أخي من ضحايا الانقلاب!
أخرجت هاتفي من جيبي: ماما إحنا خلاص في الطريق..
اه الحمد لله غسَّلناه وخلصنا..
اه الحمد لله كان غُسل سهل.. ورائحته جميلة..
طيب طيب.. لما نوصل هكلمكِ..
أُزيل قماش الكفن من على وجهه..
أُقبِّل جبينه للمرة.. الله أعلم بعددها؟!
لا أعرف ماذا أنتظر منه؟!
أخرج هاتفي: ماما إحنا قُدام المسجد دلوقتي.. حضرتك تعالي سلمي على بلال آخر مره.. عشان بعد الصلاة مش هينفع..
صوت أمي: طيب أنا جايه حالاً استنوني..
أرد: حاضر..
تعقب: متمشوش يا عمَّار من غير ما أسلِّم عليه..
أُكرِّرها: حاضر..
أضع هاتفي في جيبي...
صوت صديقي: يلا ندخله جوّه المسجد الدنيا بدأت تزحم..
رددت: مستني ماما تيجي تسلِّم عليه..
رن هاتفي: انا داخله عليكم اهوه..
تمام..
طيب يا جماعه الله يرضى عليكم.. محدش يعيط خالص دلوقتي..
أحمد أمسك نفسك قُدام أمي..
أحمد!
صِحْتُ ناهِراً إيّاه فالموقف لا يحتمل..!
حد يدخّل أحمد جوّه يا جماعة..
أحاول أن أبدو رابط الجأش قوياً..
يمسح مسؤلي بيده الكريمة وجهي..
يحتضنني مخففاً عني.. ووالله قد فعل..
أرسم على وجهي ابتسامة عريضة مصطنعة.. لا معنى لها سوى البلاهة! أو الغباء.. في وقت أنت غير مطالب فيه بالإبتسام..
أرسمها من أجل أن أُخفِّف عنها..
أرسمها لأُخبِرها أني بخير وراضٍ..
"دار في ذهني في خلال تسع دقائق سيناريوهات عديدة.. لما قد يحدث بعد دقائق هل تراها تنهار؟! هل تراها تبكي؟! هل تراها تعتصر كمداً؟!"..
دقائق.. وأقبلت أمي..
أقبلت محطمة كل ما دار في ذهني في الدقائق السابقة..!
أقبلت بخطوات ثابتة..
مبتسمة والله لم أراها تبكي..
كانت تئن همست في أذني آهٍ لتخترق سمعي وقلبي طعناً فيه بأنينها..
قالتها حسرة..
أُمسِك يداها مبتسماً كالأخرق مصطنعاً البلاهة أو الثبات..!
قائلاً لها: لا تبكي..
كشفت عن وجهه فانحنت وقبَّلته..
ثم قالت اللهم إني أُشهِدك أني راضية عنه، اللهم فارضى عنه ورضني..
تُحضِر أخواتي تِباعاً ليُقبِّلوه..
أحمل أخي الصغير اللذي لم يُتمّ السابعة بعد حينها.. لكي أرفعه ليُقبِّل أخي الأصغر -الذي يكبره هو- للمرة الأخيرة..
أُرجِع الكفن كما كان..
نحمله إلى داخل المسجد..
لكي أجد أبي سبق.. لكي يلحق بالصف الأول..
يرتسم على وجهه سيماء الفخر والحزن في آنٍ واحد..
أُسلِّم عليه مُقبِّلاً يده محاولاً التخفيف عنه..
أسأله حماقةً كيف حالك؟! واضعاً على وجهي شبح ابتسامة محاولاً تجنُّب الألم..!
يكتفي بابتسامته رداً على سؤالي..
نضع جثمان أخي في جانب المسجد.. إلى أن ننتهي من صلاة الظهر لكي نصلي عليه بعدها..
صلينا الظهر وصليت بجواره..
ما أن سلَّمنا.. وإذا بالجموع تتسابق لرفع الجثمان، وتقديمه إلى المحراب للصلاة عليه..
وضعنا أخي في أول المسجد..
نتهامس من يصلي عليه..
ينظر إليَّ أبي!
أحني رأسي ناظراً إلى الأرض..
نُقدِّمه للصلاة على فلذة كبده وابنه..
فهو أحقُّنا بالصلاة عليه..
يرفع يده مُكبِّراً للصلاة..
ونرفع أيدينا..
هنا أُنهي كتابتي..!
وأدع رفعة أبي يده مُكبِّراً تتحدَّث..!
أدع الصورة تُحدِّثكم بملامح أبي.. ووقفته وتكبيرته..
فوالله ما أعرف بعدها ما أقول...
عمَّار علي
- التصنيف: