرا دام يومين احتضن المعارضة البحرينية وسياسيين عراقيين ورجال دين شيعة، وقد رفض السفير الأميركي في بغداد جيمس جيفري دعوة تلقاها لحضور المؤتمر، وفقا لتأكيدات مسؤولين عراقيين وأميركيين".

بدوره يقول الكاتب البحريني عادل محمد: "إنني لا أبالغ حينما أقول أن هدف المعارضة البحرينية الموالية لحكام إيران هو تأسيس دويلة شيعية في البحرين، لأن عملاء النظام الإيراني في العراق ولبنان هدفهم الأساسي هو دويلات شيعية في الدول العربية تابعة لإيران، والشاهد على أقوالي هو تصريحات المجرم حسن نصر الله في مقطع شريط فيديو قبل عدة سنوات". وكانت السلطات البحرينية قد أعلنت عن ضبط (خلية إرهابية) تضم ثمانية بحرينيين قالت: "إنهم تنقلوا بين إيران والعراق ولبنان وتلقوا تدريبات على استخدام العنف"، واستدعت القائم بالأعمال اللبناني بالوكالة، الثلاثاء، وسلمته مذكرة احتجاج على كلمة رئيس مجلس النواب اللبناني (نبيه بري) خلال رعايته لمعرض أقيم في بيروت لدعم المعارضة البحرينية، معتبرة أن ما أدلى به الأخير إستراتيجية الانتشار في المنظمات الحقوقية!

نجحت الطلائع الشيرازية في العراق منذ عام 1967م في تأسيس جمعيات ومؤسسات تمثلها وتنفذ أجندتها بصفتها ممثلة للمرجعيات الدينية الشيعية في العراق وإيران، وفي البحرين تأسست الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين، وفي السعودية تأسست منظمة الثورة الإسلامية، وفي العراق تأسست منظمة العمل الإسلامي، ويطلق عليها هذا الوصف نظرا لأن الرئيس الموكل بتأسيسها هو (محمد تقي المدرسي) ابن أخت حسن الشيرازي (شقيق المرجع آية الله محمد الشيرازي). ومن الشواهد على انتهاج تلك المنظمات منهج العنف تورط كوادرها في أعمال عنف نفذت في منطقة الخليج العربي في مطلع الثمانينيات، ومنها المحاولة الانقلابية ضد نظام الحكم في البحرين عام 1981، ومحاولة اغتيال أمير الكويت عام 1983. على خلفية هذا العنف الذي انعكس على إيران بأثر سلبي بدأت المنظمات الثلاثة المذكورة سابقة منذ عام 1986 بالتنسيق مع إيران لتبني خطة شاملة تتمثل في العمل على المستويات السياسية والإعلامية والجماهيرية مع التركيز على النشاط الحقوقي من خلال الارتباط بمنظمات حقوق الإنسان الدولية لإيصال صوت المعارضة إلى المجتمع الدولي.

بعد تشديد الحصار على العراق في مطلع التسعينيات بدأت إيران بتوجيه هذه المؤسسات وعلى رأسها الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين للانتشار في مختلف الدول ونشر مفهوم: (المظلومية التي يتعرض لها شيعة الخليج العربي) من خلال المنظمات الحقوقية ووسائل الإعلام، فأسس عبد الهادي الخواجة (لجنة الدفاع عن المعتقلين السياسيين في البحرين) في دمشق عام 1983، ثم انتقل بعدها إلى الدنمارك ليؤسس (المنظمة البحرينية لحقوق الإنسان) في كوبنهاغن عام 1992. وشهدت تلك الفترة تأسيس قواعد ارتكاز لأنشطتهم في الدنمارك والسويد وبلجيكا وبريطانيا وإسبانيا، والولايات المتحدة الأمريكية التي قدم إليها حسن القزويني عام 1993، ونشط في (المركز الإسلامي) بمسجد ديترويت في ولاية ميتشيغن، والذي أعيد بناؤه عام 2005 ليصبح أكبر مسجد في الولايات المتحدة بتكلفة قدرها 15 مليون دولار.

ويقول فاضل حسن وهو كاتب بحريني: "أقام الناشطون الشيعة علاقات واسعة في الخارج في محيط العالم العربي، وكذلك في المحيط الغربي، وكانت لهم مراكز نشاط في كل من لندن وواشنطن، تواصلت من خلالها مع الفعاليات الإعلامية والصحفية والسياسية ومنظمات حقوق الإنسان، ومراكز الأبحاث وأعضاء في البرلمانات وغير ذلك"، مؤكداً أن جهات (حكومية) أمريكية قد تواصلت معهم بهدف التباحث بشأن تعزيز دورهم السياسي في منطقة الخليج العربي، ويكمل قائلا: "(هادي المدرسي) يبث تصريحات إلى أتباعه عبر وسائل التواصل الاجتماعي يحثهم فيها على العنف واستخدام القوة لقلب نظم الحكم في الخليج العربي، وهو الخط المتشدد نفسه الذي كان يتبناه ويدعو إليه منذ سبعينيات القرن الماضي".

على إثر مبادرة الملك حمد بالإعلان عن مجموعة إصلاحات عام 2001؛ قام أعضاء الحركة الرسالية بتأسيس مركز البحرين لحقوق الإنسان الذي أشهر في يونيو 2002، واستغله عبد الهادي الخواجة، رئيس جمعية الرسالة الشيرازية وجعفر العلوي الذي تولى مهمة تأسيس اللجنة الوطنية للشهداء وضحايا التعذيب في البحرين، والرئيس الحالي لجمعية خلاص المتطرفة عبد الرؤوف الشايب لتنسيب خلايا الحركة الرسالية في هذه المنظمات، وركز على التدريب والتأهيل مستفيداً من الفرص التي توفرت له، وبالأخص منها تكليفه من قبل برنامج أكويتاس الكندي لتعليم حقوق الإنسان، وكان للجنة حقوق الإنسان في الكونغرس الأمريكي دور بارز في دعم هذا التوجه حيث وجهت هذه اللجنة دعوات إلى كل من: (مريم الخواجة، ونبيل رجب، وعبد الجليل السنكيس) في أكتوبر 2008، للحديث عن أوضاع حقوق الإنسان في البحرين بالكونغرس الأمريكي. ولما اندلعت الأحداث بالبحرين في شهر فبراير 2011 انبرى القائمون على هذا البرنامج لدعم نشاط الخلايا المعارضة في أروقة السياسة الأمريكية، إذ عينت مريم الخواجة رئيساً على طلبة البرنامج في جورج تاون، واستدعيت لإلقاء كلمة أمام لجنة حقوق الإنسان في الكونغرس، كما نظمت المؤسسة لها مقابلة مع وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلنتون، وتم إعداد برنامج زيارة حافل لكل من نبيل رجب وعبد الجليل السنكيس إلى واشنطن.

الأبعاد الخارجية..
استغلت المؤسسات الأهلية الحقوقية في دول الخليج آليات تواصلها مع المؤسسات الغربية لتنفيذ الطموحات الإيرانية والغايات المذهبية، وعلى سبيل المثال لا الحصر فقد ساهمت هذه المنظمات بالإطاحة بنظام صدام حسين، وكان على رأس الداعمين للمعارضة السياسية في البحرين لدى الدوائر الأمريكية الرسمية الدبلوماسي العراقي أحمد شلبي الذي عمل على توظيف المشكلة الحقوقية لتحقيق مقاصد ذات طابع سياسي بحت؛ فقد نشرت صحيفة وول ستريت جورنال في 15 نوفمبر 2011 دراسة بعنوان السياسي العراقي السيد الشلبي يتبنى قضية جديدة ذكرت فيها أن: السياسي العراقي الذي يزعم بأنه قد زود المخابرات بشكل خاطئ بمعلومات بدفع الرئيس جورج بوش لتأسيس قناعه بإزالة الرئيس العراقي صدام حسين، يعود إلى المستوى العالمي لإثارته وتعبئته لإحداث تغيير في بلد عربي آخر هذه المرة لحليف حيوي للولايات المتحدة وهو البحرين.

ونشرت صحيفة نيويورك تايمز في 25 يناير 2012 معلومات حول تعاون المعارضة في البحرين مع: شخصيات موضع شك في العراق ولبنان وأوروبا، ونقلت عن مسؤول في الاستخبارات الفرنسية قوله: "عندما نسمع أن هناك بعضاً من المعارضة على صلة بحزب الله أو على اتصال بشخصيات مشبوهة مثل العراقي أحمد شلبي الذي نعتقد أنه يعمل لصالح إيران، فإن هذا يثير تخوفنا".

ويمكن ملاحظة نشاط الخلايا التنظيمية في البحرين من خلال تشعب نشاطهم، وتغلغلهم في المنظمات الغربية، من خلال نشاطهم الحقوقي عبر: مركز البحرين لحقوق الإنسان، وجمعية شباب البحرين لحقوق الإنسان، وقد ظهر البعد الإقليمي لهذه الخلايا التنظيمية من خلال مؤسسة الاتحاد الدولي لمكافحة الإفلات من العقاب، الذي قامت رئيستها (مي الخنساء) برفع قضية ضد ملك البحرين في محكمة الجنايات الدولية، جدير بالذكر أن (مي) هي ناشطة حقوقية لبنانية تعمل لحساب حزب الله، وقد سبق لها رفع العديد من القضايا ضد رئيس الجمهورية ووزيري الدفاع والخارجية اللبنانيين، وكذلك السفير الأمريكي السابق في بيروت جيفري فيلتمان الذي اتهمته (بتأسيس جمعية إرهابية بقصد تغيير كيان الدولة)، ويقوم نشاط مي على الإثارة الإعلامية دون الاستناد على أي أرضية قانونية، وتحظى بتغطية إعلامية كبيرة من قبل قناتي: (العالم، والمنار).

وفي هذا الصدد يحذر الكاتب الأمريكي تشاك مورس من مخاطر تقبل المجتمع الدولي لتقارير إدارات هذه المؤسسات التي تقوم بتعيين مجلس إداراتها بالتعيين دون اتباع معايير مهنية، ولا تخضع لأي رقابة رسمية أو تدقيق على أعمالها، وهي نموذج لمنظمة فريدوم هاوس التي تتعاون مع بعض الجهات المتطرفة في المعارضة البحرينية لكتابة تقاريرها حول البحرين، فقد لاحظت جنيفر روبين في مقال نشرته بصحيفة الواشنطن بوست أن أولويات هذه المنظمة يسارية بحتة، ويظهر ذلك من خلال تقييمها للأوضاع في الشرق الأوسط.

جدير بالذكر أن معظم هذه المنظمات قد وظفت أطرافاً من المعارضة التي تنتمي إلى تيارات معينة كباحثين لديها، واعتمدت على التقارير التي يرسلونها حول البحرين بغض النظر عن مدى مصداقيتها، مما طور خطاباً مفرطاً في العدائية ضد البحرين عطل علاقتها بالسلطات البحرينية. وقد تلقى التيار الشيعي المعارض زخماً كبيراً في أعقاب مؤتمر لندن الذي نظمه زلماي خليل زاد في ديسمبر 2002، والذي أسس للتعاون الأمني والسياسي بين كل من: المجلس الأعلى للثورة الإسلامية، وحزب الدعوة مع الإدارة الأمريكية، وفي أعقاب ذلك المؤتمر عقد زعماء حزب الدعوة لقاءات عدة مع الخارجية الأمريكية في شيكاغو، ومنذ ذلك الحين بدأ تغلغل خطاب (المظلومية الشيعية) في الصحافة الأمريكية والدوائر الرسمية التي كانت تناقش احتمالات إعادة النظر في الخارطة العربية عبر دعم الأقليات الطائفية في الخليج العربي.

في عام 2008 صرح شيعي سعودي بارز طلب عدم ذكر اسمه لوكالة رويترز بأنه: "عندما يستقر الوضع في العراق وتسود ديمقراطية حقيقية، سيسود كيان شيعي آخر في المنطقة إضافة إلى إيران"، وقد أكد (ماكسميلان تيرهال) أن أنظار شيعة الخليج العربي ترنو إلى تحقيق الحكم الذاتي على النمط الذي حظي به شيعة العراق في الجنوب.

المصدر: مجلة البيان
  • 9
  • 0
  • 3,704

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً